هل يمكننا الحديث عن الدراما المغربية دون الإشارة إلى أسماء بعينها، أسماء حققت لها نوعا من الاستقرار ودفعتها دفعا إلى الحضور عبر بث الروح فيها وتفعيل استمراريتها؟ هل يمكننا الحديث عن الدراما المغربية دون أن نرسم ملامحها بوجوه تعوّد عليها الجمهور المغربي وأصبحت جزءا من ثقافته البصرية؟ لا يمكننا ذلك بكل تأكيد، وإلا سنكون بحق مجحفين وجاحدين. طبعا، ليست كل الأسماء قابلة للتحليل والتفكيك؛ فهناك أسماء وجب الوقوف على أعمالها وتتبع أثرها وتكريم مسارها، وأسماء أخرى وجب نسيانها ولفظها من الذاكرة.. لا لشيء فقط لأنها تجبرك كواحد من الجمهور على التحول من مُشاهد ينشد النشوة والمتعة الفنية إلى شاهد على ما تقترفه من جرائم بشعة في حق التمثيل والتشخيص. هو اسم انطلق من الصفر، ليصبح بعد صبر، وكفاح، واجتهاد سهما مضمون الربح داخل البورصة الفنية المغربية، ممثل من الممثلين القلائل الذين حققوا شعبية واسعة، وتقبلهم الجمهور المغربي في كل أدوارهم، مما جعل وجوده على الشاشة مطلوبا ومرغوبا... هو رشيد الوالي بكل بساطة، لم تتأت لرشيد الوالي هذه الشعبية من فراغ؛ فهو فنان مبدع استطاع أن يبني مهاراته ويصقل مواهبه من بداياته الأولى، اختياراته ذكية لا تخضع للمعادلة الاستهلاكية المتداولة، ولا لمبدأ التذلل والتسول الذي أضحى للأسف الشديد سلوكا مشروعا في هذا الميدان، هو شخصية مميزة، شفافة وسهلة القراءة، حروفها واضحة، ومعانيها مكشوفة.. وعلى الرغم من أن البعض يقرأ من خلال خرجاته وأحاديثه الحوارية العكس، فيبدو له مجرد إنسان متعال، محب للقيادة والاستحواذ والتسلط، فإن الوالي هو في واقع الأمر وعلى الأرض شخصية إنسانية بامتياز، شخصية بسيطة جدا تخفي وجها آخر، وجه بنفحات صوفية يرشح تواضعا وطيبوبة.. رشيد الوالي شخصية طموحة تتميز بثقة عالية في النفس - وهذا لا يعيبها بطبيعة الحال - فبهذه الثقة وهذا الطموح حقق أهدافه، وبهما ساهم في إغناء وإثراء منجزنا الدرامي. رشيد الوالي ممثل أدرك منذ انطلاقته ما يريده وما يصبو إليه، فلم يحدد لنفسه سقفا يعرقل أحلامه، ولم ينسج حوله شرنقة تكبح طموحاته.. أطلق العنان لمواهبه، وتركها تجول بين مختلف الأعمال الفنية؛ فمرة تجده يقترب حتى التماس من رغبة النقاد في تشكيل ملامح إبداعية جادة خالية من الشوائب والتشوهات، ومرة أخرى تجده ينصهر ويتماهى مع القاعدة الجماهيرية وما ترغب فيه من أعمال خفيفة وبسيطة، لا مركبة ولا معقدة، وفي الوقت نفسه بعيدة قدر الإمكان عن الابتذال والسطحيّة والركاكة، ومشاركته في مثل هذه الأعمال كثيرة ومتنوعة.. وأذكر هنا، على سبيل المثال، الفيلم التلفزيوني ''علال القلدة'' 2003 لمخرجه محمد إسماعيل ومؤلفه بنسالم حميش، و''محاين الحسين'' 2005 للمخرج محمد عبد الرحمن التازي، ومسلسل ''سرب الحمام'' 1998 لمحمد عاطفي، و''الحسين والصافية'' لمحمد عبد الرحمن التازي... والفيلم السينمائي ''فيها الملح والسكر أو مبغاتش تموت'' لحكيم نوري، وخصوصا في جزئه الأول الذي حقق انتشارا واسعا... وغيرها من الأعمال. حضور رشيد الوالي داخل الشاشة يتسم بخطاب تشخيصي سلس يتجاوب ويتماهى معه المتلقي بسهولة ويسر، خطاب يعتمد في حبكته على روح الشخصية بكل تفاصيلها وحالاتها النفسية، يحرص على ترجمتها بأدوات وآليات يتقن استغلالها كتعابير الوجه، ولغة الجسد، ونبرة الصوت، وصدق المشاعر... وهي آليات لا يحسن استخدامها إلا من تمرسّ وتعمق في الفن التشخيصي وارتوى من مناهله، وهذا ما ينقص الكثير من ممثلينا ''المحترفين''، على الرغم من ممارستهم لهذا الفن لسنوات طوال. رشيد الوالي يمكنه ارتداء كل الأدوار والتأقلم مع كل الشخصيات، سواء كانت محورية أو ثانوية، مركبة أو بسيطة... وهذا ليس بغريب عن ممثل تتلمذ على يد واحد من كبار المسرحيين ببلادنا وهو المرحوم عباس إبراهيم، هذا الأخير الذي ترك خلفه حلقة من المبدعين المتميزين؛ فبالإضافة إلى رشيد الوالي نجد منى فتو، ومحمد خيي، وبنعيسى الجيراري... وغيرهم من الأسماء التي حققت بفضله حضورا قويا في المسرح والسينما والتلفزيون. أن تكون انطلاقتك الأولى من فوق الركح، متشبعة بروح المسرح الحقيقي، حتما ستجعل وقوفك أمام الكاميرا أكثر سهولة وتناسقا وتوازنا... وهذه من المسلمات -كما يعرف الجميع؛ فالتعمق في التجربة المسرحية يجعلك متمكنا من أدواتك التشخيصية، مما ييسر خلق الشخصية لديك، ويدفعك إلى السيطرة على خيوطها ومساراتها، وبالتالي تجسيدها بسهولة. مقارنة بين أعماله أجد أدوار رشيد في السينما أكثر عمقا وقوة ونضجا مقارنة بنظيرتها في التلفزيون.. ويعود ذلك التفاوت إلى عدة أسباب؛ من بينها ضعف الإنتاج التلفزيوني وافتقاره إلى أبسط المقومات والآليات الاحترافية، الشيء الذي يحد للأسف من الرغبة والطموح في صياغة عمل ناضج قائم على سبر أغوار الشخصيات ودراستها وتشكيلها كما يجب. فيكفي أن نشاهد بعضا من أفلام رشيد الوالي السينمائية حتى نقف على قدراته الحقيقية وعمق أدائه التشخيصي، وفيلم ''مكتوب'' للمخرج نبيل عيوش يشهد على ذلك، وكذا أفلام حكيم النوري الذي يعتبر بالمناسبة أكثر مخرج اشتغل معه سينمائيا وخصوصا في أفلامه التالية "سارق الأحلام" 1995، "عبروا في صمت" 1997، و"مصير امرأة" 1998، وكلها أعمال شكلت بلا شك جزءا كبيرا من مسار رشيد الوالي الفني كممثل. يبقى أن أشير إلى أن رشيد الوالي من الممثلين المميزين لدينا، وبصمته في الدراما المغربية لن تمحى أبدا، أعطى للفن الكثير سينمائيا وتلفزيونيا ومسرحيا، حيث قضى في هذا الأخير أكثر من اثنتي عشرة سنة، أخذ فرصته كاملة وما زال يستفيد منها ويستغلها أحسن استغلال، له سجل حافل يضم العشرات من الأعمال المتنوعة والمختلفة، بفضل تميزه واجتهاده ونشاطه وطموحه؛ وهو ما لم يتحقق للكثير من ممثلينا، فقليلون هم من لديهم مثل هذا الغنى في ريبرتوارهم الفني.