يكاد يكون نافلا القول -في ظل ما تشهده بلادنا من حراك عز نظيره- بأن مبدأ استقلال السلطة القضائية، هو بمثابة القطب الذي تَجُوب حوله رحى الديمقراطية، والتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذا تكريس دولة المؤسسات القائمة على سيادة القانون وسموه. ويعد حق القضاة في تأسيس جمعيات مهنية، من صميم مجمل الضمانات المكفولة دستوريا لتفعيل هذا المبدأ ؛ حيث جاء النص عليها، وللمرة الأولى، في الفقرة الثانية من الفصل 111 من الدستور الجديد بقولها: "(..) يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء، وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون. يُمنع على القضاة الانخراط في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية". فما هي طبيعة "نادي قضاة المغرب" على ضوء المفهوم الدستوري للجمعية المهنية؟ يتضح من القراءة الظاهرية لمنطوق الفصل 111 أعلاه، أن غاية المشرع تتجه إلى اعتبار كون الجمعية المهنية عموما، هي بالأساس جمعية نقابية، أو ما يصطلح عليها اختصارا ب "النقابة"، مع وصفها ب"القضائية"؛ إذ لا حق للانخراط فيها من لدن الأغيار، حفاظا على مبدأي: التجرد والاستقلال. وذلك لعدة أمور: 1- ضرورة التشبث بالتأويل الديمقراطي للفصل المذكور، إعمالا لخطاب صاحب الجلالة محمد السادس بمناسبة عيد العرش يوم 30 يوليوز 2011، حيث أوصى جلالته ب"أن أي ممارسة أو تأويل، مناف لجوهره [أي الدستور] الديمقراطي يعد خرقا مرفوضا مخالفا لإرادتنا، ملكا وشعبا"، مما يتوجب معه السير رأسا إلى ضمان "ممارسة الحقوق" بدل المثابرة في تقييدها. 2- اعتماد المشرع لصيغة العموم بشأن مفهوم "الجمعية المهنية"، حيث يمكن اعتبار كل جمعية تهتم بأي جانب من جوانب الشأن القضائي، سواء كانت مطلبية أو ثقافية أو مختلطة، هي جمعية مهنية قضائية. 3- إن المنع المنصوص عليه في ذات الفصل، لا يشمل سوى انخراط القضاة في المنظمات النقابية القائمة دون تأسيسها، حيث يُعتبر هذا الأخير –أي التأسيس- مشمولا ب"منطقة العفو التشريعي"، عملا بالقاعدة الأصولية القائلة: "السكوت في معرض البيان يفيد الحصر". 4- إن عدم النص صراحة على حق القضاة في تأسيس نقابة مهنية، لا يفيد المنع البتة، إعمالا –أيضا-للقاعدة الأصولية القاضية بأن: "الترك لا يفيد المنع ما لم يصحبه بيان". غير أن ما تنضبط إليه الطبيعة القانونينة لجمعية "نادي قضاة المغرب"، علاوة على ما يوحيه ظاهر الفصل 111 أعلاه بشأن "مفهوم الجمعية المهنية"، هو إطارها القانوني الذي سيقت في ظله ؛ حيث أسست بناء على مقتضيات ظهير 1958 المتعلق بحق تأسيس الجمعيات، وليس ظهير 1957 المتعلق بحق تأسيس النقابات المهنية. لذلك، فإنه من غير المقبول قانونا، أن نُرتب آثار "النقابة المهنية البحتة" على جمعية "نادي قضاة المغرب"، نظرا لاختلاف أساسهما الفلسفي. ولئن كان اعتبار جمعية "نادي قضاة المغرب" ليست نقابة مهنية بحتة؛ فإنها، تبعا لكل المؤيدات الدستورية أعلاه، تعتبر جمعية ذات طبيعة "نقابية قضائية"، وذلك من حيث أهدافها وسبل تحقيقها، والتي تبقى مشرعة على مختلف الوسائل القانونية الممكنة (المادة 4 من القانون الأساسي). بمعنى؛ أنها "جمعية منقبة" تختلف عن النقابة المهنية في بعض جزئياتها البسيطة التي تعد من علاماتها الفارقة ليس إلا. وعليه، فلا مندوحة أمام كل ما سلف، من اعتبار جمعية "نادي قضاة المغرب"، جمعية منقبة تهتم بكبائر الشأن القضائي وصغائره: بدءً من إعادة النظر في التكوين بالمعهد العالي للقضاء، والدفاع عن استقلال السلطة القضائية وهيبتها، ومرورا بتحسين الوضعية المادية للقضاة وظروف العمل بالمحاكم، وانتهاء بإذكاء روح التضامن في صفوف القضاة، و كذا الارتقاء بجودة العمل القضائي.. *عضو بجمعية "نادي قضاة المغرب"