أثار بعض ما جاء في مقترحات التعديلات المتعلقة بمشروع قانون مهنة المحاماة، التي قدمتها جمعية هيآت المحامين بالمغرب إلى وزارة العدل، الكثير من الجدل بين المحامين والقضاة. ومن أبرز التعديلات التي أثارت النقاش ولقيت رفضا من قبل قضاة المغرب، تلك التي تخص تحديد سقف التحاق القضاة بالمحاماة في 55 سنة، وهو ما اعتبره رئيس نادي قضاة المغرب في تصريح لموقع “لكم”، أن هذا الأمر فيه مساس بحق مكتسب للقضاة وفيه أيضا حرمان لمهنة المحاماة نفسها من كفاءات راكمت تجربة قضائية مهمة. ومما زاد من شدة النقاش، تصريح منسوب لحسن بيرواين، نقيب هيأة المحامين بالبيضاء، ومنشور على الصفحة الرسمية لنادي المحامين المغرب، اعتبره فيه أن التعديل يناسب ما نصت عليه القوانين المنظمة التي تخص القضاة بشأن المحامين. ويشير بذلك النقيب إلى ما يتضمنه القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الصادر بتاريخ 24/03/2016، الذي يشترط لولوج المحامي سلك القضاء شروطا صارمة، أقدمية عشر سنوات والتوفر على شهادة الدكتوراه في الحقوق وسن 55 سنة حدا أقصى، مع اجتياز مباراة، وهذا ما جعل مجال التحاق المحامين بسلك القضاء مغلقا منذ سنوات. عبد اللطيف الشنتوف رئيس نادي قضاة المغرب، أشار إلى ما ذهب إليه النقيب لحسن بيرواين، وقال في تصريح لموقع “لكم”، “هناك من الزملاء المحامين من يردون بكون تصورهم بشأن فرض قيود علي ولوج القضاة للمحاماة هو معاملة بالمثل لكون القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة يتضمن نفس الشروط لممارسة المحامين للقضاء”. وأضاف “إننا كجمعية مهنية للقضاة لم يكن لدينا أي موقف معارض لولوج زملائنا المحامين للقضاء بل إننا نرحب بكل الكفاءات من زملائنا المحامين ومن القطاعات الأخرى وقد نادينا مرارا بتحسين الوضعية المادية والاجتماعية للقضاة حتى يمكن للمهنة استقطاب هذه الكفاءات الى جانب طريق المباراة العادي”. وأبرز الشنتوف، أن هناك فرقا بين الأمرين، فالقضاء وظيفة مرتبطة بمنصب مالي في مالية الدولة وغير ذلك من الامور، أما المحاماة فمهنة حرة كما تعرفون.، مؤكدا على أن هناك عدة قضايا تهم العدالة المغربية (العدالة كمفهوم عام بما يستوعب مهنة وحق الدفاع وليس القضاء وحده) تستحق ان تكون موضوع مناقشة لا ان يتم التركيز على هذا الموضوع الذي اعتبره جزئيا، معتبرا أن عدد القضاة كلهم بالمغرب لا يتجاوز ربما ما هو مسجل بهيئة واحدة للمحاماة، على فرض انهم كلهم سيختارون الولوج للمهنة وهو أمر غير مطروح في الواقع. وفي ذات السياق، قال رئيس نادي قضاة المغرب، أنه ينبغي أن نضع هذا النقاش في سياقه العام، وهو أن قانون الحالي لسنة 2008 والقوانين التي قبله تعطي حق ممارسة المهنة لقدامى القضاة وأساتذة الجامعات دون شرط المباراة والتكوين لكون القانون قدر أن مزاولة القضاء كافية لتكوين تجربة لممارسة مهنة الدفاع فضلا عن ان القانون نفسه وصف علاقة القضاء بالمحاماة بالأسرة الواحدة . واعتبر المتحدث في ذات التصريح لموقع “لكم”، أن هذا الأمر فيه مساس بحق مكتسب للقضاة وفيه أيضا حرمان لمهنة المحاماة نفسها من كفاءات راكمت تجربة قضائية مهمة كما أن هذا الأمر ليس خاصا بالمغرب بل العديد من الدول المتقدمة تسير في هذا الاتجاه حتي صار عرفا متجدرا تتبناه القوانين. من جانبها خرجت القاضية أمال حماني بتدوينة، اعتبرت فيها رد نقيب هيئة المحامين بالبيضاء، عاطفي بامتياز ويتحكم فيه غضبه أكثر من ردود فعل الجمعيات المهنية، ويفتقد للموضوعية و المنطق والواقعية. واعتبرت القاضية، “أن مهنة المحاماة ليست ملكا له أو لغيره حتى يرفض هو أو غيره انتساب القضاة إليها بطريقة غير مباشرة عبر وضعة شروط تعجيزية تحول دون ذلك بل ورفض حتى مناقشة هذه الشروط من طرف السادة القضاة علما أن مشروع القانون برمته يقتضي إعادة النظر لكونه حافل بالمقتضيات الغير دستورية و الغير اجتماعية”. وطالبت أمال حماني، بمراجعة المقتضيات المتعلقة بمبلغ المساهمة المالية للوافدين الجدد التي بلغت حدا لا يطاق، متسائلة، كيف لطالب بالكاد تخرج من الجامعة من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة أن يدفع مبالغ طائلة في الوقت الذي لاتزال أسرته تنفق على حاجياته الأساسية ؟. وزادت، أليس هذا رفضا ضمنيا لولوج الفقراء لهذه المهنة لاسيما أن حتى الحصول على قرض يتطلب شروط غير متوفرة عندهم وحصر نطاقها على الأثرياء و أبنائهم ؟. في الجهة المقابلة، اعتبر عبد المنعم الرفاعي من هيئة المحامين بطنجة، في تصريح لموقع “لكم”، أن إبداء الرأي في مسألة من المسائل المتعلقة بالعدالة خص به المشرع المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية و وضع له إجراءات محددة مع استحضار مبدأ فصل السلط كما أنها لم تشر إطلاقا إلى إمكانية نشرها للعموم بل تنص على رفعها للملك على شكل تقارير. وأكد الرفاعي، على أن النقاش حول مشروع قانون ما ولو في إطار التشاور مع المعنيين به هو من اختصاص المؤسسات فالتشريع من اختصاص البرلمان و إبداء الآراء و إصدار التوصيات و وضع التقارير حول العدالة من اختصاص المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وأضاف عضو هيئة المحامين بطنجة، “وزارة العدل بصفتها صاحبة المشروع حين تستشير المحامين فإنها تستشيرهم بناء على مقتضيات الفصل 12 من الدستور وعبر مؤسساتهم المهنية المنظمة قانونا و لا تستشيرهم كأشخاص والنقيب هو مؤسسة بمقتضى القانون المنظم للمهنة له اختصاصات و صلاحيات تتعلق بتدبير الشأن المهني و مصالح المحامين و هو المخاطب الرسمي للهيئة . وزاد الرفاعي، “بناء على الفصول المؤطرة للسلطة القضائية فإن المشرع في الفصلين 110 و 117 أوكل للقاضي مهمة تطبيق القانون بل ألزمه بذلك، لذلك فإبداء الرأي حول نقطة قانونية معينة خارج إطار إصدار الأحكام من طرف القاضي هو بمثابة إعلان عن موقف في قضية معينة قبل صدور الحكم بشأنها. وأبرز المحامي، أنه لو افترضنا ان قاضي معين عين مستشارا بإحدى غرف المشورة بمحاكم المملكة، وعرض عليها نزاع حول رسوم الانخراط فإن موقفه سيكون معروفا منذ البداية، وهو ما اعتبره الرفاعي خرق للمقتضيات أعلاه لأن القاضي ملزم بتطبيق القانون و ليس بتطبيق آرائه أو بتفسيره و تأويله حسب منطقه الخاص . وخلص الرفاعي في ذات التصريح لموقع “لكم”، موجها كلامه للقضاة الذين يتحدثون ولا صفة لهم، لا صفة لكم في إبداء الرأي في قضايا من المحتمل أن تعرض عليك لمساس ذلك بالاستقلال والحياد، مضيفا، الدستور يمنعك لأنك قاضية و لست مؤسسة دستورية أو قانونية و لست جمعية مهنية. وزاد، إذا كان القضاة مقتنعون بأن لهم الصفة في إبداء الآراء حول المواضيع المرتبطة بالعدالة، فأرجو أن يكون لهم في مستقبل الأيام آراء و مواقف حول مختلف القوانين المؤطرة لقضايا الإرهاب و الإتجار في البشر و المحكمة العسكرية و المديرية العامة للأمن الوطني و أن يكون لها رأي حول اختصاصات المؤسسة الملكية و علاقتها بالسلطة القضائية فكل ذلك مرتبط بالعدالة أم أن الفصل 37 من النظام الأساسي للقضاة يمنع القاضي هنا و لا يمنعه هناك. وفي تأصيله الدستوري حول موضوع التشريع و ابداء الآراء و اصدار التوصيات و وضع التقارير حول العدالة، أكد الرفاعي، أن النقاش حول مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة يدخل في إطار التشاور الأولي مع المعنيين به قبل الدخول في الإجراءات المتعلقة بسن القوانين الذي يجد أساسه القانوني في الفصل 12 من الدستور الذي ينص على مساهمة الجمعيات المهتمة بالشأن العام و المنظمات غير الحكومية في إعداد القرارات و المشاريع لدى المؤسسات المنتخبة. و أشار إلى أن المشرع الدستوري أناط مهمة التشريع بالبرلمان بصفته سلطة تشريعية بمقتضى الفصلين 70 و 71 من الدستور و منح الحق في التقدم باقتراح القوانين لرئيس الحكومة و لأعضاء البرلمان، ملاحظا أن الدستور نظم العلاقات بين الملك و السلطة التشريعية و ما بين السلطتين التشريعية و التنفيذية نظرا لتعاونهما في مجال التشريع و غيره لكنه لم ينظم العلاقات بين السلطة القضائية و باقي السلط و في ذلك تكريس للاستقلالية التي تتطلب عدم تدخل أية سلطة في مجال الأخرى. و في إطار تلطيف هذه الاستقلالية يضيف نص المشرع في الفصلين 113 و 114 على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يضع تقارير بمبادرة منه حول وضعية القضاء و منظومة العدالة و يصدر التوصيات الملائمة بشأنها كما يصدر بناء على طلب الملك أو الحكومة أو البرلمان آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط، و حتى المجلس الأعلى للسلطة القضائية و بناء على الفقرة 7 من المادة 110 من القانون التنظيمي المتعلق به فإنه لا يتلقى التقارير حول منظومة العدالة من القضاة كأشخاص بل كجمعيات مهنية .