تعززت فضاءات مدينة خريبكة، شهر نونبر الماضي، بافتتاح حديقة جديدة على مساحة 4 هكتارات، بتكلفة مالية بلغت 32 مليون درهم مموّلة من المجمع الشريف للفوسفاط، واختير للفضاء آنذاك اسم "منتزه بني عمير"، من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف التربوية والترفيهية المعلن عنها خلال انطلاقة تهيئة المشروع وخلال افتتاح المنتزه أيضا. افتتاح حديقة بمرافق متنوعة تميّز حفل افتتاح منتزه بني عمير، قبل 10 أشهر، من لدن وفد يتقدّمه عامل إقليمخريبكة، بتقديم شروحات حول تنوع المرافق والخدمات التي يوفّرها الفضاء، خاصة على مستوى الفضاءات الترفيهية والتربوية، والحدائق الموضوعاتية، وفضاءات الألعاب الخاصة بالأطفال، ونافورات، ومسرح في الهواء الطلق، ونوادي البيئة،إلى جانب المرافق الصحية. وفي الوقت الذي شهدت فيه الحديقة، خلال الأسابيع التي تلت افتتاحها، تنظيم مجموعة من الأنشطة الترفيهية والتنشيطية بتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني، شهد الفضاء في الآونة الأخيرة تراجعا واضحا، سواء على مستوى الخدمات التي كان من المقرر أن يوفّرها لقاصديه أو على مستوى الحالة التي أصبحت عليها مرافقه وبنيته التحتية وغطاؤه النباتي. واجهة تتراجع وكلاب تتكاثر المشاكل التي أصبح يتخبط فيها المنتزه تتجلى للزائر منذ اللحظة التي يلج فيها الفضاء، حيث يتفاجأ بتدهور حالة اللوحة التوضيحية التي نُصبت عند المدخل من أجل إعطاء نظرة شمولية حول المرافق والخدمات المتوفرة، حيث بدأ الملصق يضيع شيئا فشيئا؛ وهو ما جعل وجوده في الآونة الأخيرة كعدمه، ولم يعد الزوار يأبهون بمعاينة ما تبقى من توضيحاته. الممر الرئيسي بين مدخل الحديقة ونافورتها لا يزال محافظا على لونه الأخضر بسبب عملية السقي التي يخضع لها، باعتباره الواجهة الأساسية للفضاء؛ غير أن جمالية الممرّ تتكسّر أمام وجود أعداد من الكلاب الضالة التي استوطنت جوانب الحديقة وتكاثرت مع مرور الوقت، ولم تعد تجد أي حرج في مجاورة الزوار أحيانا، ومضايقتهم في أحيان أخرى. انتشار الكلاب.. تعايشٌ وحذرٌ مع مرور الأسابيع والأشهر، صار الزوار الأوفياء للحديقة معتادين على مشاهدة الكلاب الضالة وهي تتجول داخل الحديقة وتلتقط بقايا الطعام رفقة جرائها، في مشهد يعزز ثقافة الرفق بالحيوان والتعايش المفروض بين الإنسان وتلك الحيوانات الأليفة. وأمام حالة التعايش بين أغلب زوار الحديقة والكلاب الضالة، يحرص عدد من الآباء والأمهات على منع الأطفال الصغار من الابتعاد عن المساحة التي تتوسط المنتزه، منبّهين أطفالهم إلى تفادي الاقتراب من الأركان البعيدة داخل المرفق بعدما أصبحت تستوطنها الكلاب فرادى وجماعات. شمس الصيف تتربص بالأطفال من بين الملاحظات التي تستأثر بنقاشات الزوار، غياب الأماكن التي تحميهم من لهيب الشمس، حيث يجد المرء نفسه في مواجهة مباشرة مع الأشعة المحرقة، خاصة خلال الفترات الصيفية التي تعرف ارتفاعا كبيرا في درجة الحرارة بالمناطق الواقعة بهضبة الفوسفاط، ويزداد الأمر سوءا حين يتعلق بأطفال صغار قصدوا الفضاء من أجل اللعب في ظروف آمنة. وفي الوقت الذي تم توفير ألعاب متنوعة للأطفال، وتقسيمها إلى مجموعتين مختلفتين، إحداهما مخصصة للفئة العمرية من سنة إلى 5 سنوات، والثانية تستهدف الأطفال المتراوحة أعمالهم بين 6 و12 سنة، لم يحرص القائمون على إنشاء المشروع على تعزيز المكان بسقيفة تحمي الأطفال من خطورة التعرض المباشر لأشعة "شمس الصيف". نامت النافورة ورحلت الأنشطة مع تقدّم الزائر وسط الحديقة دون الانعطاف يمينا أو شمالا، يتفاجأ بسُبات النافورة وسكونها وغياب مائها وبهجتها، مما ساهم في تجمع الأتربة والحشائش في أهم أجزائها، وهي التي كانت إلى وقت قريب تثير إعجاب قاصدي المرفق وتدفعهم إلى التقاط صور تذكارية، خاصة إذا كان الزائر ضيفا جديدا بعاصمة الفوسفاط. السكون الذي تعرفه النافورة يعيشه فضاء المسرح المجاور لها، حيث غابت الأنشطة الفنية والمسرحية والترفيهية التي كانت تؤثث المرفق أيام افتتاح الحديقة، فغابت معها سعادة الأطفال وحيويتهم، واستُبدلت الأغاني التي كانت تصدر من مكبرات الصوت بأصوات الكلاب التي تنبح هنا وهناك، ولا يسكتها إلا تدخل أحد الحراس لإبعادها عن وسط الحديقة. العطش يكتم أنفاس النباتات ما إن ينعطف الزائر يمينا أو شمالا، حتى يلاحظ تدهور الغطاء النباتي، حيث غابت الخضرة وحلّ مكانها اللون الأصفر، في إشارة واضحة إلى أن الأحزمة النباتية الواقعة بجوانب الحديقة لا تصلها قطرات الماء، أو على الأقل لا تستفيد من حقها كاملا من مياه السقي، مما أدخلها في مرحلة الاحتضار، على الرغم من أن معظمها من النوعية المقاومة للجفاف. وبجانب النباتات العشبية التي تقضي آخر أيامها في ظل موجة الحرارة التي تعرفها المنطقة مؤخرا، استسلمت مجموعة من الأشجار التي لم تستطع تحمل "العطش" لمزيد من الوقت، حيث عجزت الجذور عن إيجاد قطرة ماء في التربة لتنقذ بها الأغصان والأوراق التي تحولت إلى حطب أصفر ويابس. من السقي بالتنقيط إلى السقي بالتبذير وارتباطا بموضوع حاجة النباتات للماء، يُلاحظ زائر الحديقة تحوّلَ الأنابيب البلاستيكية المخصصة لتأمين "السقي بالتنقيط" إلى قطع متناثرة هنا وهناك، مما يوحي بأنها لم تعد صالحة للقيام بدورها في إيصال الماء إلى جميع الأشجار والمساحات العشبية؛ وهو ما دفع القائمين على عملية السقي إلى البحث عن حلول بديلة، وإن كانت تقليدية. ومن ضمن الحلول التي تم اللجوء إليها للسقي، استعمال أنابيب كبيرة ومتنقلة؛ غير أن طولها لا يسمح بإيصال تلك المادة الحيوية إلى جميع أرجاء الحديقة، إضافة إلى أن كثرة الثقوب بتلك الأنابيب تتسبب في ضياع وتبذير كميات مهمة من مياه السقي من جهة، وتساهم في تكوين برك بأماكن متفرقة داخل الحديقة من جهة ثانية. تخريب المصابيح وتمزيق الأنابيب وإلى جانب المشاكل المذكورة، يُساهم زوار الحديقة أيضا في تدهور منتزه بني عمير، خاصة على مستوى المصابيح التي تحطّم بعضها في ظروف مجهولة وأمام كاميرات المراقبة المنتشرة داخل الحديقة؛ وهو ما يساهم في إضعاف الإنارة بُعيد مغرب الشمس، خاصة بعدما تغيّر توقيت فتح أبواب الحديقة، وصار بإمكان الزوار البقاء داخلها إلى غاية العاشرة ليلا. ومن بين مظاهر العبث الذي طال محتويات منتزه بني عمير إقدام بعض الزوار على تمزيق أنابيب "السقي بالتنقيط" ورميها بين الأعشاب والشجيرات، وهو ما يُساهم في تراجع مساحة وجودة الغطاء النباتي، خاصة بالمساحات البعيدة عن مدخل الحديقة وممرها الرئيسي. حين تصبح المرافق "غير صحية" ولم تسلم المرافق الصحية من التخريب، حيث تحولت إلى مكان قذر وغير صالح للاستعمال؛ وهو ما دفع القائمين على تدبير شؤون الحديقة إلى إغلاق بعض المراحيض بقطع خشبية وبعض المسامير؛ إما بهدف الحفاظ على ما تبقى من تجهيزات صالحة للاستعمال، أو بهدف الإعلان عن التدهور الكلي للمرفق وعدم صلاحيته لتقديم أي خدمة. ونظرا لتحطّم المراحيض والصنابير، تحولت جنبات المرفق الصحي إلى مرحاض في الهواء الطلق، وتحول معه المكان إلى فضاء قذر، حيث الروائح الكريهة والأرضية المتسخة والأوحال المتراكمة والمياه المنتشرة والمناظر المقززة، خاصة بالمرافق الصحية القريبة من الفضاءات المخصصة لألعاب الأطفال. كراس متصدعة وخُضرة متراجعة وغير بعيد عن المرافق الصحية، تمّ وضع نوع من الكراسي الإسمنتية، من أجل توفير الفرصة لمحبّي الشطرنج و"ضامة" للترويح عن أنفسهم في جو ملائم؛ غير أن أجزاء بعض الكراسي تعرضت بدورها للتخريب في ظروف مجهولة، حيث سقطت بعض الأجزاء بشكل نهائي، في حين لا تزال البقية تقاوم التشققات التي طالتها، في انتظار انهيارها بشكل تام. وبجانب الكراسي المحطمة والمتصدّعة، بدا من اللافت تراجع لون العشب الأخضر(le Gazon)، وبدأت بالمقابل تتسع رقعة اللون الأصفر شيئا فشيئا، حيث من المرتقب أن يغطي المساحة كاملة في الأيام والأسابيع المقبلة إذا لم يتدخل المسيّرون لوضع حد لهذا "الزحف الأصفر". صبّار و"كرموس"..وأشياء أخرى وأمام تراجع الغطاء النباتي، كان من الطبيعي أن يصمد نبات الصبّار أمام قساوة الظروف المناخية، حيث لم يكتف بالمحافظة على خضرته وأشواكه، بل تعدى ذلك إلى بلوغ عملية الإثمار، وهو ما جعل الحديقة شبيهة ب"جنان الكرموس" الذي يزهر ويثمر في هذا الوقت من السنة، سواء اهتم المرء بسقيه والاعتناء به أو تركه يجابه نوائب الدهر. وعلى الرغم من وجود لون أبيض ببعض أجزاء نبات الصبار، في ظل الحديث عن أضرار الحشرة القرمزية التي فتكت بهذا النوع من النباتات بمناطق مختلفة من البلاد، فإن صبّار حديقة بني عمير والقائمين على تدبير شؤون الفضاء لم يعيروا أي اهتمام لذلك اللون الأبيض الذي يزداد توسعا يوما بعد يوم، سواء تعلق بالحشرة القرمزية أو غيرها. ماتت "نخلتَا الدّوم" وصمد الصبّار على الرغم من أن النخل ونبات "الدّوم" معروفان بمقاومة الظروف المناخية وقادران على التغلب على الجفاف، فإن نوعا من النباتات يسمى "نخلة الدّوم" لم يتمكن من العيش بجوار نبات الصبّار داخل منتزه بني عمير، حيث أعلنت نخلتان وفاتهما دون أن تتمكنا من تجاوز علو متر ونصف، وأسلمتا الروح إلى بارئها أمام أعين القائمين على تدبير شؤون الحديقة. وأمام الأهداف من إنشاء الحديقة، والمتمثلة في "الرفع من عدد الفضاءات الترفيهية، وخلق ظروف بيئية ملائمة للساكنة ومساعدتها على الانخراط في الدينامية الحضرية، وتطوير وتنمية أنشطة جمعيات المجتمع المدني الناشطة في مجال البيئة"، يكاد المرء يندهش حين يحاول إيجاد رابط بين تلك الأهداف وانتشار "الضرك" في منتزه بني عمير. جماعة خريبكة في قفص الاتهام وحسب التوضيحات التي قُدّمت حول المشروع، فإن هذا الفضاء الممول من طرف المجمع الشريف للفوسفاط، في إطار تفعيل الاتفاقيات الخاصة بإنجاز مشاريع تنموية بالمدينة، بين المجمع وعمالة الإقليم والجماعة الحضرية لخريبكة، سيُفوّت بعد إنجازه للجماعة الحضرية قصد تدبيره وصيانته، مما يجعل المجلس الجماعي للمدينة مسؤولا عما طال المنتزه من تدهور. وفي هذا السياق، لخّص محمد عفيف، نائب رئيس المجلس البلدي لخريبكة، تصريحه للجريدة، بالإشارة إلى أنه "بخصوص منتزه بني عمير، وحديقة الفردوس أيضا، فإن الجماعة الترابية بخريبكة بصدد إعداد ورقة تقنية شاملة ومتكاملة تخص عمليات الحراسة والصيانة والتنشيط الثقافي والاجتماعي داخل هذه الفضاءات، ابتداء من الموسم الاجتماعي الجديد".