استضافت قناة "ميدي 1 تي في"، في حلقة من برنامجها "أزمة حوار" مخصصة لموضوع "تدريس المواد العلمية باللغة العربية"، مجموعة من الأساتذة برز فيهم الأستاذ محمد اكديرة، الخبير في السياسات العمومية والتربوية، الذي حاول الاستقواء في البرنامج بمعلومات مغلوطة عن اللغة العربية مستغلا في ذلك ضعف محاوره الأستاذ يوسف علاكوش، عضو اللجنة المركزية لحزب الاستقلال – مع احترامنا للجميع؛ فقام الأستاذ كديرة بادعاء مجموعة من الاتهامات للغة العربية، الشيء الذي يدل دلالة لا شك فيها أن السيد كديرة لا يعرف شيئا عن اللغة العربية سوى جانبها الصوتي في التكلم – مع حزمة كبيرة وعظيمة من الأخطاء النحوية والصرفية في كلامه. إن طريقة حوار الأستاذ كديرة وما طرحه في حواره من معلومات حول اللغة العربية تجعل المستمع يجزم جزما أكيدا أنه لا يعرف شيئا عن لامية الأفعال ولا عن الأوزان الصرفية ولا عن التقديرات الإعرابية، فلو قام الأستاذ يوسف بطرح سؤال بسيط على الأستاذ كديرة في مسألة إعرابية يطلب فيها رأيه في ميزان صرفي أو تقدير إعرابي فإن السيد كديرة لن ينطق ببنت شفة، وهذا أكبر مشكل تعانيه اللغة العربية اليوم، وهو أن المتكلمين عنها لا يعرفونها. ومن الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها معدو البرامج التلفزيونية أنهم لا يستضيفون الخبراء المتخصصين في اللغة العربية، بل يتم استدعاء خبراء في البيداغوجيات والسياسات التربوية. ومثل هؤلاء – مع احترامنا لهم – ليسوا مؤهلين للتكلم عن جانب كفاءة اللغة وأهليتها في المجال العلمي؛ لأنهم أصلا لا يعرفون عنها شيئا. ولذلك، إذا تكلم غير المتخصص فإنه سيغرب في طرحه، كما وقع للأستاذ كديرة الذي ادعى أن اللغة العربية قاصرة عن مواكبة العلوم وأنها غير منتجة باعتبار أنها ليست لها مختبرات لغوية مقارنة باللغة الإنجليزية التي تنتج كلمة في كل 98 دقيقة. هذا الكلام لا يدل إلا على جهل كبير وخطير باللغة العربية، خصوصا أن السيد كديرة خبير سياسات تربوية لا يعرف أن اللغة العربية أقدر لغة على التعبير عن المسميات العلمية في المختبرات المتطورة، وهذا بشهادة المتخصصين الأوروبيين الذين تجند الكثير منهم لدراسة اللغة العربية، فذهلوا من ثرائها اللغوي القادر على مواكبة تخصصات دقيقة في علوم تجريبية. إن هذه العلوم التي يتكلم السيد كديرة أن اللغة العربية قاصرة عن مواكبتها كتبت أصولها باللغة العربية، وما زالت مخطوطاتها موضوعة في المتاحف العلمية الأوروبية. وانطلاقا من تلك الأصول، تعلم الأوروبيون وقاموا بترجمتها وتدريسها؛ فمعادلات الخوارزمي ونظريات الزهراوي وملخصات البيروني كلها كانت باللغة العربية. وإلى حد الآن، لا يزال المختبر العلمي الأوروبي لم يجد من يعوض له كلمة "زنبيق" و"بوجي" و"الكنبه" و"الكيتار" و"الجيراف" وغيرها كثير أفرد لها الكاتب الفرنسي جون بروفوست Jean pruvost كتابا خاصا سماه "أجدادنا العرب" (Nos ancetres les arabes). إن اللغة العربية لا تحتاج أن تنتج كلمة تعبر عن حالة علمية دقيقة؛ لأن الكلمة أصلا موجودة تحتاج فقط لمن يعرفها ويدرسها ويزيل الغبار عنها، مشكلة اللغة العربية هي أنها منعت من دخول المختبرات لأسباب إيديولوجية بحتة وليس لأنها غير مؤهلة. ومن هنا، ندعو الشباب والطلاب إلى تعلم اللغات الأجنبية؛ لأنها لغات المختبرات وهي لغات سوق الشغل، ولكن هذا لا يعني أن اللغة العربية غير مؤهلة، بل اللغات الأجنبية هي العاجزة عن مسايرة اللغة العربية في جذورها اللغوية وأوزانها الصرفية. وهناك كلمات باللغة العربية لن تجد لها مرادفا ولا مقابلا في اللغات الأخرى، وبإمكان السيد اكديرة أن يبحث عن مرادف لكلمة "عورة" أو "الغبطة" أو "التقوى" أو الفرق بين "كسب" و"اكتسب" باللغة الفرنسية التي يتشدق بها. كيف يعقل أن نحكم على لغة تضم 12.302.912 كلمة بأنها غير مؤهلة لمواكبة علوم تجريبية، بمقابل اللغة الإنجليزية التي تضم 400.000 إلى 600.000 كلمة تعتبر مؤهلة؟ أما المعجم الفرنسي الذي يدافع عنه السيد كديرة، فلا يكاد يتجاوز 150.000 كلمة، فبربك عن أي معادلة يتحدثون؟ لغة تحتوي على أكثر من 12 مليون كلمة لغة غير مؤهلة؟ هذا هو الخبال بعينه. ومما لا يعرفه السيد كديرة، مطلقا وبدون أي شك في جهله بذلك، أن كثيرا من الكلمات الإنجليزية ترجع إلى أصول عربية. ويقدم معجم الفردوس، الذي أعده الدكتور مهند العنوجي في 1600 صفحة من الحجم الكبير، تحليلا يتناول آلاف المفردات العربية التي استعيرت من قبل لغات أخرى أشهرها الإنجليزية كونها كما يقول المعجم لغة محدثة لم تزد عن 600 سنة فقط، وقامت أساسا على الاستعارة من شتى اللغات الأخرى. والفردوس معجم إنجليزي عربي للكلمات الإنجليزية ذات الأصول العربية، بعد ضبطها بالمعايير العلمية كالتشابه الصوتي ودراسة معانيها وشكل حروفها واستعمالها النحوي. وفي المعجم، أكثر من 3000 جذر كلمة إنجليزية والتي تشكل قرابة 25.000 كلمة من أصل عربي. ولم يقل بقضية ثراء اللغة العربية وفقر اللغات الأخرى –إنجليزية وفرنسية –عالم عربي، وإنما صدرت من المتخصصين الغربيين الذين أفنوا أعمارهم في دراسة اللغات؛ وعلى رأسهم الكاتب الأمريكي روبرت كليبرون Robert claiborne في الصفحة الثالثة من كتابه "حياة وعمر اللغة الإنجليزية". مشكلتنا هي القراءة الإيديولوجية لبعضنا البعض وليس بفكر علمي منطقي محايد، كما سيفعل الكثير من القراء حينما يطالعون ما كتب؛ فبمجرد أن الكاتب يدافع عن العربية يكيلون له السب والشتم والاتهام، للدلالة على عقول قاصرة وباهتة غير قادرة على المناقشة العلمية المنطقية لا تعرف في قاموسها سوى السب والقذف، ولو أن المستشهد بهم في المقال علماء لغة أوروبيون . أخيرا، نقول للسيد اكديرة ابحث عن أقرب مدرسة قرآنية تجلس فيها لمدة عامين من أجل تعلم اللغة العربية وحفظ متونها، ثم بعد ذلك تعال لتحكم عليها هل هي منتجة أم لا.. للأسف، لم تجد من يلقمك حجة في الحوار، وقد أبعدت النجعة (وارجع إلى القاموس حتى تعرف معناها فربما أول مرة تسمع بها).