صدر كتاب جديد، وجدير بالقراءة والمتابعة، للدكتور يحيى اليحياوي، الخبير الإعلامي المعروف، موسوم بعنوان "حكامة الشبكات الرقمية: نموذج الإنترنيت بالمغرب"، وهو مؤلف باللغة الفرنسية، يقع في 452 صفحة، عبارة في الأصل عن رسالة لنيل الدكتوراه، ناقشها المؤلف بامتياز في جامعة محمد الخامس بالرباط، وحصل بموجبها حينئذ على أحسن أطروحة في الاقتصاد. وفي هذا السياق، يقول اليحياوي لهسبريس إن موضوع حكامة الإنترنيت على وجه التحديد، وحكامة الشبكات الرقمية بوجه عام، موضوع شاسع ومعقد، لأنه متعدد الأبعاد، ويحيل على حقول معرفية مختلفة. ويشرح الباحث أن هذا الموضوع يحيل، بصرف النظر عن الطبيعة التقنية التاريخية التي ميزت الإنترنيت، على الأشكال المؤسساتية لحكامة الشبكة (من تقنين وتنظيم وما سواها)، وأيضا وبالتحديد على نمط في تسيير وتدبير بنية الشبكة، جاعلا من هذه الأخيرة ما يشبه الملك الخاص الشبه مطلق ل"الإيكان" وللإدارة الأمريكية، حيث لم تفلح قمتا الأممالمتحدة بجنيف وتونس في زعرعتهما كثيرا. ويرى مؤلف الكتاب الجديد أنه إذا كانت حكامة الإنترنيت منذ نشأته وطيلة مراحل تطوره، من اختصاصات السلطات الأمريكية تحت ذريعة ضرورة وحدانية اشتغال الشبكة، فإنها لم تستثن حكامة عبر الإنترنيت أو من خلاله، كترجمة عملية لقدرة مختلف السلطات الوطنية لتجعل من الشبكة إياها أداة تقنين للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المقتنية للشبكة أو المستخدمة لوظائفها وآلياتها. أي أنها، يضيف اليحياوي، لم تستثن تقنين المضامين والحقوق من لدن مختلف السلطات الوطنية. وعلى أساس هذا التمييز المنهجي، يستطرد الباحث، نزعم أن تموقع الإنترنيت بالمغرب وفي العديد من دول العالم الثالث ، إنما يترجم للحكامة عبر الإنترنيت ومن خلال الإنترنيت، بانتفاء القدرة على حكامة الإنترنيت (التقنية حصرا)، والتي لا تزال تحت هيمنة الإدارة الأمريكية؛ وعلى هذا الأساس أيضا، يقول المؤلف، أدرجنا الإستراتيجيتين الوطنيتين اللتان اعتمدهما المغرب: استراتيجية المغرب الألكتروني 2010 واستراتيجية المغرب الرقمي 2013. ويسترسل اليحياوي: إذا كانت الإستراتيجيتان معا تترجمان لطموح مشروع من لدن المغرب، لجعل تكنولوجيا الإعلام والاتصال والاقتصاد الرقمي، أداة لتقليص الفجوة الرقمية وموقعة المغرب ضمن الخارطة الدولية، فإنهما كانتا معا مكمن إكراهات كبرى وشتى أدت لفشل الأولى، وقد يكون من شأنها ارتهان مستقبل الثانية. وبناء عليه، يخلص الخبير المغربي، فإن عدم ضمان الانتقال من منطق الحكومة الألكترونية إلى منطق الحكامة الرقمية، إنما هي من العناصر الجوهرية التي قد تؤثر سلبا في الاستراتيجية الثانية تحديدا، سيما إذا لم تعتمد الإصلاحات المواكبة الضرورية، وبالآماد الزمنية المطلوبة.