لا تكاد سنة تمر في المغرب دون تسجيل فواجع في مختلف المناطق المهمشة، خصوصاً تلك المرتبطة بالفيضانات التي أصبحت تسلب سنوياً أرواح المواطنين والمواطنات. وفي السنوات الأخيرة، عرفت بعض المدن في الجنوب فيضانات مُميتة راح ضحيتها مواطنون كثر؛ وعلى الرغم من حجم التنديد وكثرة التصريحات من طرف المسؤولين، فإن الأمر يتكرر سنوياً دون استخلاص للدروس. وعلى الرغم ازدياد الوعي لدى السلطات بالحاجة إلى تعزيز نظام التوقع والإنذار المبكر، فإن ضحايا هذه الكوارث تجدها نفسها أمام غياب عمل حقيقي لاستباق الخطر أو التقليل منه على الأقل. آخر فاجعة كانت نواحي تارودانت هذا الأسبوع، حيث لقي 7 أشخاص مصرعهم بسبب السيول الجارفة التي اجتاحت ملعباً بُني على مجرى النهر. وقبل هذا الحادث بسنوات قليلة، توفي في كلميم أكثر من أربعين مواطناً بسبب الفيضانات. الإشكال يطرح في كون توفر عدد من النصوص التشريعية والقانونية المرتبطة بتدبير المخاطر وتعويض الضحايا، كما جرى خلال السنة الجارية الإعلان عن قرب إحداث مديرية مركزية بوزارة الداخلية خاصة بتدبير المخاطر بعدما جرى تعيين عبد الرحيم الشافعي كمدير لصندوق التضامن ضد الوقائع الكارثي. وأطلق على المديرية المركزية اسم National Risk Officer ويُعهد لها قيادة شبكة مسؤولي المخاطر على المستوى القطاعي والترابي وتنفيذ إستراتيجية وطنية لتدبير المخاطر، لكن لم يعرف إلى حد الساعة ما إذا كانت المديرية قد بدأت الاشتغال أم لا. وأبانت حصيلة تدبير الكوارث الطبيعية في المغرب، على مر السنين الماضية، عن نقائص عدة على المستوى المؤسساتي والتقني والتنظيمي، ناهيك عن اعتماد مقاربة رد الفعل من قبل الحكومة بدل النهج الاستباقي واستخلاص الدروس من كل كارثة. عشرات الكوارث تفيد معطيات سابقة وردت في تقرير للمجلس الأعلى للحسابات سنة 2016 بأن عدد الكوارث الكبرى التي عرفها المغرب ما بين 1960 و2014 بلغت 96 كارثة أصابت أكثر من 300 مدينة، ويلاحظ أيضاً أن عدد الكوارث الكبرى تضاعف ب22 مرة تقريباً ما بين 2000 و2014. تقرير المجلس يشير فيما يخص خطر الفيضانات إلى أن هناك نقصاً على مستوى الإطار القانوني؛ فهناك تداخلات على مستوى الاختصاصات بسبب تعدد المتدخلين العموميين وغياب إستراتيجية موحدة خاصة بالحماية من الفيضانات. ومن أهم النصوص الخاصة بتدبير الفيضانات نجد القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء، والقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات والقانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، بالإضافة إلى المرسوم رقم 2.78.157 الصادر سنة 1980 والدورية المشتركة لوزير الداخلية ووزير التعمير سنة 2005. تفيد أرقام التقرير بأن هناك 390 موقعاً مهدداً بالفيضانات في المغرب، منها 50 يكتسي أولوية، وقد أعد لهذا الغرض مخطط وطني لمحاربة النفايات قبل قرابة عقدين من الزمن؛ لكن لم يخصص له ما يكفي من الاعتمادات المالية، وكنتيجة لذلك تمت معالجة 74 موقعا مهددا، أي ما يعادل 19 في المائة من الأهداف المسطرة. وكان هذا المخطط يتطلب 25 مليار درهم على مدى 15 سنة، لكن الحكومات المتعاقبة خصصت له ما بين 2003 و2014 حوالي 7.1 مليارات درهم، أي ما يعادل 28 في المائة من الميزانية المتوقعة، ما جعله عاجزاً عن التنفيذ على أرض الواقع. معيقات تدبير الفيضانات يؤكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن هناك خمسة معيقات تحول دون تدبير أمثل لخطر الفيضانات، أولها غياب لتحديد كامل للملك عمومي المائي، وهذا مرتبط بالمسطرة، وقد نتج عن هذا الوضع تنامي البنايات في مجاري مياه الأودية وبالتالي احتلال أراض في المناطق المعرضة للفيضانات. وتفيد أرقام لوزارة الداخلية تعود لسنة 2009 بأن هناك ما يناهز 84.631 بناء بنيت فوق الملك العمومي المائي، خصوصاً قرب مجاري المياه، بساكنة قدرت بحوالي 405 آلاف شخص، يمثلون أكثر من 1.5 في المائة من سكان المغرب. المعيق الثاني يتمثل في اعتماد قياسات وأحجام غير ملائمة للمنشآت الخاصة للعبور، إذ كثيراً ما يتم تحديدها في الفترة التي وقعت فيها الفيضانات مقارنة مع حجم المياه المتدفقة ونوعية الطرق المعنية من حيث التصنيف وحركية المرور. وقد كشفت الفيضانات التي عرفتها المناطق الجنوبية في 2014 عن عدم ملاءمة عدد من القناطر وبعض المنشآت الفنية المقامة على طول المحاور الطرقية التي تتقاطع مع مجاري المياه، إذ تبين أنها تشكل حواجز لتدفق المياه ولا تسمح بمرور السيول القوية؛ وهو ما يرفع مستوى المياه في المناطق الموجودة في أعلى المنشآت. المعيق الثالث يتجلى في ضُعف التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، وهي الوزارة المكلفة بالتجهيز والوزارة المكلفة بالماء، عبر وكالات الأحواض المائية، خلال مراحل تصميم منشآت العبور، ويتوجب أن تحسين عملية التشاور بينها ويتم الأخذ بعين الاعتبار البيانات الهيدرولوجية والمخاطر المتعلقة بالفيضانات، وكذا تحديد فترة رجوع السيول لاعتمادها في كل مشروع مزمع تطويره في المستقبل. رابع المعيقات هو النقص في صيانة مجاري المياه والتخطيط المائي، فهذا الأمر يواجه عدداً من المشاكل أبرزها الطرح العشوائي للنفايات ووجود غطاء نباتي غير ملائم على ضفاف ومجاري الأنهار، ومع مرور الزمن تصبح مجاري المياه سبباً في عرقلة مرور المياه على مستوى المنشآت الخاصة بالتصريف، مما ينتج عنه تجاوز لجنبات المجاري وبالتالي وقوع الفيضانات. المعيق الخامس والأخير يتمثل في توحل السدود، إذ تشير الأرقام إلى أن المغرب يتوفر إلى غاية 2014 ما يناهز 140 سداً كبيراً وما يزيد عن 200 سد صغير جميعها قيد الاستغلال؛ لكنها تُعاني من عملية التوحل التي تعتبر ظاهرة في معظم جهات المغرب، ويقدر حجم المياه التي يتم فقدانها كل سنة ب75 مليون متر مكعب. وتسجل آثار التوحل على حقينة السدود على عدة مستويات، خصوصاً على مستوى حجم المياه والأداء الجيد وسلامة السدود من جهة، وعلى مستوى التقليص من قدرة التحكم في الفيضانات من جهة أخرى، وينتج عن هذه الحالة خطر التسربات في اتجاه المناطق المهددة بالفيضانات الموجودة في السفوح. التحقيقات جارية في كل كارثة، لا يتحرك المسؤولون في المغرب كما يقع في عدد من بلدان المعمور، سواء بتحمل المسؤولية من طرف الوزير الوصي بتقديم استقالته أو اتخاذ التدابير اللازمة؛ بل أصبحوا يكتفون بكتابة التعازي عبر فيسبوك، ونادراً ما يكون التعاطي سريعاً عبر الحضور الميداني في موقع الفاجعة للتخفيف على المتضررين والحرص على أن يذهب التحقيق إلى أبعد مدى لكي يتحمل كل مسؤولية ما عليه. في واقعة فيضانات تيزرت نواحي تارودانت، بُني الملعب البسيط على مجرى النهر. وقد جرى افتتاحه قبل أشهر بحضور عدد من المنتخبين المحليين، ورافق ذلك تحذيرات عدة من لدن أبناء المنطقة؛ لكن لم يتم الالتفات إلى تلك التحذيرات، وبقي الأمر على حاله إلى أن وقعت الكارثة. كان يمكن أن يتم تفادي فقدان سبعة أرواح، فهذا الملعب ما كان يجب أن يُبنى هناك، لأنه كان مرشحاً في أي لحظة أن تغمره المياه، فكما يقول المثل الشعبي "النهر لا ينسى مجراه"، وهذا كان ظاهراً وكشفه عدد من المغاربة برصد موقع الملعب من خلال صور جوجل إيرث، ما يعني أن هناك تقصيراً حقيقياً من مختلف السلطات دون الحاجة إلى التحقيق في ذلك.