يأتي هذا الحديث في سياق السؤال عن وضع المرأة في العالم العربي، نتقصى من خلاله مفهوم النسق التصوري الذي يتم تداوله غالبا بصور مختلفة، فتارة يكون شاملا، يقصد به كافة أنواع الصور النمطية التي تطال المجتمع فردا أو جماعة ، حيث تغيب العدالة الاجتماعية. وتارة أخرى نجد له تحديدا علميا، يساهم في الحد من حضور عقل نصف المجتمع. فالمرأة اليوم في زمن الربيع العربي تتراجع عن أدوار القيادة، بعد نضال مرير في ساحة ثورات الربيع، تمكنت من حسن التعبئة، ونجحت في استعمال الوسائط الجديدة للتواصل ،ونزلت إلى ساحات التحرير مطالبة بحق الكرامة والحرية والعدالة،ضحت بدماءها واستشهدت كما استشهد الرجل، لكنها رضيت أن تسلم زمام المبادرة والقرار السياسي في قيادة الثورة للرجل، فهل هو ضعف في التمكين السياسي والقيادي؟ هل هو إقصاء لها بعد نضال موازي للرجل؟ أم أن عدم ثقتها في مهاراتها القيادية من ساهم في تراجعها عن المطالبة بحقها في ريادة مناصب سيادة القرار ؟ لماذا تخلت المرأة في زمن الربيع العربي عن المطالبة بمشاركتها في مجالس ودوائر صناعة القرار؟ ألم تتمكن المرأة من المبادرة لتحقيق الريادة السياسية واستغلال اكبر فرصة تاريخية لتفعيل قدرات التمكين ؟ ألم يكن بمقدورها العودة إلى الساحة لتحقيق مفهوم التمكين السياسي الذي اختطف منها بعد نجاح الثورات؟ أم أن قدراتها ومهاراتها مازالت محاصرة بعقلية التطويع الإرادي الاستتباعي للرجل والذي نتج عن تراكم تاريخ ممتد من التهميش السياسي والاجتماعي ؟ أين دور المرأة سياسيا خارج نظام الكوتة في الربيع العربي؟ هل هو ربيع أم خريف أم صيف بالنسبة للمرأة العربية التي ضيعت بتراجعها أكبر مطلب ناضلت من أجله لسنوات ؟ عن أي تمكين نتحدث اليوم ...؟ إن المرأة جزء فاعل ومكون أساسي في المجتمع المغربي.وهي جزء من كيانه الاجتماعي والنفسي، وليس فقط رقما ديموغرافيا (demographic) مكملا بالنسبة له. وبالتالي فإن تعطيل دورها،أو الحد منه باسم عدم وجود كفاءات يعد تعطيلا لجزء هام من المجتمع، ولعل المخرج السياسي لنساء الربيع العربي اليوم يحيلنا إلى نتائج تاريخ التراكمات والترسبات الجيولوجية التاريخية التي عطلت دور المرأة ،وأدت في عمومها إلى تراجع قدرتها على القيادة في القرار السياسي ،فالمرأة أثبتت دورها الفعال والجذري في تحريك الشارع من أجل الحرية والكرامة والعزة، وأكدت بنزولها لساحات التحريردفاعا عن مصير مستقبل مجتمعها بأنها مشارك حقيقي وفعلي للرجل في حيوية التغيير والإصلاح، نعم نزلت المرأة للشارع وقدمت دماءها للنضال من اجل تغيير الفساد والمطالبة بالعدالة ولكن بمجرد انتهاء الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن سلمت القيادة للمجالس الثورية للرجل ؟؟وتراجعت من حركية الإنجاز الثوري، لتستسلم لدورها التعبوي خارج دائرة الفعل؟؟ إنها أزمة الوعي الجمعي الذي أعيد إنتاجها من خلال الاحتكام لعناصر مكونات قالبه رغم استيعابها لمعطيات التطورالتكنولوجي الذي استطاعت من خلاله أن تساهم في إسقاط الفساد ،ولكنها لم ترسم معالم مشروع استثمار المرحلة كأكبر فرصة تاريخية ،تحقق من خلالها مفهوم التمكين النسوي للمشاركة في القرار السياسي ، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح أمام هذه المفارقة،هل كانت ساحات الثورات تخلوا من القيادات النسائية ؟ هل نتائج 10مقاعد للنساء في البرلمان المصري بعد انتخابات الثورة تتحدث عن ربيع نسائي؟ هل لائحة الاستوزار في الحكومة المغربية التي أفرزت مفاجأة تعيين (وزيرة واحدة) من بين 31 وزيرا من مؤشرات ربيع مستقبلي عربي لنساء مغربيات فاعلات ؟ هل فشلت الأحزاب في اختيار الكفاءات ، أم أن المخرج الكفاياتي السياسي،يرمز إلى أن القيادات الحزبية كانت تختار نماذج لأنوثة مؤنثة طوعية لاتزعجها في قراراتها وتصلح لمعايير ومواصفات تزيين الديكور السياسي ؟ هل حقا لا توجد كفاءات نسائية في ساحات المجتمع المغربي تستحق الترشيح لمناصب وزراة التعليم والسياحة والإعلام والاقتصاد بعيدا عن تموقعها في منصب الأسرة والطفولة ؟؟ وبالتالي ما هي مواصفات تقييم كفاءة المرأة عند قيادات الأحزاب؟ هل هو غياب شرط الذكورة ؟أم أن الكوادر النسائية الرائدة عامة في العالم العربي مازلت في حاجة إلى تطوير مهارات وقدرات التمكين بمفهومه الواسع ؟؟؟ أظن أن على نساء الربيع العربي ،أن يسجلن للتاريخ تداخل فصل ربيع 2012 بخريفه بصيفه ، ولعل هذا الاضطراب الفصلي قد يدفعهن لمراجعة مسار تطوير فاعليتهن، فكيف ترضى الكفاءات النسائية المغربية المشهود لها بالتميز والعطاء على الصعيد الوطني والدولي ، بقبول تغييب مبدأ المناصفة في تمثيلية الحكومة الجديدة؟ وكيف رضيت نساء الربيع العربي عموما بنتائج إقصائهن في حراك المشهد السياسي العربي ؟ كل هذا يدفعنا أن نفكر اليوم في إيجاد مخرج لأزمة واقع الحاضر الغائب في تنمية المرأة المغربية والعربية عامة زمن الربيع العربي. *أستاذة التعليم العالي بجامعة ابن طفيل القنيطرة