قررت سلطات الجزائر أن تمضي بقوة في طريق إجراء الانتخابات الرئاسية في 12 دجنبر مثلما أرادت قيادة الجيش، وهو رهان محفوف بالمخاطر يمكن أن يتعثر أمام تعنّت حركة الاحتجاج التي حافظت على زخمها شهراً بعد آخر. ويطالب المحتجون برحيل كل رموز النظام الذي حكم البلاد خلال العقود الأخيرة، قبل أي انتخابات، وسبق لهم أن أفشلوا تلك التي كانت مقررة في 4 يوليوز. ورغم هذه السابقة وحوار الطرشان بين السلطة والحركة الاحتجاجية، قام الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح، مساء الأحد، بدعوة الجزائريين إلى "صناعة تاريخ بلادهم والمساهمة جماعيا في حسن اختيار رئيسهم الجديد". وكان هذا الإعلان منتظرا بعدما انحاز إلى هذا الخيار رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، الرجل القوي في الدولة منذ استقالة عبد العزيز بوتفليقة في 2 أبريل تحت ضغط الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة. ولكن بالنسبة لعثمان معزوز، المتحدث باسم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني المعارض، فإن "رغبته في المرور بقوة لن يكون لها أي تأثير إيجابي لدى ملايين الجزائريين الذين يواصلون التظاهر في الشارع" منذ 22 فبراير. سباق مع الزمن ومنذ أسبوع بدأت السلطة الانتقالية سباقا مع الزمن من أجل احترام الأجندة التي وضعها قايد صالح، عندما طلب أن يتم تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية في 15 شتنبر؛ فقام البرلمان بالتصويت والمصادقة على قانون إنشاء السلطة المستقلة للانتخابات وتعديل قانون الانتخابات خلال فترة قياسية. لكن هذه الإجراءات التي يفترض أن تضمن شفافية الانتخابات لم تنجح في تهدئة المعارضة القوية، متمثلة في الحركة الاحتجاجية المطالبة بمؤسسات انتقالية تضطلع بدور تنظيم الانتخابات. وأكد ذلك قاسي تانساوت، منسق اللجنة الوطنية من أجل إطلاق سراح المعتقلين، لوكالة فرنس برس قائلا: "نرفض هذه الانتخابات في الظروف الحالية. لا يمكن أن نسير ضد الإرادة الشعبية". أّنشئت هذه اللجنة نهاية شهر غشت للمطالبة بإطلاق سراح "المعتقلين السياسيين" الموقوفين خلال التظاهرات التي بدأت بمعارضة ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وهي الآن تعارض إجراء الانتخابات برموز نظامه الذي عمّر عشرين سنة. وتساءل تانساوت: "كيف يمكن أن نقبل بهذه الانتخابات بينما تم حبس مناضلين فقط قبل ساعات من إعلان موعد إجرائها؟"؛ وحسبه فإن 22 متظاهرا أوقفتهم الشرطة قبل التظاهرة الكبرى يوم الجمعة بالعاصمة الجزائر، أودعوا الحبس المؤقت بتهمتي "التحريض على التجمهر" و"المساس بأمن الدولة". والثلاثاء أمرت النيابة بحبس الناشط السياسي سمير بلعربي، أحد رموز الحراك، حسب ما أكد المحامي عبد الغني بادي في صفحته على "فيسبوك" دون توضيح التهمة الموجهة إليه؛ وهو ثالث رموز الحركة الاحتجاجية، التي تصدرت الواجهة الإعلامية، التي يتم حبسها بعد كريم طابو، المحبوس منذ 12 سبتمبر وقبله المناضل المخضرم لخضر بورقع، أحد قادة حرب الاستقلال، الموجود رهن الحبس المؤقت منذ 30 يونيو، وكلاهما متابعان بتهمة "إحباط معنويات الجيش". لكن هذه التوقيفات المتكررة لن تمنع الجزائريين من التظاهر بكثافة كل يوم جمعة، وحتى كل يوم ثلاثاء بمناسبة التظاهرات الأسبوعية للطلاب؛ بل على العكس من ذلك فإن قرار تنظيم الانتخابات الرئاسية "على عجل" سيعطي "نفسا جديدا للحركة الاحتجاجية"، حسب أستاذ العلوم السياسية رشيد تلمساني. وأضاف تلمساني أنه حتى وإن تراجع عدد المتظاهرين ضد النظام "فإنهم سيكونون أكثر إصرارا وتعنّتا". ولم يستبعد تلمساني حدوث "أعمال عنف" لمواجهة "قمع الشرطة". وإضافة إلى قوة الحراك الشعبي التي لم تتراجع، تواجه السلطة في إرادتها تمرير الاقتراع بالقوة صعوبة أخرى لا تقل أهمية هي غياب مترشحين ذوي مصداقية وثقل لانتخابات 12 دجنبر، كما أشارت صحيفة الوطن. وكان سبب إلغاء الانتخابات الأولى في يوليوز غياب المترشحين كما كان أعلن المجلس الدستوري، أعلى هيئة قضائية في البلاد. وإلى حد الساعة لم تعلن أي شخصية بارزة رغبتها في الترشح، بل منهم من عبر عن معارضته لإجراء الانتخابات؛ بينما بدا رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، منافس بوتفليقة في انتخابات 2004 و2014، منفتحا على دخول السباق؛ واعتبر حزبه طلائع الحريات، في بيان الإثنين، أن "الشروط المؤسساتية والقانونية لإجراء اقتراع رئاسي شفاف وصحيح وغير مطعون فيه قد تحققت عموما"، بعد إنشاء السلطة المستقلة وتعديل قانون الانتخابات. ولكن بالنسبة للحزب فإن الذي ينقص هو "توفير الشروط السياسية الملائمة وخلق المناخ الهادئ"؛ ومن ذلك "رحيل الجهاز التنفيذي الحالي المرفوض شعبيا واستبداله بحكومة كفاءات وطنية ذات مصداقية وتحظى بالاحترام"، وهو نفس ما يطالب به الحراك. وحتى إن تمكنت السلطة من تنظيم الانتخابات متحدية المعارضة فإنها قد تصطدم بحاجز آخر هو عزوف الناخبين، خاصة في بلد معروف بضعف نسب المشاركة في مختلف الاقتراعات. حتى إن رشيد تلمساني توقع "أن تكون نسبة المشاركة الأضعف في تاريخ الجزائر". *أ.ف.ب