خاضت قوات سوريا الديموقراطية اشتباكات عنيفة في بلدة رأس العين، شمال شرق سوريا، التي دخلها الجنود الأتراك والمقاتلون السوريون الموالون لهم عقب هجومهم على المقاتلين الأكراد، رغم تهديدات أميركية بفرض عقوبات على أنقرة. ودعت قوات سوريا الديموقراطية واشنطن إلى "تحمل مسؤولياتها الأخلاقية" تجاهها، وإغلاق المجال الجوي أمام الطيران التركي، مما من شأنه أن يساعد مقاتليها المتمرسين على القتال على التصدي للاجتياح التركي. وتتركز المعارك العنيفة في منطقتي رأس العين في شمال محافظة الحسكة، وتل أبيض شمال محافظة الرقة، يرافقها قصف مدفعي وجوي كثيف يمتد إلى مناطق حدودية أخرى. وأعلنت وزارة الدفاع التركية أنه "نتيجة العمليات الناجحة (...) تمت السيطرة على رأس العين". إلا أن مسؤولا في قوات سوريا الديموقراطية قال لوكالة "فرانس برس" إن "رأس العين لا تزال تقاوم، والاشتباكات العنيفة مستمرة". وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان دخول القوات التركية والمقاتلين الموالين لها إلى البلدة دون أن يسيطروا عليها. وأشار مراسل ل"فرانس برس"، في عين المكان، إلى صعوبة تقدم تلك القوات بسبب القناصة المنتشرين. كما تحدث قيادي في الفصائل الموالية لأنقرة عن "بطء في التقدم نتيجة المقاومة الشرسة لوحدات حماية الشعب الكردية، وعدد القناصة الكثيف جداً". ونقل المراسل قرب رأس العين مشاهدته مقاتلين موالين لأنقرة يتوجهون نحو جبهات القتال. كما شاهد مراسل ل"فرانس برس" في تل تمر جنوب رأس العين سيارات تقل مقاتلين من قوات سوريا الديموقراطية محملين بالأسلحة وآليات مدرعة، ومتجهين إلى الجبهات. ويتوقع محللون أن يقتصر الهجوم التركي، في مرحلة أولى ،على المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض ذات الغالبية العربية؛ خلافا لغالبية المناطق الحدودية الأخرى ذات الغالبية الكردية. ويبلغ طول هذه المنطقة أكثر من مائة كيلومتر. وسيطرت القوات التركية منذ بدء هجومها، وفق المرصد، على 27 قرية حدودية، غالبيتها في محيط تل أبيض. وقتل 20 مدنياً بنيران القوات التركية والمقاتلين الموالين لها حسب المرصد، وفق حصيلة أمس السبت، لتبلغ الحصيلة المؤقتة لقتلى الهجوم التركي 38 مدنياً و81 مقاتلاً من قوات سوريا الديموقراطية. وأفاد المرصد أن من بين القتلى المدنيين تسعة تم إعدامهم رميا بالرصاص على أيدي مقاتلين موالين لأنقرةجنوب تل أبيض، بينهم رئيسة حزب كردي محلي. وفي الجهة المقابلة للحدود، قتل منذ الخميس 18 مدنياً في قذائف اتهمت السلطات التركية المقاتلين الأكراد بإطلاقها. قرارات ظالمة بدأت تركيا هجومها بعد يومين من سحب واشنطن مجموعة محدودة من جنودها من نقاط حدودية شمال شرق سوريا، في خطوة بدت كأنها "ضوء أخضر" أميركي. وقالت قوات سوريا الديموقراطية، في بيان تلاه القيادي ريدور خليل بمدينة الحسكة، "حلفاؤنا ضمنوا لنا الحماية (...)، لكن فجأة ومن دون سابق إنذار تخلوا عنا بقرارات ظالمة من خلال سحب قواتهم من الحدود التركية". وأضاف المتحدث: "نحن هنا ندعو حلفاءنا إلى القيام بواجباتهم والعودة لتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والتزام ما وعدوا به"، عبر "إغلاق المجال الجوي أمام الطيران التركي". ومن شأن فرض حظر جوي أن يساعد المقاتلين الأكراد على التصدي أكثر للهجوم التركي. بينما تهدف أنقرة من هجومها، وفق ما تعلنه، إلى إقامة منطقة عازلة تحت سيطرتها؛ تنقل إليها قسماً كبيراً من 3,6 ملايين سوري لديها. واعتبرت قوات سوريا الديموقراطية قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب جنوده من نقاط حدودية عدة "طعنة من الخلف". وبعدما طالته انتقادات لاذعة، متهمة إياه بالتخلي عن الأكراد، ومحذرة من عودة تنظيم الدولة الإسلامية، هدد ترامب تركيا بتدمير اقتصادها في حال ما تخطت حدودها. وحذر وزير الخزانة ستيفن منوتشين، الجمعة، من "عقوبات شديدة جداً". إلا أن قوات سوريا الديموقراطية اعتبرت أن العقوبات ستكون "غير مجدية على المدى القريب (..) ولن توقف المجازر بحق المدنيين"، داعية إلى قرار لوقف الهجوم. وشاهد مراسل "فرانس برس"، صباح الجمعة، دورية مؤلفة من خمس مدرعات ترفع العلم الأميركي أثناء مرورها بمدينة القامشلي. وكان مسؤول أميركي قد قال ل"فرانس برس" إن الدوريات الأميركية لم تتوقف، إلا أنها تتجنب المناطق التي تشهد عمليات عسكرية. العدوان التركي حذرت منظمات دولية من كارثة إنسانية جديدة في سوريا. وقدرت الأممالمتحدة نزوح مائة ألف مدني من مناطق حدودية منذ بدء الهجوم التركي. وقالت منظمة الأغذية العالمية، السبت، إن "المزيد من الأشخاص يغادرون (مناطقهم) بشكل يومي، والأعداد في ازدياد". ودقت دول غربية عدة ناقوس الخطر محذرة من أن يساهم الهجوم التركي في إحياء تنظيم "داعش"، الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة، رغم هزيمته الميدانية على يد قوات سوريا الديموقراطية بدعم أميركي. وأعلن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أن بلاده ستوقف تسليم تركيا أسلحة "يمكن أن تستخدم في شمال شرق سوريا" ضد المقاتلين الأكراد، وفق ما نقلت صحيفة "بيلد" في عددها الذي صدر الأحد. وأدان وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماع طارئ عُقد بالقاهرة، ما وصفوه بالعدوان التركي. وكررت قوات سوريا الديموقراطية، مؤخراً، خشيتها من أن ينعكس انصرافها إلى قتال القوات التركية سلباً على جهودها في حفظ أمن مراكز الاعتقال والمخيمات التي تؤوي آلاف الجهاديين وعائلاتهم، كما في ملاحقة الخلايا النائمة. واتهمت قوات سوريا الديموقراطية تركيا بقصف سجنين يقبع فيهما مقاتلون في التنظيم المتطرف، الذي تبنى، الجمعة، تفجيراً في القامشلي أودى بحياة ستة أشخاص. * أ.ف.ب