بتأثر بالغ، نعى الملك محمد السادس الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الذي توفي الخميس عن عمر ناهز 86 عاما، ووصفه العاهل المغربي ب"رجل الدولة الكبير الذي وهب حياته للسياسة بحزم ونبل وانشغال دؤوب من أجل رفاه مواطنيه". وأضاف الملك محمد السادس، في برقية تعزية إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "المملكة المغربية ستحتفظ عاليا بذكرى صديق كبير ساهم، بقوة، في تمتين علاقات الصداقة بين بلدينا من خلال جعلها شراكة استثنائية. وستمثل هذه الشراكة، الفريدة، مستقبلا، مرجعا لتعاوننا". "سيعيش الرئيس جاك شيراك في ذاكرتنا رجل سلام وحوار يتمتع ببعد نظر ووعي تاريخي عميق، ترك وراءه العديد من الأصدقاء في المغرب الذي كان يحبه بشدة"، تقول السفيرة الفرنسية الجديدة في المغرب، هيلين لو غال. رحيل شيراك عاشق المغرب خلف موجة حزن واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب، حيث نعى العديد من النشطاء واحدا من أبرز رموز الدولة الفرنسية الحديثة، الذي جمعته صداقات جيدة مع العالم العربي، بالنظر إلى مواقفه الشجاعة في كثير من القضايا، أبرزها موقفه الرافض لحرب العراق عام 2003. صداقة الملكين طيلة مساره السياسي وعلى مدار 25 عاما، راكم جاك شيراك صداقة شخصية وطيدة مع الملك الراحل الحسن الثاني، ثم مع الملك محمد السادس، إلى درجة أن المغرب ظل وجهته المفضلة، خصوصا مدينة أكادير التي كان يقضي فيها رفقة زوجته "برناديت" عطلته الصيفية، في ضيافة العاهل المغربي الذي وضع قصره الفخم بالمدينة الساحلية رهن إشارة "صديق المغرب الكبير". وكان شيراك قبل أن يقعده المرض يتردد على مدينة أكادير لأكثر من ثلاث مرات في السنة، حتى صارت "مأواه المفضل"، يقول أحد مقربيه في تصريح سابق لصحفية "لُباريسيان" الفرنسية، التي سبق أن رصدت عوامل إعجاب الزعيم الفرنسي بنسائم الرياح القادمة من المحيط الأطلسي، وازدياد تعلقه بالمملكة بعد الكرم الحاتمي للعاهل المغربي، الذي منح الزوجين قصره للإقامة فيه بكل أريحية. وتعتبر الفترة التي حكم فيها جاك شيراك فرنسا (من 1995 حتى 2007) بمثابة "العصر الذهبي" في العلاقات المغربية الفرنسية، إذ جمعته علاقات قوية مع الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان مولعا بالحضارة والثقافة والدبلوماسية الفرنسية، وهو ما أسهم في توطيد هذه العلاقة مع الملك الراحل الحسن الثاني، وترسخت أكثر مع العاهل المغربي محمد السادس. مصالح المغرب ولعب جاك شيراك دورا مهما في الدفاع عن مصالح المغرب لدى الاتحاد الأوروبي لمنحه وضع "الشريك المتقدم"؛ كما أسس شيراك سياسة فرنسية واضحة دفاعا عن القضية الأولى للمملكة المغربية، في كبريات المحافل الدولية. وفي الجزء الثاني من كتابه "الزمن الرئاسي" خصص جاك شيراك حيزا للحديث عن علاقته بالمغرب وبعض اللقاءات التي جمعته بالملك محمد السادس، واعتبر أن المؤسسة الملكية في المغرب هي الضامن الوحيد للاستقرار، مضيفا أنه "لم يتوقف عن دعم الملك الشاب حينها محمد السادس ودعم وجهة نظر المغرب حول الصحراء التي هي جزء لا يتجزأ من ترابه"، بتعبيره. وشجع قصر الإليزيه، في فترة حكم شيراك، المغرب على تقديم مقترح الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية. ووصف الرئيس الفرنسي الأسبق مبادرة الحكم الذاتي قبل أن تتقدم بها الرباط رسميا أمام مجلس الأمن الدولي، بأنه مشروع "بناء". عربياً، ترك الرئيس الفرنسي الراحل مواقف بطولية لا تنسى، ومن بين المشاهد الخالدة في الذاكرة العربية المواجهة التي دارت في القدس الشرقية حين انفجر الرئيس الفرنسي غاضباً من مسؤول كبير في الشرطة الإسرائيلية، حاول التضييق عليه خلال زيارته البلدة القديمة. ووثقت عدسات الكاميرات الرئيس الفرنسي الراحل وقتها وهو يثور في وجه قائد الشرطة الإسرائيلي مخاطبا إياه بنبرة حادة: "هل تريدني أن أعود إلى طائرتي؟"، وهو المشهد الذي تحفظه الذاكرة العربية بمداد من فخر. كما تحفظ الذاكرة نفسها وقوف جاك شيراك في وجه الإدارة الأمريكية عندما رفض عام 2003 المشاركة في الحرب التي شنتها الولاياتالمتحدة على العراق.