سعيا إلى فهمِ الفنّان أوجين دولاكروا، والإحاطة بعمله الفني، وما عاصره في مغرب القرن التاسع عشر، تعقد أكاديمية المملكة المغربية ندوة دولية، افتُتِحَت فعالياتها مساء الأربعاء. ومن المرتقب أن تعمل هذه الندوة خلال أيام عقدها الثلاثة، بمقرّ أكاديمية المملكة في العاصمة الرباط، على "طرح مقاربة من زوايا معرفية متعدّدة، ليتسنّى لعموم المغاربة اكتشاف العمل الفني لدولاكروا، والتّعرّف على شخصيته في لحظة حاسمة من تاريخ المغرب..."، و"إبراز العَطاء الأدبيّ الذي أسهم به في الإبداعَين الفنّي والأدبي". لوحات فرنسية عن المغرب قالت دوميننيك دوفونت ريو، المحافظة العامة لمتحف اللوفر بباريس، إن أوجين دولاكروا لم يقم طيلة حياته إلا برحلتين واحدة للمغرب وأخرى لبريطانيا. وأضافت محافظة متحف "اللوفر" ذائع الصّيت، في محاضرتها الافتتاحية بمقرّ أكاديمية المملكة المغربية، أنّ الرّسام الفرنسي خاب ظنّه قليلا من بريطانيا قبل الصناعية، ولم يجد بتعبيره "ما يرسمه فيها"، بينما أحسّ عند وصوله إلى المغرب، مرافقا البعثة الديبلوماسية الفرنسية، بأنّه وجد ما يبحث عنه. ووضّحت أن دولاكروا وجد في المغرب "الشّرق السّحري" بألوانه، والضوء الذي يمكن التلاعب به، ووجد "عراقة محفوظة" في المغرب، وعاد في زيارته بالزمن إلى الوراء، وشكّل ذلك فرصة له لعيش مغامرة معاصرة، مع تعرّفه على نفسيّته الخاصة، وتجميع الذّكريات التي تتحوَّل، مع مرور الوقت، في ذاكرته. وذكرت المديرة السابقة ل"متحف أوجين دولاكروا" أن جميع لوحات هذا الفنان عن المغرب رُسِمَت بعد رجوعه إلى فرنسا، وزادت قائلة: "لوحات المغرب ليست مغربية حقيقة، بل تحولت عبر ذاكرته، وهذا أمرٌ حديث جدا". لتوضّح بعد ذلك أن هذا الرسّام رسم في مذكّراته وكتب وأخذ ملاحظات، وتِذكاراتٍ، حتى "يتذكّر مغامرَتَه ليَرسُمَها". ذكريات دولاكروا التي كانت "جدَّ طَرِيَّة ونابعة بالحياة"، وفق محافظة متحف "لوفر"، مكَّنته من أن يرسم لوحات عن ما عاشه أو ما تذكّره حول المغرب، بعد ثلاثين سنة من مغادرته، بل وظلّت ذكرى المغرب بادية حتى في آخر لوحة التي رسمها للبؤة في منطقة مغربية؛ وهو ما ساعده فيه صندوقٌ جمع فيه تذكارات جلَبَها من هذا البلد، وكان من بين محتوياته آلات موسيقية تظهَر في إحدى الرسومات التي رسمها خمس عشرة سنة بعد نهاية رحلته إلى المغرب، وتمنّت أن تزور هذه التّذكارات المغرب، وتعيد نسجَ روابط مع أرضها، في المعرض الذي سينظّم في السّنة المقبلة، في المملكة، حول أعمال هذا الفنان. "اكتشاف المغرب" الحقيقيّ ورأى عبد الجليل لحجمري، أمين السّرّ الدّائم لأكاديمية المملكة المغربية، أن رسومات أوجين دولاكروا تتجاوز الغرائبيّة البسيطة لمعاصريه؛ بل مكّنت من دحض الأسطورة الشّرقيّة عند العديد من أصدقائه الكتّاب المعاصِرين له، بأضواء وظِلال مليئة بأجواء الحركة والحيويّة التي شكّلت نقطة تحوُّلٍ في التّصوير الفرنسي من الرّومانسية إلى الانطباعية، وهي لوحات تتجلَّى فيها "قُوَّة الأفكار، وبلاغة المشاهد، تختَزِلُها حركاتٌ نابضة بالحياة، بعيدة عن الزّيف والتّصنُّع". وأكّد لحجمري، في كلمته الافتتاحية، أنّ هذه النّدوة الدولية في مفتتَح الموسم العلمي لأكاديمية المملكة المغربية، حول اللوحات المغربية لأوجين دولاكروا، مناسبة لإعادة اكتشاف الأعمال الفنّيّة التي خلَّدَها هذا الفنّانُ حولَ المغرب ومرحلة من تاريخه، مضيفا أن أعمال دولاكروا عن المغرب أعمالٌ عابرة للزّمَن، وأثارت الاهتمام ولا تزال تثيره عند الأجيال المقبلة؛ لأنها شاهدةٌ على عصرِها، على الرغم من أنّ إقامة أوجين دولاكروا بالمغرب لم تتجاوَز ستّة أشهر. وتحدّث لحجمري عن ردود الأفعال التي أحدَثتها "الإثارة التّصويرية للمغرب الواقعي" في زمنِها، دون أن تغَيِّرَ وجهةَ النَّظَر الفرنسيّة للصّورة التّقليدية لهذا الْبَلَد، ثم تناول في كلمته ما أدرَكه دولاكروا حول أنّ "الكرامة من أكثر الصِّفات بروزا لدى المغاربة"، حين تحدّث الرسّام الفرنسي عن: "الكرامة التي يضفيها التّعليم الإسلاميُّ على من هم أكثرُ تواضُعا، وأكثر حِرمانا". واستحضر أمين السّرّ الدائم لأكاديمية المملكة الكاتب أليكساندر دوما، الذي رأى أن المغرب "بلدٌ مُعادٍ"، وسلالته "سلالة عَدوّة"، ولم يكن يرغب إلا في إظهار سمُوّ الأوروبي على "العِرْقُ الأقلّ شأنا"، ولم يرَ "سوى الرّداءة وكآبة المنظَر" في طنجة وهو ينظُرُها من الباخرة التي أقلّته إليها؛ في حين أن أوجين دولاكروا "عرَّفَ بحقيقة عالَمٍ يكتشفه لأوّل مرة"، وأدرك أنّ "الألوانَ الزّاهية المبتكرَة للشّرقِ الأسطوريّ، والتي هي حقيقية وصامتة، لا تمُتُّ بصِلَة إلى الشّرق الجُغرافيّ".