تزامنا مع تهييء مشروع قانون منظم لمهنة المحاماة، يسود نقاش كبير بين المحامين والقضاة حول مقترح تقدمت به هيئة المحامين، يتعلق بتحديد سن ولوج قدماء القضاة في 55 سنة، وهو المقترح الذي لم يرق للعديد من القضاة. واشترطت هيئة المحامين، في المقترح المتعلق بالقانون المنظم لمهنة المحاماة، بلوغ القضاة سن 55 عاما من أجل الالتحاق بمهنة "أصحاب البذلة السوداء"، إذ أشارت في المادة 20 إلى أنه يعفى من الحصول على شهادة الكفاءة لمزاولة مهنة المحاماة "قدماء القضاة الخاضعون للنظام الأساسي للقضاة، الحاصلون على شهادة دكتوراه الدولة في القانون أو الشريعة، أو شهادة الدكتوراه في القانون أو الشريعة، أو ما يعادلهما طبقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل، الذين لا يتجاوز سنهم عند تقديم الطلب 55 سنة بعد قبول استقالتهم". ودخل عدد من المحامين في جدال مع القضاة الذين لم يستسيغوا ذلك، إذ كتبت نائبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة، وهي تنتقد ما ذهب إليه نقيب المحامين بالدارالبيضاء حسن بيراوين، بخصوص سن التحاق القضاة بالمهنة: "مهنة المحاماة ليست ملكا له أو لغيره حتى يرفض هو أو غيره انتساب القضاة إليها بطريقة غير مباشرة، عبر وضعة شروط تعجيزية تحول دون ذلك، بل ورفض حتى مناقشة هذه الشروط من طرف السادة القضاة، علما أن مشروع القانون برمته يقتضي إعادة النظر لكونه حافلا بالمقتضيات غير الدستورية وغير الاجتماعية". ولَم تقف القاضية عند هذا الحد، بل قالت في تعليقها وهي تنتقد المساهمة المالية التي تفرض على المحامين الجدد: "يجب مراجعة المقتضيات المتعلقة بمبلغ المساهمة المالية للوافدين الجدد التي بلغت حدا لا يطاق، فكيف لطالب بالكاد تخرج من الجامعة من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة أن يدفع مبالغ طائلة، في وقت لازالت أسرته تنفق على حاجياته الأساسية؟! أليس هذا رفضا ضمنيا لولوج الفقراء لهذه المهنة، لاسيما أن حتى الحصول على قرض يتطلب شروطا غير متوفرة عندهم وحصر نطاقها على الأثرياء وأبنائهم؟!". ولَم يقتصر الأمر على نائبة وكيل الملك، بل إن رئيس نادي قضاة المغرب، عبد اللطيف الشنتوف، شدد على أن مضامين مسودة المشروع الذي تقدمت به جمعية هيئات المحامين بالمغرب إلى وزارة العدل يتضح أنها "تسير كلها في اتجاه المساس بحقوق القضاة المكتسبة منذ عقود في ممارسة المهنة (لمن أراد) دون قيود، وهي الحقوق المتعارف عليها على صعيد عدة دول متقدمة وغيرها". ودعا القاضي الشنتوف المؤسسات القضائية الرسمية إلى "الدفاع عن حقوق القضاة ومصالحهم المشروعة المرتبطة بهذا الموضوع"، وزاد: "كما أدعو باقي الجمعيات إلى التكتل للدفاع عن مصالحهم المشروعة في هذا الموضوع وغيره". ولم يتأخر محامو هيئة الدارالبيضاء في الرد على الانتقادات التي وجهتها القاضية إلى النقيب بيراوين، إذ انتقد المحامي أشرف جدوي منصور نائبة وكيل الملك قائلا: "أَماَ عَلِمْتِ حضرة القاضية أنك تتحدثين عن مؤسسة النقيب بما لها من رمزية واحترام وتقدير، وأن أي تنقيص سواء من شخص النقيب أو المؤسسة غير مقبول، لا تصريحا ولا تلميحا؟ أَماَ عَلِمْتِ أنَّكِ حين تصفين أن رد السيد نقيب يفتقد للموضوعية والمنطق والواقعية تقدحين في مؤسسة لها من الرمزية والمكانة الاعتبارية ما لها، وأن أي تنقيص هو لا يمس السيد النقيب المعني بها فقط، بل يمس كل النقباء، ومن ثم يمس كل الهيئات وكل المحامين والمحاميات فرادى وجماعات؟". وردا على قول القاضية إن المشروع يتضمن مقتضيات مخالفة للدستور، انتقد المحامي نفسه ذلك، إذ كتب في صفحته على "فيسبوك": "وأنا أطالع التعليق انتظرت أن أجد تبيانا وتوضيحا أو على الأقل إشارة إلى تلك المقتضيات غير الدستورية، إلا أنني ما وجدت إلا العبارتين اليتيمتين المشوبتين بالإجمال والإبهام، في حين كنت أنتظر مثلا العثور على أن المادة كذا مخالفة للدستور، خصوصا في الفصل كذا، ووجه المخالفة يتمظهر في ... بيد أنني ما وجدت لذلك أثرا ولا ريحا". وسبق أَن اعتبر النقيب بيراوين، وهو يرد على الانتقادات بخصوص تحديد السن، أن "القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الصادر بتاريخ 2006/03/24، أصبح يشترط لولوج المحامي سلك القضاء شروطا صارمة، هي أقدمية عشر سنوات والتوفر على شهادة الدكتوراه في الحقوق وسن 55 سنة كحد أقصى، مع اجتياز مباراة. وهذا ما جعل مجال التحاق المحامين بسلك القضاء مغلقا منذ ولاية وزير العدل الأسبق النقيب محمد الطيب الناصري رحمه الله"، وزاد: "من ثم فإن زملاءنا الذين يبدون الآن حرصهم على علاقات التقارب التاريخي بين المهنتين، كان عليهم أن يسمعونا أصواتهم خلال مناقشة وإقرار هذه المقتضيات الواردة في النظام الأساسي للقضاة في حينه أو المطالبة بتعديلها بعد إقرارها".