شكل حضور المرأة في الحياة السياسية حدثا بارزا، خصوصا أن هذا الحضور توج سنة 1992 بدخول المرأة إلى البرلمان في اسم الاستقلالية لطيفة بناني سميرس والاشتراكية بديعة الصقلي، اللتان فتحتا الباب لدخول نساء أخريات، قبل أن يتم فرض نظام الكوطا الذي منح سنة 2007 النساء 30 مقعدا في البرلمان. اختلفت التبريرات والمسببات حول اعتماد نظام الكوطا واللائحة الوطنية الخاصة بالنساء، لكن كل النساء أكدوا على أن نظام الكوطا لا يمكن أن يكون أبديا، ولابد من تحرير الممارسة السياسية، لتصبح صراعا واضحا بين الرجل والمرأة، ومن هذا المنطلق يطرح السؤال، هل يمكن أن نصل إلى مرحلة أن تصبح المرأة رجل سياسة، هل يمكن أن نصل بالتجربة النسائية إلى أبعد مدى، وتصبح لدينا رئيسة للحكمة ورئيسة للبرلمان. مجتمع ذكوري بامتياز يمكن اعتبار المجتمع السياسي المغربي بأنه مجتمع ذكوري بامتياز، إذ يستأثر السياسيون بكافة المراكز القيادية في الأحزاب السياسية، ويؤكد كثير من المهتمين أن زمن تولي امرأة رئاسة حزب الاتحاد الاشتراكي أو حزب الاستقلال لا زال بعيدا، رغم الحضور القوي للمرأة في الحزبين، ومن هنا يطرح سؤال رجل السياسية بغض النظر عن الجنس. ومع كل انتخابات جديدة يتجدد النقاش، هل نمنح النساء نسبة داخل البرلمان، أم نجعل المنافسة حرة على اعتبار أن من يجب أن يصعد إلى البرلمان يجب أن يتوفر فيه شرط الكفاءة بغض النظر عن جنسه، وهو الأمر الذي وصلت إلى تحقيقه كثير من الديمقراطية، مثل فرنسا التي تعيش هذه الأيام على صخب انتخابات تمهيدية لاختيار مرشح الحزب الاشتراكي لمنافسة ساركوزي على رئاسة الجمهورية الخامسة، وهو الصراع السياسي الذي تخوضه ماترين أوبري زعيمة الحزب ومنافسها فرانسوا هولاند، أكثر من ذلك فإن هذه الانتخابات ستعرف حضور أربعة نساء على الأقل، صحيح أن حظوظهن متفاوتة، من أجل دخول الإليزي كحدث تاريخي بامتياز، لكنها مع ذلك تجربة فريدة تسعى من خلالها النساء إلى دخول عالم السياسة من نفس الباب الذي يدخل منه الرجل. وفي هذا الخضم انطلقت القضية النسائية، حيث تم وضع كثير من المقاربات منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وهي المقاربات التي ساهمت في خلق أرضية نضالية، سعت إلى خلخلة الوضع السياسي السائد، والذي تتجاذبه نخبة تريد تكريس الوضع كما هو، نخبة ورثت الاستقلال والسياسة في شكلها التقليدي الذي كان يعتبر المرأة مجرد تابع للرجل، بالكاد تحمل السلاح بين ثنايا جسدها المغطى بالكامل، امرأة كانت تصلح للتخفي لكنها أبدا لم تكن تشارك في النقاش السياسي بمعناه العام، وبالتالي لم تستطع كل هذه الأحزاب تجاوز الفكر السائد، بل أكثر من هذا كرست الواقع بخرافاته وأساطيره، بتمايزه الطبقي، وبالهيمنة الذكورية، وضع جعل المرأة على هامش المجتمع والحياة العامة وعلى هامش المشهد السياسي. زهور الشقاقي أول رئيسة لحزب سياسي دخلت زهور الشقاقي التاريخ السياسي في المغرب باعتبارها أول امرأة تترأس حزبا سياسيا وهو حزب المجتمع الديمقراطي، ورغم أن الحزب صغير وبدون تمثيلية في البرلمان إلا أن انتخاب سيدة على رأسه، اعتبر حدثا بكل المقاييس، ومناسبة يمكن أن تطل من خلالها المرأة على مراكز القرار داخل الأحزاب، وبقدر ما تنوعت التجربة النسائية في المغرب بقدر ما ظلت محفوفة بالمخاطر، وهي ذاتها المخاطر التي عبرت عنها كثير من النساء، اللواتي اعتبرن اللائحة الوطنية نوعا من الترضية، أكثر منها نجاحا سياسيا وثمرة مجهود نضالي دام لسنوات، لنصبح أمام سياسة ممنوحة، تعتمد مبدأ الترضية أكثر من مبدإ الكفاءة، لنصبح أمام صدقة سياسية منحها الرجل للمرأة في انتظار أن نصبح أمام رجل سياسة لا يقيم للجنس نوعا. الاتحاد التقدمي لنساء المغرب أول تنظيم نسائي بامتيازكانت أول محاولة لتجميع النساء داخل إطار سياسي من خلال تأسيس الاتحاد التقدمي النسائي وهي مبادرة جاءت من قبل الحزب الشيوعي الذي تحول فيما بعد إلى حزب التقدم والاشتراكية، كانت الفكرة آنداك أن يتم التعبير عن السياسة بنون النسوة، وداخل هذا الكيان الوليد عبرت المناضلات عن طموحهن في جعله أداة تدفع بالنساء إلى الانخراط في النضال من أجل تحقيق الديمقراطية والاعتراف للمرأة بمكانتها في المجتمع وإقرار حقوقها والمساواة بين الجنسين في كل المجالات وبإقرار تشريعات اجتماعية تحمي المرأة، هذا النوع من الخطاب السياسي اعتبر إلى حد ما نقلة نوعية لكن بفعل التناول والممارسة داخل دائرة ماهو حزبي لم يستطع الإطار رسم مسافة تبعده عن تعليمات رجال الحزب، كما أن هذا الإطار السياسي في عمومه لم يتجاوز مستوى التوظيف السياسي للمرأة من أجل الانخراط فيما بعد طبعا في التسابق نحو المؤسسات سواء التشريعية أو الحكومة، وهي نفس العقلية التي تحكمت فيما بعد في برامج الأحزاب السياسية التي حولت قضية المرأة إلى رقم انتخابي ليس إلا، وحتى حين تقرر دخول المرأة إلى البرلمان ظل دورها تابعا، ولم تنجح في الخروج من جلباب الرجل الذي ظل يوظف القضية النسائية في صراعه من أجل كسب أكبر عدد من المقاعد.