عندما نتحدث عن الجهوية المتقدمة، نستحضر اللامركزية، والديمقراطية، والحكامة التشاركية، واللاتمركز، وتحسين أداء القطاع العام، والخدمات العمومية، ونقل القرار المركزي إلى المستوى المحلي...كل هذا يجب أن يكون مصحوبا بالمحاسبة، والشفافية ... ومن خلال هذه المقدمة يمكن أن نقوم النتائج والحصيلة لجهات المملكة بناء على نسبة إنجاز وتنزيل ما سطرناه سابقا. وعموما هناك تفاوت بين الجهات وتبقى الحصيلة غير متناغمة مع طموحات الدستور لأسباب ذاتية وموضوعية. الإشكالات المطروحة: من خلال تتبع مسار الجهوية المتقدمة نستنبط أن هناك إشكاليتين كبيرتين، نوجزها فيما يلي: 1- الإطار التشريعي والتنظيمي يتجلى هذا في الغموض الذي يسود ثنايا النصوص القانونية المؤطرة، خاصة إذا قارناها بالمقتضيات الدستورية، خاصة على مستوى مبدأ التفريع الذي يهم الاختصاصات الذاتية، والمشتركة والمنقولة. حيث نلمس غالبا تداخلا بينها مما يخلق التنافر الوظيفي مع المالي والبشري...وهناك سؤال يطرح : ما هي العلاقة التي تربط بين الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع، و وكالات التنمية الموجودة على تراب بعض الجهات؟ كيف نوفق بين المقتضيات الدستورية، والقوانين التنظيمية، والنصوص التنظيمية، والدوريات، والمذكرات؟ مما يفتح الباب للتأويلات ، وهذ يخلق توترات أحينا تتحول إل التقليص من منسوب الثقة بين الفاعلين الترابيين. 2- المالي والتقني من الاشكالات المطروحة في هذا الباب نقص الموارد المالية التي تعيق تنفيذ المخططات والاستراتيجيات، إضافة إلى قلة الموارد البشرية المؤهلة، ناهيك عن المركزية المعيقة للحرية الترابية المحلية، وفي ثنايا هذا الخضم تتقلص المحاسبة والتقويم، لان تدهور نسبة الثقة يولد الصراع الخفي أو المتجلي بلغة أدونيس، بين كل أنماط السلطة باعتبار أن السلطة هي التوزيع العادل لقيم الديمقراطية بين الجميع، خاصة على مستوى القرارات والمقررات وأثناء الحوارات والمداولات، ويبقى الغموض هو سيد الميدان. إذن لابد من توضيح الاختصاصات بين المنتخبين، والسلطات المباشرة، خاصة على مستوى ما اصطلح عليه بالرقابة الإدارية. هناك إشكالات أخرى تطرح من خلال ثنائية الجهوية والديمقراطية الترابية، حيث طغيان القرار العمودي، من خلال الهيمنة القانونية، والمالية واللوجستيكية، مما يؤثر على القرار العمومي، ويضعف الاهتمام بالمواطن. والمؤشرات هو التأخير الذي عرف صدور القوانين التنظيمية، بعد الدستور، أما ميثاق اللاتمركز الإداري فما زال يئن تحت وطأة التأخير رغم النداءات المتكررة لجلالة الملك باستثناء بعض الحركية التي صدرت بعد الميثاق الوطني للاتمركز الإداري. الرؤية الملكية من خلال رجوعنا إلى خطاب العرش يوليوز 2015 نلمس رؤية واضحة للجهوية المتقدمة والتي من أهم محاورها أن الجهوية المتقدمة ، تغيير جوهري وتدريجي، لأنه يسعى إلى تنظيم هياكل الدولة، وينظم علاقة المركز بالجماعة الترابية، وهذا ما يحقق الأهداف التالية: -فسح المجال لتجديد النخب. -المشاركة الواسعة والمكثفة للنساء والشباب. -فتح الآفاق للمواطنين، المؤهلين من حيث المسؤولية والنزاهة. -المصاحبة والتي تتجلى في: أ-إصلاح الإدارة العمومية، خاصة على مستوى اللاتمركز. ب-تفعيل آليات التنظيم الترابي الجديد. وذلك من خلال الحكامة الجيدة، والتنمية البشرية العادلة والمنصفة، خاصة في العالم القروي، والنمو في الوسط الحضري. ج-صيانة المواطن هو الهدف الأسمى من كل إصلاح. وذلك بتحسين ظروف عيش المواطن، والاجتهاد في وجود الحلول، والأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الترابية على مستوى الموارد، وفرص الشغل، والصعوبات التنموية. الخلاصة الملكية أن الجهوية قطب للتنمية المندمجة، تتطلب التوازن والتكامل بين مناطقها، ومدنها، من أجل الحد من الهجرة إلى المدن. ودعا جلالته إلى تجميع طاقات كافة الفاعلين حول مشروع ينخرط فيه الجميع. إذن من خلال هذه المقاربة الملكية نستنتج أن إنجاح الجهوية المتقدمة مرتبط بإنجاح المحاور الكبرى التالية: اللامركزية واللاتمركز، التنزيل الناجح للجهوية المتقدمة، التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تعزيز الموارد المالية، الإشراك والتشاركية، مقاربة النوع، المصاحبة الحكومية .... استنتاجات عامة: تبنى الجهوية المتقدمة على أساس وحدوي يشمل الدولة والوطن والتراب. انطلاقا من الثوابت الراسخة : الدين الإسلامي السمح، والملكية الدستورية، والوحدة الترابية الوطنية، والاختيار الديمقراطي. باعتبارها تدبيرا ديمقراطيا تشاركيا تضامنيا وتآزريا للتراب المحلي في إطار مغرب موحد شمالا وجنوبا شرقا وغربا. مع استحضار إخواننا المغاربة المقيمين بالخارج. إنها جهوية القرب والتنمية بامتياز، مبنية على التوازن والتناسق واللامركزية واللاتمركز، والحكامة والتفاعل المتبادل بين الأطراف كلها. إن الجهوية المتقدمة ليست إجراء إداريا صرفا أوسياسيا تمثيليا فحسب بل هو انتقال طبيعي ديمقراطي من المقاربة التقليدانية إلى الحداثة المؤسساتية الاستراتيجية، من أجل بناء الكرامة والعدالة الاجتماعية والمجالية، والنهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة... إنها رافعة قوية لإنتاج الثروة المادية، واللامادية ، وتوفير الشغل، والنهوض بالتنوع الثقافي لبلادنا في إطار مقومات هويتنا الوطنية الموحدة، كما تؤكد الرسائل الملكية لمن يهمهم الأمر.