انتخاب عمدة طنجة، منير ليموري، رئيسا لمجلس مجموعة الجماعات الترابية "طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع"    "الكونفدرالية" تقرر تسطير برنامج احتجاجي تصعيدي ضد التراجعات التشريعية للحكومة وإخلافها لالتزاماتها    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    نظام الجزائر يرفع منسوب العداء ضد المغرب بعد الفشل في ملف الصحراء    نقابة تنبه إلى تفشي العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات وتطالب بسياسات عمومية تضمن الحماية لهن    البنك الدولي: المغرب يتصدر مغاربيا في مؤشرات الحكامة مع استمرار تحديات الاستقرار السياسي    الاتحاد الإفريقي يعتمد الوساطة المغربية مرجعًا لحل الأزمة الليبية    وسط صمت رسمي.. أحزاب مغربية تواصل الترحيب بقرار المحكمة الجنائية وتجدد المطالبة بإسقاط التطبيع    برنامج الجولة الخامسة من دوري أبطال أوروبا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الشرطة توقف مسؤولة مزورة بوزارة العدل نصبت على ضحايا بالناظور    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر        الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    ياسمين بيضي.. باحثة مغربية على طريق التميز في العلوم الطبية الحيوية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    تيزنيت: شبان يتحدون قساوة الطبيعة وسط جبال « تالوست» و الطريق غير المعبدة تخلق المعاناة للمشروع ( فيديو )        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..        الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الحاجة إلى ثقافة الاعتراف
نشر في هسبريس يوم 26 - 08 - 2019


في سياق الرد على الاستنكاف
اختار السيد عزيز إدامين أن يعلق في تدوينة له على تقرير وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان حول "منجز حقوق الإنسان بالمغرب: التطور المؤسساتي والتشريعي وحصيلة تنفيذ السياسات العمومية بعد دستور 2011"، بصيغة الاستفهام "ما الفرق بين تقرير الرميد الحقوقي وبين تقرير العثماني حول نصف ولايته"، مفضلا طرح أسئلة على الجهة المعنية والإجابة عنها بنفسه.
وبعد تمحيص هذه التدوينة تبين أنها تعكس مواقف سابقة للكاتب عبر عنها في مقال منشور ببعض الجرائد الإلكترونية تحت عنوان "متاهات حقوقية في ذكرى رحيل بنزكري"، حيث استهدف بعض رواد العدالة الانتقالية بالمغرب وغيرهم ممن ناضلوا وآمنوا بأحلام وطن ينعم بالديمقراطية والحقوق والحريات، معتبرا، في سياق ذلك، أن "الوضع الحقوقي، بشكل عام خاصة في السنوات الأخيرة، عرف تراجعات كثيرة وردة حقوقية وسنوات للرصاص والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بصيغ ومقاربات جديدة"؛ وتفاعلا مع كل ذلك نقدم الملاحظات التالية:
أولا- ملاحظات بشأن التدوينة المخصصة ل"تقرير منجز حقوق الإنسان بالمغرب"
لقد أبى كاتب المقال على وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان تصريحه لوسائل الإعلام بأنه سيقدم هذا التقرير إلى الملك، متبنيا رأيا قائلا بأن "هذا الإجراء غير قانوني وغير دستوري لكون الرئيس المباشر لوزير الدولة هو رئيس الحكومة، وأنه لا يمكن أن يتجاوز المسطرة الخاصة المنظمة للعلاقة بينهما وأن العلاقة بين الملك والحكومة منظمة بمقتضيات الدستور، وبالتالي فإن إحالة ذاتية لتقرير معين إلى الملك هو خرق للدستور والقانون، بالنظر لكون التقارير المقدمة للملك تكون إما بمقتضى نص دستوري وقانوني واضح أو بطلب من الملك"، معتبرا أن "رفع التقرير إلى الملك يضفي عليه نوع من "الهالة الملكية" ويجعل أي منتقد للتقرير إنما هو منتقد لتقرير سامي"، مضيفا أن "هذا المقترح من وزير الدولة سيشكل بدعة في العمل الحكومي على اعتبار أن من شأنه أن يعد تجاوزا لرئاسة الحكومة بتقديم تقارير عن حصيلة عمل القطاعات الحكومية للملك مباشرة دون الخضوع لمراقبة البرلمان أو التتبع والمواكبة من قبل المجلس الحكومي".
وقد تساءل كاتب التدوينة هل هذا التقرير هو تقرير عن وضعية حقوق الإنسان أو هو تقرير يجرد المنجز لبرامج الحكومية؟، معتبرا أن "ما قدمه التقرير خاصة فيما يتعلق بالأرقام والإحصائيات هو حصيلة أنشطة الحكومة وليس تقييما للسياسة الحقوقية في المجال الاجتماعي"، مبينا أن "المقاربة الحقوقية لا تقف عند هذه الإحصائيات بل تذهب لتسائل أصحاب القرار حول ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب لمن كانوا سببا في الاختلالات المالية التي رصدها المجلس الأعلى للحسابات"، معتبرا أن "الشروحات البيداغوجية المقدمة حول التشريعات والمكتسبات دون نفحة نقدية أو حقوقية"، قبل أن يخلص إلى أن "التقرير لا فرق بينه وبين تقرير رئيس الحكومة حول نصف الولاية والعروض التقديمية للقطاعات الحكومية بمناسبة مناقشة قوانين المالية".
وإذا كان الكاتب تحدث بصيغة اليقين أن وزير الدولة لم يقدم التقرير لرئيس الحكومة بل قدمه للملك متجاوزا المسطرة القانونية ومؤسسة الحكومة، فإن السؤال المطروح هو هل تحرى الكاتب بشأن هذا الادعاء الذي سوقه حقيقة؟، علما أنه لو بذل مجهودا بسيطا في البحث لوجد أن وزير الدولة عرض التقرير على مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 18 يوليوز 2019، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق قانونيا وعمليا إلا بإطلاع رئيس الحكومة على موضوعه، بناء على مقتضيات المادة 15من القانون رقم 13 .065 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.
أما ما دفع به الكاتب من أن "هذا التقرير لا يندرج ضمن التقارير التي ترفع للملك، وأنه يشكل بدعة في العمل الحكومي"، فيعد تأويلا مجانبا للصواب.
وفي هذا الصدد، ينبغي التوضيح أن مجال الحقوق والحريات يبقى من بين المجالات التي يسهر الملك على صيانتها حسب الفصل 42 من الدستور الذي ينص على أن: "الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة".
إضافة إلى أن موضوع الحقوق والحريات يعد مجالا من المجالات التي يتم التشريع فيها بالقانون من قبل البرلمان بموجب الفصل 71 من الدستور، كما أن مجلس الحكومة يختص بالتداول في القضايا الراهنة المرتبطة به، بموجب الفصل 92 من الدستور.
وهكذا، وعلى خلاف ما ذهب إليه الكاتب، فإنه لا يوجد أي مانع لعضو في حكومة جلالة الملك مكلف بحقوق الإنسان أن يرفع تقريرا حول حصيلة المنجز في حقوق الإنسان إلى الملك، رئيس الدولة، ويقدمه إلى مجلس الحكومة ويعرضه أمام البرلمان، بل إن هذا الأمر يبقى متوافقا مع نص الدستور وليس فيه ما يخالف القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.
كما أن القول بأن "رفع هذا التقرير إلى الملك يضفي عليه نوع من "الهالة الملكية" ويجعل أي منتقد له إنما هو منتقد لتقرير سامي"، يعد قراءة مخالفة للحقيقة وللواقع.
فمتى اتسمت التقارير التي يرفعها رئيس الحكومة أو عضو فيها والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمؤسسات العمومية المتخصصة إلى الملك بالطابع السامي؟ لاسيما وأن بعضا من التقارير يطلب الملك مراجعتها وتعديلها، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لموضوع التكوين المهني وغيرها، بل إن البعض منها يخضع للمناقشة البرلمانية حتى بعد رفعها إلى الملك، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لتقارير المجلس الأعلى للحسابات.
وأما تساؤل كاتب المقال: "هل هذا التقرير هو تقرير عن وضعية حقوق الإنسان أم هو تقرير يجرد المنجز لبرامج الحكومية"، معتبرا أن "ما قدمه التقرير خاصة فيما يتعلق بالأرقام والإحصائيات هو حصيلة أنشطة الحكومة وليس تقييما للسياسة الحقوقية في المجال الاجتماعي"، فإن تدقيقا بسيطا يجعلنا نرشده إلى الجواب.
فالتقرير عنون كما يلي: "منجز حقوق الإنسان بالمغرب: التطور المؤسساتي والتشريعي وحصيلة تنفيذ السياسات العمومية بعد دستور 2011". وهكذا فهو تقرير يعكس منجزات البلد ككل بما فيها برامج الحكومة وسياساتها العمومية ومنجزات المؤسسات العمومية وغيرها، لكنه لم يكتف بالمنجزات، بل إنه خصص الكثير من الفقرات للوقوف عند التحديات والنواقص والخصاصات، وهو نوع من التقييم والنقد كذلك، وهذا ما يضفي على التقرير نفحة حقوقية بارزة تميزه، والتي لا ندري ما الغشاوة التي منعت الكاتب من ملاحظتها، هذا علما أن التقرير المذكور يبقى في نهاية المطاف تقريرا حكوميا، ولهذا لا يتوقع أن يكتب بنبرة المؤسسات الوطنية أو بنبرة منظمات المجتمع المدني.
وأما ما طالب به الكاتب بخصوص جعل "المقاربة الحقوقية لا تقف عند الإحصائيات بل تذهب لتسائل أصحاب القرار حول ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب لمن كانوا سببا في الاختلالات المالية التي رصدها المجلس الأعلى للحساب"، فإن هذا النوع من التقارير ليس مطلوبا فيها تحديد المسؤوليات الفردية عن النواقص والاختلالات، فضلا على أنه ليس من صلاحيات عضو في الحكومة مكلف بحقوق الإنسان، له مهام عرضانية وليس مسؤولا مباشرا عن قطاعات أخرى، أن يرتب مساءلة ومحاسبة فردية بشأن اختلالات ونواقص قد يرصدها لدى فاعلين آخرين.
ثانيا- ملاحظات بشأن المقال المعنون ب"متاهات حقوقية في ذكرى رحيل بنزكري"
إن أهم ملاحظة منهجية يمكن الوقوف عندها في هذا المقالة هي التناقض الذي جعل فقراتها يهدم بعضها البعض الآخر وانعدام الأساس الموضوعي للخلاصات والمستنتجات الواردة فيها. فكل ما حاول الكاتب بناءه في متن مقالته يتعارض مع ما أقر به في مقدمتها عندما اعتبر أن "تقييماته تندرج في خانة ما سماه "منطلقات ذاتية وشخصية"، قبل أن يضيف بأنه بنى تشخيصاته على ما اعتبره "ممارسات فضلى لتشخيص الواقع الحقوقي في البلد"، دون أن يبين لنا ما هي هذه الممارسات الفضلى؟، ولا بين لنا الدراسات والمساهمات الجادة التي اعتمد عليها، لإصدار استنتاجاته وتقييماته، لاسيما وأنه لا يعرف له دراسة علمية رصينة ولا بحثا أو تشخيصا موضوعيا قد يمكنه من الوصول إلى تلك الاستنتاجات والتقييمات العامة.
وإذا كان من الملاحظ على المستوى المنهجي أن صاحب هذا المقال اختلطت لديه الجوانب الموضوعية بالجوانب الذاتية عندما ربط تقييم عمل المؤسسات بالأشخاص المعينين على رأسها، فإننا، وبكل تواضع، اخترنا مناقشة بعض التقييمات المرتبطة بالمؤسسات بعيدا عن أي دفاع عن الأشخاص ما داموا غير محتاجين لمن يدافع عنهم، كما أن ما يهمنا في هذا الباب هو التقييم الموضوعي للوقائع والمؤسسات.
يظهر جليا على مستوى المضمون أن المقال طغى عليه الطابع التنديدي، ولم يستطع صاحبه التمييز بين القضايا المرتبطة بالالتزامات الاتفاقية والالتزامات الطوعية والمبادرات التعاونية في تفاعل المغرب مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان. كما أنه لم يتحر الدقة والعمق في تحليل المعطيات المتعلقة بالممارسة الاتفاقية واكتفى بفحص جزئي للوثائق المتداولة والمنشورة دون أن يمحصها ويدرس غيرها ويقارنها، مما جعل العديد من الملاحظات المعبر عنها تظهر السقوط في أخطاء مادية تهم الوقائع والمعطيات والتدابير والتقنيات المعتمدة من قبل آليات الأمم المتحدة.
وفي هذا الصدد، يمكن تقديم ملاحظة عامة منهجية، و4 ملاحظات أساسية، كما يلي:
أ- الملاحظة العامة المنهجية:
إن ما سماه المقال ب"محاولة الدولة تسويق نموذج تفاعلها الإيجابي مع هيئات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي تقوم به وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان أو المندوبية المكلفة بحقوق الإنسان كبروباغاندا يفندها الواقع"، يذكرنا بما صدر عن بعض الرافضين لعمل هيئة الانصاف والمصالحة أثناء اشتغالها، والذين سرعان ما أصبحوا من أشد المطالبين بتنفيذ توصياتها. فإذا كان صاحب المقال يعتبر الجهة الحكومية المكلفة بالتنسيق في مجال حقوق الإنسان ليست إلا آلية دعائية، فهو من وصفها في هذا المقال وفي مقال آخر ب"أنها من الممارسات الدولية الفضلى"، مستشهدا ب"تصريح للمفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي أثناء زيارتها للمغرب في سنة 2014 وكذا التوصيف الملكي لأدوار المندوبية".
وهذا ما يؤكد أن المقال يعتريه التناقض البين في هذا الباب، لاسيما وأن أدوار وتجربة الجهة الحكومية المكلفة بتنسيق حقوق الإنسان نالت التنويه والإشادة ليس فقط من قبل المفوضة السامية لحقوق الإنسان أثناء زيارتها للمغرب سنة 2014 بل أيضا في دراسة لها حول آليات التنسيق الحكومي في مجال حقوق الإنسان وأيضا في تقريرها حول تعزيز الهيئات المنشأة بموجب هيئات المعاهدات لسنة 2012. إضافة إلى تقارير الزيارات القطرية التي قامت بها مختلف الإجراءات الخاصة التابعة لمجلس حقوق الإنسان للمغرب منذ سنة 2011.
ب- الملاحظات العامة الأساسية:
أن توصيف المقال بأن الممارسة الاتفاقية للمغرب تتسم بالتأخر من خلال الاستناد على البطء في تقديم التقارير في موعدها واعتماد تقنية تجميع التقارير في تقرير واحد جامع، لا يعكس حقيقة الواقع، كما تنقصه الدقة والالمام بما يجري داخل منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وهنا أود أن أشير إلى أن الممارسة الاتفاقية للمغرب تؤكد أنه بذل مجهودات كبيرة لتدارك التأخر الذي كان حاصلا على مستوى تقديم التقارير لاسيما بعد إحداث المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان سنة 2011، بحيث أنه في سنة 2016 عند تقديم التقرير الوطني السادس بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لم يعد هناك أي تأخير، بل إن ما يدعيه المقال من تأخير حاليا هو أمر عام يرتبط بمعظم دول العالم بالنظر لكون الدول الأطراف في النواة الصلبة لحقوق الإنسان، كما الحال بالنسبة للمغرب، مدعوة لتقديم تقريرين على الأقل كل سنة بالنسبة لهيئات المعاهدات التي لا تستطيع لحد الآن مواكبة العدد الهائل للتقارير المعروضة عليها، بل إن منها ما لم تستطع مناقشة تقارير معروضة عليها منذ ما يزيد عن السنتين.
ولتفادي مثل هذا البطء في مناقشة التقارير المتأخرة وتيسير مناقشتها تلجأ هيئات المعاهدات، وعلى خلاف ما جاء في المقال، إلى تقنية تجميع التقارير، كما هو الشأن بالنسبة للتقرير الوطني الجامع للتقريرين الدوريين 3 و4 لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 2008 والتقرير الجامع للتقريرين الدوريين 3 و4 المتعلق باتفاقية حقوق الطفل لسنة 2014 والتقارير الدورية المجمعة 19 و20 و21 المتعلقة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. والتقريرين الدوريين الخامس والسادس حول إعمال اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وهكذا فإن مسؤولية التأخر في تقديم وفحص التقارير منها ما يرجع للدول (تأخر في التقديم) ومنها ما يرجع لهيئات المعاهدات (تأخر في الفحص) ومنها ما يعود لطبيعة النظام ككل (كثرة الاتفاقيات وضيق الحيز الزمني الخاص بالمدة الفاصلة بين التقارير ومحدودية الوسائل والامكانيات سواء بالنسبة للدول أو بالنسبة لهيئات المعاهدات).
وفي هذا الإطار فإن المغرب عرف بين سنتي 2003 و2017، تقديم أحد عشر تقريرا أوليا ودوريا أمام:
لجنة الأشخاص ذوي الإعاقة 2017؛
اللجنة المعنية بحقوق الإنسان 2016؛
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 2015؛
لجنة حقوق الطفل في شتنبر 2014؛
لجنة حماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في شتنبر 2013؛
لجنة مناهضة التعذيب في أكتوبر 2011؛
لجنة القضاء على التمييز العنصري في غشت 2010؛
لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في يناير 2008؛
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ماي 2006؛
لجنة حقوق الطفل في يناير 2006؛
اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في نونبر 2003.
هذا فضلا عن تقديم ثلاثة تقارير في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان.
وقد عرفت المقاربة المغربية في مجال إعداد وتقديم التقارير الوطنية تطورا ملحوظا منذ 2011 من خلال مأسسة وتوسيع المقاربة التشاركية مع كافة المعنيين على المستوى الوطني والجهوي واعتبار محطات إعداد التقارير الوطنية فرصة للتشاور والتملك من خلال:
إشراك جميع الأطراف المعنية: القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام في مسار الإعداد؛
تأمين إجراء حوارات تفاعلية وبناءة بين السلطات المغربية وهيئات المعاهدات؛
إيلاء عناية خاصة للتقارير الموازية التي تقدمها منظمات المجتمع المدني؛
الحرص على ضمان تتبع تنفيذ توصيات هيئات المعاهدات من خلال التخطيط الاستراتيجي وخلال إعداد وتنفيذ السياسات العمومية.
وغني عن البيان أن موضوع التأخر في تقديم ومناقشة التقارير أمام هيئات المعاهدات قد كان محط اهتمام كبير من قبل المفوضة السامية لحقوق الإنسان في تقريرها حول تعزيز الهيئات المنشأة بموجب هيئات المعاهدات لسنة 2012 الذي أرجعه إلى عوامل موضوعية ترتبط في كثير من الحالات بكثرة التقارير التي ينبغي على الدول تقديمها، مما يثقل كاهلها، فضلا عن كثرة التقارير التي ينبغي على هيئات المعاهدات فحصها، مما يجعلها تتأخر في القيام بذلك أو تقوم بدعوة الدول إلى تجميع التقارير المستقبلية في تقرير واحد.
ولعل المتتبعين لما يجري حاليا بالأمم المتحدة يعرفون أن إصلاح نظام الأمم المتحدة لا مناص منه لمعالجة النواقص والخصاصات والتحديات المطروحة أمام فعالية هذا النظام، لاسيما وأن هناك توجه حاليا إلى تقليص ميزانية هيئات المعاهدات بالأمم المتحدة، مما جعل هيئات المعاهدات تفكر في تقليص عدد دوراتها والتفكير في سبل جديدة للفحص والمراقبة من ضمنها التقارير المجمعة والمسطرة المبسطة وغيرها.
ان ما ورد في المقال بخصوص توصيف التفاعل مع الإجراءات الخاصة بأنه "مزاجي"، غير مؤسس على معطيات مضبوطة أو إحصائيات ومؤشرات مؤكدة.
فبغض النظر عن كون الطابع المزاجي ليس صفة من صفات عمل المؤسسات ولا المرافق العمومية، فإن ما جاء في المقال من أن "الناطقون الرسميون باسم الدولة يتحدثون عن استقبال المغرب منذ 2011 إلى الآن ل 12 إجراء خاصا" يؤكد الأخطاء المادية التي وقع فيها المقال بالنظر لأنه لا توجد أية وثيقة رسمية صادرة عن أجهزة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان تقدم هذه المعطيات. والحقيقة هي أن المغرب استقبل 8 إجراءات خاصة ما بين شتنبر 2011 ودجنبر2018، بمعدل زيارة كل 10 أشهر عمليا، وهو معدل مرتفع بالنظر إلى الممارسة العامة للدول في هذا المجال.
بل إن المغرب طور من مقاربة تفاعله مع الإجراءات الخاصة ولاسيما من خلال:
الدور الحيوي في مسارات إحداث العديد من الإجراءات الموضوعاتية؛ ولا سيما في عام 2011 مع إنشاء ولاية للنهوض بالحقيقة والعدالة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار في شتنبر 2011؛
تعزيز الانفتاح وتقوية التفاعل مع هذه الإجراءات الخاصة منذ 2011؛
حيث يحرص المغرب دائما على الاستفادة من زيارات الإجراءات الخاصة من خلال:
العمل على ضمان تأطير كل زيارة من خلال إعداد إطار مرجعي ومذكرات توجيهية أو إرشادية وتوفير جميع الشروط المسبقة لإنجاح كل زيارة؛
تمكين الأطراف المعنية من تملك الطابع الخاص لهذه الآليات؛
الانفتاح على الممارسات الفضلى في الميدان؛
المساهمة الفعالة في عملية الانخراط في تنفيذ التوصيات الصادرة عن هذه الإجراءات.
ويعتبر المغرب أن زيارات الإجراءات الخاصة تساهم في تتبع وتعزيز وضعية حقوق الإنسان ولهذا:
يتم التعامل مع ولايات الإجراءات الخاصة بمقاربة شمولية تراعي تكامل ولايات الإجراءات الخاصة وتقاطع الحقوق التي تندرج ضمن مهامها وشمولية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزيء؛
تعتمد المقاربة المغربية على تأسيس إطار تفاعلي متميز مع بعض الإجراءات الخاصة من خلال عقد لقاءات واجتماعات خاصة على هامش مختلف دورات مجلس حقوق الانسان أو الإجراءات الخاصة (مع فريق العمل المعني بالاختفاء القسري أو غير الطوعي والمقرر الخاص المعني بالتعذيب مثلا)؛
يتفاعل المغرب أيضا بشكل كلي مع الإجراءات الخاصة في تلقي البلاغات الفردية.
وأما ما ورد في المقال بخصوص ادعاء "عدم التفاعل مع بعض طلبات زيارات الإجراءات الخاصة ومثاله المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامون الذي ألغى زيارته للمغرب قبل أيام معدودة من موعدها بسبب عدم التواصل الجيد مع الحكومة المغربية وكون ترتيبات الزيارة التي سطرها ووضعها المغرب كانت مقيدة لعمل المقرر الخاص"، وهذا وإن كان خبرا صحيحا من حيث إلغاء الزيارة فإنه مجانب للصواب من حيث الأسباب والحيثيات.
فإذا كانت السلطات المعنية قد وافقت على إجراء الزيارة وتم الترحيب بالمقرر الخاص وتم الاتفاق على تاريخ الزيارة فإن برنامجها لم يكن محط اتفاق نهائي وبقي التواصل مستمرا بين الجانبين إلى آخر لحظة لضمان التوازن والتعددية اللازمة لإنجاح مثل هذه الزيارات التي تجرى باتفاق بين الحكومات والإجراءات الخاصة، وفق مرجعيات معتمدة من قبل الأمم المتحدة، لاسيما وأن هذه الإجراءات هي آليات غير تعاهدية ينبغي أن يتم التعاون في إطارها بنوع من التراضي والتوافق بينها وبين الدول المعنية بزياراتها، وذلك على خلاف زيارة بعض الآليات التعاهدية الأخرى، كما هو الحال بالنسبة للجنة الفرعية للأمم المتحدة لمنع التعذيب التي تزور الدول الأطراف طبقا لمقتضيات البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب.
وغني عن البيان أن التوجه العام لتفاعل المغرب مع آليات الإجراءات الخاصة هو الانفتاح على زياراتها، بما فيها تلك ذات الحساسية الخاصة كالمقرر الخص المعني بالتعذيب وفريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي وفريق العمل المعني بالاختفاء القسري التي زارت المملكة، وتمكنت من زيارة مختلف الأماكن التي ترغب في زيارتها والالتقاء بالجهات التي ترغب في اللقاء بها، بكل حرية، علما أن هذه الاجراءات ذات الحساسية الخاصة لا تحظى بنفس الترحيب الذي قدمه المغرب لها من قبل العديد من دول المنطقة.
إن ما ورد في المقال بخصوص التصنيف الذي اعتمده المغرب بخصوص الرد على التوصيات الصادرة في إطار الاستعراض الدوري الشامل في جولته الثالثة، حيث "وزعها على أربعة أصناف، توصيات مقبولة وتوصيات في طور الإنجاز وتوصيات مرفوضة وتوصيات مقبولة جزئيا"، غير مطابق للتصنيف الذي اعتمده المغرب والذي وجهه إلى مجلس حقوق الإنسان في شهر غشت 2017، والذي تضمن إعلان المملكة عن تأييدها التام ل 191 توصية، منها 23 توصية تعد منفذة كليا و168 توصية في طور التنفيذ، بالنظر لكونها تندرج ضمن الإصلاحات الجارية بالمملكة. كما تضمن أخذ المملكة علما ب 44 توصية، منها 18 توصية مرفوضة جزئيا و26 توصية مرفوضة كليا، وذلك لتعارضها مع الثوابت الجامعة التي كرسها دستور المملكة وممارستها الاتفاقية. إضافة إلى عدم قبولها ل 9 توصيات، وذلك لعدم اندراجها ضمن اختصاصات مجلس حقوق الإنسان.
ويلزم التذكير أن المغرب تلقى خلال هذا الاستعراض 244 توصية، تتعلق بمجالات مختلفة كالممارسة الاتفاقية للمملكة، وبعض الجوانب المتعلقة بالتفاعل مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، وتعديل مقتضيات قانونية تندرج في إطار مدونة الأسرة، والإطار التشريعي الوطني ضد التمييز بشكل عام، والتمييز ضد فئات بعينها، والإجهاض، وتشغيل العمال المنزليين، ومناهضة العنف، والعقاب البدني ضد الأطفال، والضمانات المتعلقة بحرية الصحافة والرأي. كما همت هذه التوصيات إصلاح منظومة العدالة، وتعزيز الإطارين التشريعي والمؤسساتي لحقوق الإنسان، خاصة المتعلقين بالمساواة بين الجنسين ومحاربة العنف ضد النساء وتمكينهن اقتصاديا، والنهوض بالحقوق الأساسية للفئات والمناطق الهشة، خاصة التعليم والصحة، وتعزيز الحقوق الفئوية، والحقوق الثقافية، وملاءمة التشريع الجنائي، وتعزيز الحريات العامة، ومناهضة التعذيب، ومواصلة تنفيذ السياسة الوطنية للهجرة واللجوء والاتجار بالبشر، ومواصلة الحوار الوطني حول إلغاء عقوبة الإعدام، وتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، والنهوض بالتربية والتكوين في مجال حقوق الإنسان، خاصة لدى المكلفين بإنفاذ القانون، إضافة إلى قضايا ترتبط بالوحدة الترابية للمغرب.
ولعل عدم الالمام الذي سقطت فيه المقالة يزداد عمقا عندما اعتبرت أن "تصنيف بعض التوصيات بكونها مقبولة جزئيا لا قيمة قانونية له بل ومعارض لمبادئ حقوق الإنسان خاصة وأنها غير قابلة للتجزيء"، والحالة أن الموقف من التوصيات تعبر عنه جميع الدول، كما أن القبول الجزئي ليس فيه موقف تجاه مبادئ حقوق الإنسان الكونية، بل إنه موقف من بعض التوصيات المقدمة من قبل بعض الدول والتي تتصف في بعض جوانبها إما بالتسييس أو بكونها تمس جوانب التعددية والاختلاف من حيث بعض القيم الإنسانية التي تحميها حقوق الإنسان.
كما أن ما ورد من قول بأن "المغرب مقبل في نونبر من هذه السنة على تقديم تقريره النصف الدوري الشامل ويحضر بسرية لذلك دون إشراك المجتمع المدني مما يخالف مقتضيات القرار 60 /251 الصادر في 15 مارس 2016"، وبغض النظر عن الأخطاء المادية في الإحالة على مراجع القرار المذكور وطبيعة هذا التقرير وتسميته وتاريخ تقديمه، فإن الحقيقة أن المغرب سيقدم تقريره في شهر شتنبر 2019، وأن إعداد وتقديم التقرير المرحلي لا يخضع للضوابط التي تنطبق على التقرير الوطني لأنه يأتي في إطار وفاء بالتزام طوعي تختار بعض الدول القيام به، وأنه لا يناقش أمام مجلس حقوق الإنسان ولا تصدر توصيات عن المجلس بشأنه كما لا تقدم تقارير موازية ولا مداخلات بشأنه أمام المجلس.
إن ما اعتبرته المقالة "تيه للمؤسسات الوطنية الرسمية" يعكس رأيا ذاتيا للكاتب تجاه الأشخاص المسؤولين عن هذه المؤسسات، والذين قد آلينا على أنفسنا ألا ننخرط في الدفاع عنهم لأنهم يصيبون ويخطئون، فإن تقييم عمل المؤسسات يبقى من حق كل فاعل ومهتم وباحث مع احترام القواعد المرجعية المنهجية المؤطرة لإنجاز لمثل هذه التقييمات.
فإذا كانت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لا تحتاج لمن يدافع عن حصيلتها التي تمتد على مدار زمني يقارب ثلاثة عقود من الزمن، فإنه يكفي القول بأنها معتمدة في الدرجة "أ" ضمن التحالف الدولي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان منذ 2004، وأما الدينامية التي خلقتها على الأقل منذ ذلك الوقت إلى الآن، فيكفي استحضار التقارير والدراسات والآراء الاستشارية والتوصيات التي أعدتها في كافة القضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان. كما أن القول بأن "المؤشرات"، دون تقديمها، "توحي بفقدان الثقة فيها" وأنها "مؤسسة ريعية ومحامية الدولة وناطقة رسمية باسم الدولة" يعد خلاصات شخصية تبقى بعيدة عن الموضوعية والنزاهة العلمية والفكرية.
هذا علما أن ما تقدم به كاتب المقال من تساؤلات تهم جوانب الحكامة والنزاهة والمسؤولية والشفافية بشأن الميزانيات والتدبير الإداري والمالي للمجلس فإن تقييمه يبقى من صلاحيات مؤسسات دستورية أخرى على الباحث أن يتقدم إليها بما يفيد في إماطة اللثام عنها والمساءلة عنها إن وجدت.
وأما وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، وبغض النظر عما تم تقديمه من فهم سطحي لدور وزير الدولة بخصوص طبيعة عمله العرضانية باعتبار أن حقوق الإنسان هي عرضانية ترتبط بمختلف القطاعات الأخرى، فإن ما طلبه كاتب المقالة بضرورة أن "تقدم وزارة الدولة خدمات حقوقية قياسا على خدمات التعليم والصحة"، يؤكد جهلا مطبقا بطبيعة حقوق الإنسان وبالأدوار التي تقوم بها الجهة الحكومية المكلفة بحقوق الإنسان. فماهي يا ترى الخدمات الحقوقية المرفقية المطالب بها، والتي ينبغي تقديمها هنا غير ما تقوم به الوزارة على مستوى التخطيط الاستراتيجي وتنسيق السياسة العمومية في مجال حقوق الإنسان وتعزيز التفاعل مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان والإسهام في الدفاع عن حقوق الإنسان والحماية من الانتهاكات؟
والملاحظ أن عمل هذه الوزارة على مستوى إعداد خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالرغم من أنه حظي بإشادة المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وفاعلين آخرين على المستويين الدولي والوطني، فإنه نال حظه من التبخيس والتنقيص. كما أن استنتاج كاتب المقال بأن وزارة الدولة "مجرد قطاع حكومي أجوف وعبئ سياسي وحقوقي وهدر للمال"، يؤكد تهافتا وتحاملا، وجهلا كبيرا بالعمل الذي تقوم به هذه الوزارة.
وإذا كان كاتب المقال عند إشارته إلى المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان لم يستطع تقديم أي تقييم موضوعي بشأنها، مكتفيا بإطلاق تحليلات تحاول مناقشة الدور الحمائي للمندوبية، بناء على ما ورد في الرسالة الملكية بمناسبة الاحتفال بالذكرى 70 لصدور الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، رافضا أن يسند لها أي دور في هذا الشأن بعلة أن الحكومة لا يمكن لها أن تكون حكما وخصما في وقت واحد. فالحقيقة أن مرسوم إحداث المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان يمنحها دورا على مستوى حماية حقوق الإنسان، وفق ما نصت عليه المادة 2 من المرسوم 2.11.150 المتعلق بإحداثها وبتحديد اختصاصاتها وتنظيمها الصادر في 11 أبريل 2011، والتي جاء فيها: "تناط بالمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان مهمة إعداد وتنفيذ السياسة الحكومية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وحمايتها والنهوض به، وهو ما أكدته المادة 5 من المرسوم، وكذا المادة 1 من المرسوم رقم 2.17.190 بتحديد اختصاصات وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، وهذا ما زكته الرسالة الملكية المذكورة التي تضمنت توجيهات للمندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان بتعزيز هذا الدور الحمائي، في إطار رؤية ترمي إلى تحقيق تكامل الأدوار والوظائف بين مختلف المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان.
في هذا الإطار، واستحضارا للتوجيهات الواردة في الرسالة الملكية المذكورة، وانطلاقا من المبدأ الدستوري المتعلق بفصل السلطات وتوازنها وتعاونها، وبناء على ما ورد في الفصل 92 من الدستور الذي يحدد القضايا التي يتداول فيها مجلس الحكومة، ومن ضمنها القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان، فإننا نرى أنه بإمكان وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان الملحقة بها القيام بأدوار حمائية على مستوى العمل الحكومي، بل إن ذلك من بين وظائفها، ولاسيما فيما يخص إبداء الرأي وتقديم المشورة واتخاذ كل مبادرة ترمي إلى تعزيز حقوق الإنسان على مستوى النصوص القانونية والتدابير والإجراءات الإدارية والسياسات والبرامج العمومية، وهذا ليس فيه تعارض مع مهام وأدوار المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ولاسيما المجلس الوطني لحقوق الإنسان والوسيط، والتي تبقى ملزمة بالقيام بأدوارها الحمائية باعتبارها مؤسسات وطنية مستقلة. كما أن القضاء يبقى الجهة المؤهلة لتحقيق الحماية المباشرة للحقوق والحريات في حالة وقوع الانتهاكات والنزاعات. هذا دون إغفال الدور الحمائي للبرلمان على مستوى الرقابة والتشريع.
وفي انتظار ما سيلي من مقالات أخرى كما وعد بذلك الكاتب، فإننا نأمل ألا نحتاج مرة أخرى إلى الرد والتعقيب والتوضيح والتصويب، وأن يتم ترجيح المناهج العلمية التي تعتمد توصيفات دقيقة وتحليلات عميقة وفهم واسع ومؤشرات موضوعية ومواقف وآراء محكمة، ترفع الحوار إلى مستوى التفاعل البناء والمناقشة العلمية والتناظر الفكري الرصين.
*باحث في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.