منع زواج القاصر أقل من 17 سنة وتقييد التعدد وتوسيع الهبة.. وهبي يقدم أهم تعديلات مدونة الأسرة    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    السكوري: القانون التنظيمي يراهن على منع المشغلين من "شراء الإضراب"    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    أ. الدشيرة يفوت على ا. يعقوب المنصور فرصة الارتقاء للصدارة    أبرز مقترحات تعديل مدونة الأسرة بالمغرب .. الميراث وتعدد الزوجات والطلاق    تنزيلا للتعليمات الملكية.. هيئة مراجعة مدونة الأسرة تكشف عن التعديلات المعتمدة وهذه أهمها    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    تفاصيل التعديلات ال16 في مدونة الأسرة.. تضمنت تقييد الاعتراف بزواج الفاتحة    النصيري يرفض الانتقال إلى النصر السعودي على سبيل الاعارة    مبعوث الأمم المتحدة: الصراع الجديد في شمال شرق سوريا ينذر بعواقب وخيمة    تركيا: مقتل 12 شخصا على الأقل في انفجار في مصنع ذخيرة    مدونة الأسرة.. علماء المغرب وافقوا على 7 تعديلات منها "اقتسام الأموال المكتسبة" و"الحضانة للمطلقة"    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب                        الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    الصين تكشف عن مخطط جديد لتطوير اقتصاد الارتفاعات المنخفضة    مختص في النظم الصحية يوضح أسباب انتشار مرض الحصبة بالمغرب    دعوات برلمانية إلى تحديد السن القانوني الرقمي ب16 عاما    وعكة تدخل بيل كلينتون إلى المستشفى    التامك يحث على مواجهة الإكراهات    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    الفتح يقسو على "الكوديم" بخماسية    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    "نيويورك تايمز": كيف أصبحت كرة القدم المغربية أداة دبلوماسية وتنموية؟    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    أخبار الساحة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصل تمهيدي : مفهوم العدالة ووسائل تحقيقها
نشر في العلم يوم 19 - 10 - 2012

يقول تبارك وتعالى : "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" ومن المصطلح عليه أن العدل تطبيق القانون من خلال الإنصاف المتساوي كما يقول فقهاء الشريعة الإسلامية .
كما يقول عز من قائل "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" ويذهب الفقهاء إلى أن مفهومي العدل والإحسان يشملهما معا مفهوم العدالة، إذ يعتبرونها فوق العدل وأرحم وألطف منه، وإليها يلجأ القاضي لتطبيق القانون كما يقول أرسطو .
ويعتبر القضاء حصنا حصينا لها ومرتبطا بها باعتبارها هدفا ووسيلة له للقيام بدوره الإجتماعي النبيل، وباندماج الوسيلة والهدف يتحقق التطابق بين القضاء والعدالة .
ولا يمكن تصور قضاء تكون العدالة هدفا ووسيلة له دون أن يكون مستقلا، ذلك أن جوهر القضاء ومصدر وجوده حسب هذا المفهوم هو استقلاله.
ذلك أن استقلال القضاء أحسن ضمانة لتطبيق القانون تطبيقا سليما ولحماية المشروعية، من خلال حماية النظام القانوني وضمان حقوق وحريات الأفراد والجماعات.
ولتحقيق هذا الهدف تنص جل الدساتير على ضمانات حماية هذا الإستقلال وحماية حق التقاضي .
وبالإضافة إلى ما سبق فإن نزاهة القضاة تعتبر من أهم روافد استقلال القضاء ولا تقل أهمية عن استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وضمان وحصانة القضاة، ولعل هذه الأهمية هي التي دفعت بعض الدساتير على النص صراحة على نزاهة القضاة باعتبارها من أسس استقلال القضاء .
ومن الصعب تصور وجود قضاء مستقل ونزيه قادر على الحيلولة دون استبداد
المشرع وتجاوزات السلطة التنفيذية، وحماية حقوق الأفراد والجماعات دون وجود محامين
ومدافعين عن القانون وعن المشروعية.
ذلك أن وجود دفاع كفئ وحر ومستقل يؤازر ويمثل الأطراف أمام المحاكم ويسدي المشورة لهم من أهم ضمانات استقلال ونزاهة القضاء، وهذا ما تؤكده مختلف اللقاءات والمؤتمرات الدولية التي تعتبر أن إقامة نظام لإدارة شؤون القضاء يتسم بالعدالة والإنصاف، وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم بشكل فعال، يتوقف على كل من المحامين والسلطة القضائية وأن دور كل منهما يكمل دور الآخر ويدعمه بوصفهما جزأين متكاملين لنظام قضائي واحد.
ذلك أن وجود قضاء مستقل ونزيه ومتمتع بكافة الضمانات القانونية والمادية يشاركه في تسيير مرفق القضاء دفاع حر ومستقل يسمو فوق الإغراءات ولا يلين للتهديدات خير ضمانة لبناء عدالة راسخة كفيلة بحماية وتعزيز حقوق الأفراد والجماعات.
ويترتب على ذلك قيام علاقة ترابط وتكامل خاصة بين القضاء والدفاع باعتبار أن لا غنى لأحدهما عن الآخر.
فالقاضي لا يمكن أن يؤدي واجبه المقدس ويصدر أحكامه مرتاح الضمير إلا في ظل حرية الدفاع الكفيلة بحماية حقوق الأفراد والجماعات.
كما أن المحامي لا يمارس عمله منعزلا بل في إطار ومن خلال القضاء .
ولا شك أن نوعية العلاقة الناجمة عن قوة الترابط ووحدة الهدف بين هيئتي القضاء والدفاع هي التي جعلت مختلف المواثيق الدولية والتشريعات الداخلية تعتبر دور الدفاع أساسيا في حسن سير جهاز القضاء ونشر العدالة في المجتمع كما سبق.
كما أنه من الصعب تصور تنظيم مهنة المحاماة منفردة عن التنظيمات القضائية أو أن تتعد في تنظيمها عن هذه التنظيمات، ولا يمكن أن يلحق بها ضرر دون أن يتعرض النظام القضائي برمته إلى الإرتجاج ودون أن تمس حقوق الدفاع وحقوق وحريات المواطنين .
ومن الوجهة العملية فإن القاضي غالبا ما يصدر أحكامه بعد استيعاب وسائل الدفاع
ودراستها اعتمادا على تجلية المحامي لوقائع الدعوى وبحثها وتكييفها التكييف القانوني الصحيح وإعداد أدلتها وأسانيدها.
إلا أن حق الدفاع قد يعتبر اسما بدون مسمى إذا كانت الغاية منه فقط التعبير عن الرأي إو إبداء وجهة نظر، دون أن يجد أذنا صاغية أو واعية، إما لعدم الوعي أو عدم المسؤولية والشجاعة الدبية أو إذا كانت وسائل الدفاع تبقى مشلولة لعدم توخي نتائجها بسبب فقدان الإستقلال أو لانعدام النزاهة.
وتبعا لذلك فإن المحامي لا يمكنه مهما بلغت كفاءته وفضائله أن يكون لعمله أي صدى إيجابي إذا كان جهاز العدالة فاسدا أو إذا كان القضاء غير مستقل.
كما أن تعفن هيئة الدفاع، واستعمال المحامين للوسائل غير المشروعة سواء في جلب الزبناء أو في محاولة الوصول إلى حسم النزاعات بطرق ملتوية وبعيدا عن الطرق والإجراءات القانونية السليمة من شأنه أن يؤثر سلبيا في السير العادي لجهاز العدالة.
واعتمادا على الترابط والتكامل القائم بين المحامين من جهة وجهاز العدالة (بمفهومه الضيق) من جهة ثانية نصت المواثيق الدولية والتشريعات الداخلية على أحكام تتضمن بعض المظاهر التي تجسد هذه العلاقة الخاصة (الفصل الأول)، كما أن القضاء علاقة مباشرة وعضوية بممارسة مهنة المحاماة (الفصل الثاني) يختلف مجالها وطبيعتها باختلاف التشريعات.
الفصل الأول : مظاهر الترابط والتكامل بين جهازي القضاء والدفاع
تنص جل التشريعات على قيام تكامل عضوي ووظيفي بين القضاء والدفاع، ومنها المشرع المغربي الذي نص بصورة صريحة على اعتبار المحامين جزءا من أسرة القضاء وعلى اعتبار كل من مهنة الدفاع ووظيفة القضاء امتدادا للأخرى.
كما أن بعض التشريعات تنص على إمكانية تكملة نصاب الهيئة القضائية بناء على طلب رئيس المحكمة من طرف أحد المحامين الرسميين في حالة عدم توفر النصاب القانوني من القضاة كما هو الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي.
أولا : المحامون وجهاز العدالة
ينص الفصل الأول من القانون الأساسي لمهنة المحاماة ببلادنا على أن المحامين جزء من أسرة القضاء وذلك في الوقت الذي كانت فيه النصوص السابقة لصدور هذا القانون تعتبر المحامين مساعدين للقضاء شأنهم شأن الخبراء والمترجمين.
وبذلك يكون المشرع المغربي قد اعتبر كلا من مهنة الدفاع والسلطة القضائية من أسرة القضاء أو جزأين متكاملين في هذه الأسرة.
وهذا ما أكده بصورة صريحة مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين حيث اعتبر "دور المحامين والسلطة القضائية يكمل كل منهما الآخر ويدعمه بوصفهما جزأين متكاملين لنظام قضائي واحد".
وقد أثار هذا الإرتباط العضوي الذي كرسه المشرع المغربي بعض التساؤلات وربما بعض التخوفات حول مدى صمود "مبدأ حرية واستقلال مهنة الدفاع" أمام مبدأ "المحامون جزء من أسرة القضاء"، أو بعبارة أخرى هل يمس هذا الإرتباط العضوي بين المحاماة والسلطة القضائية مبدأ "استقلال وحرية" مهنة الدفاع.
إن اعتبار المشرع مهنة المحاماة حرة ومستقلة في نفس الفصل من نفس القانون خير ضمان على أن تكريس الإرتباط بين الهيئتين لا يهدف إلى المس بهذا المبدأ المقدس الذي اعترفت به وكرسته كل النظم القانونية وإنما يهدف إلى تأكيد أن العبئ الملقى على القاضي والمحامي عبئ مشترك لا يقبل التجزئة ولا التفاضل، إذ لا محاماة بلا قضاء ولا قضاء بلا محاماة.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي وقف في بداية الطريق باقتصاره على اعتبار "المحامين جزءا من أسرة القضاء" دون أن ينص على ما من شأنه أن يضمن للمحاماة على الأقل بعض الحقوق التي يتمتع بها القضاة كما هو الشان مثلا بالنسبة لعدم تخصيص أي نص صريح لضمان حصانة الدفاع وحماية المحامي مما قد يتعرض له أثناء أو بسبب ممارسة مهنته.
ثانيا : الإمتداد المتبادل لجهازي القضاء والدفاع
ينص المشرع المغربي على اعتبار كل من جهازي القضاء والدفاع امتدادا للآخر، بحيث يمكن للقضاة متابعة نشاطهم في مهنة الدفاع، كما يمكن للمحامين أن يلتحقوا بوظيفة القضاء مع الإستفادة من أقدميتهم في الجهاز الآخر.
ذلك أنه يمكن لقدماء القضاة من الدرجة القانية أو درجة تفوقها غير الحاصلين على الإجازة في الحقوق أن يطلبوا التقييد كمحاميين رسميين في إحدى نقابات المحامين.
ويتعلق الأمر بالقضاة الذين يحالون على التقاعد أو يطالبون باستقالتهم شريطة أن يكون الغرض من هذه الإستقالة الحصول على التقييد في مهنة المحاماة وأن يتم قبول استقالتهم على هذا الأساس.
وبتوفير هذه الشروط يمكن للقضاة الذين لا تؤهلهم الشهادات التي يحملونها حتى للتسجيل في جدول التمرين أن طلبوا التقييد مباشرة في جدول المحامين الرسميين.
كما أن قدماء القضاة الحاصلين على الإجازة في الحقوق يتم إعفاؤهم من التمرين في مهنة المحاماة شريطة قضائهم في مزاولة المهام القضائية ست سنوات على الأقل بعد حصولهم على الإجازة في الحقوق وقبول استقالتهم من المجلس الأعلى للقضاء لأجل الحصول على التقييد في إحدى نقابات المحامين.
كما يمكن للمحامين الذين أثبتوا مزاولة مهنتهم خمس عشرة نة أن يعينوا مباشرة في القضاء في الدرجة الأولى والثانية أو الثالثة، ويتم ترتيبهم في التسلسل القضائي بظهير بعد استشارة المجلس الأعلى.
ذلك أنه يمكن أن يعينوا في المجلس الأعلى أو في محكمة الإستئناف أو في المحكمة الإبتدائية حسب ما إذا كان المعني بالأمر محاميا ناجخا أو متوسطا أو عاديا كما جاء في مناقشة لجنة العدل والتشريع.
وقد يتعلق الأمر بحملة الإجازة في العلوم السياسية الذين لا تخولهم هذه الشهادة ولوج سلك القضاء، في حين تخولهم الحق في التسجيل في مهنة المحاماة.
ثالثا : مشاركة المحامين في هيئات الحكم
تنص بعض التشريعات على إمكانية تعويض أحد قضاة الحكم في حالة عدم توفر النصاب القانوني، ويتعلق الأمر بالمحامين الرسمين فقط الذين يمكن أن تتم الإستعانة بهم حسب أقدميتهم في التسجيل في جدول الهيئة كما هو الشأن في ظل القانون الفرنسي.
ومما يؤكد قوة الإرتباط بين جهاز القضاء والدفاع احتفاظ المحامي بصفته المهنية إذ لا يعتبر موظفا أو تابعا لأية جهة كانت بل يبقى متمتعا بمبدأ حرية واستقلال الدفاع.
ومما يزيد في متانة وعضوية هذا الإرتباط تعويض أحد المحامين الرسميين لأحد قضاة النيابة العامة في حالة تعذر ذلك بالنسبة لقضاة الحكم، ولو أنه من الوجهة العملية يتم تعويض قاضي النيابة العامة المتغيب بأحد قضاة الحكم وتعويض هذا الأخير بأحد المحامين الرسميين.
وقد استقر الرأي في فرنسا على تمتيع المحامي الذي يشارك في إحدى هيئات الحكم بكافة الحقوق وتحميله كل الإلتزامات الخاصة بالقضاة أثناء ممارسته للمهمة التي أنيطت به.
كما أن رفضه القام بهذه المهمة يعرضه للعقوبة التأديبية.
وتأكيدا لاعتبار هذه المهمة التي قد يكلف بها المخامي بصورة استثنائية من مهامه المهنية العادية التي تؤكد بدورها اعتباره من أسرة القضاء عدم إلزامه بأداء يمين خاصة بل يكتفي باليمين التي يكون قد أداها قبيل البدء في مزاولة مهنة الدفاع.
وضمانا لحياد القضاء يشترط المشرع الفرنسي ألا يكون المحامي الذي يستعان به لتعويض أحد القضاة ممثلا أو مؤازرا لأحد الأطراف المعروضة قضاياهم على الهيئة التي يعتبر عضوا فيها تحت طائلة بطلان قرارها.
أما بالنسبة للمشرع المغرب فإنه لا ينص على مثل هذه الأحكام ولو أن لوجودها ما يبرره على سبيل التنصيص عليه كمبادئ فقط بل لأنه قد لا يتحقق النصاب الغرف الإستئنافية الموجودة في بعض المناطق النائية ويتعذر تبعا لذلك انعقادها ، الأمر الذي لن يطرح لو ساير تشريعنا نظيره الفرنسي في هذا المجال.
كما أن في العودة إلى القضاء الجماعي على مستوى المحاكم الإبتدائية كما يطالب بذلك كل غيور على نجاحه ونزاهة وكفاءة قضائنا ما يبرر للأخذ بمثل تلك الأحكام حيث تظهر فائدتها على مستوى المحاكم الإبتدائية ببعض المدن الصغيرة وعلى مستوى المحاكم المركزية.
وذلك بالإضافة إلى أن النص على ذلك سيؤكد وسيجسد اعتبار المشرع للمحامين جزءا من أسرة القضاء وسيبرر ولو أن الأمر ليس بحاجة إلى تبرير تمتيع المحامين بنفس الضمانات التي يتمتع بها القضاة والتي يستوجبها مبدأ اعتبار المحامين من أسرة القضاء ومبدأ حرية واستقلال المحاماة.
الفصل الثاني : ممارسة مهنة الدفاع وجهاز العدالة
يمارس المحامي مهنته في إطار الترابط القائم بين هيئتي الدفاع والقضاء بحيث تقوم الأولى بمساعدة الثانية وإنارة الطريق أمام المحكمة، فالمحامي وإن كان لا يساهم في تحرير الأحكام إلى جانب القاضي فإنه بفضل دوره في النيابة عن الأطراف ومؤازرتهم يقوم بتقديم وتوضيح وجهات نظرهم أمام هيئات الحكم بعد تجلية وقائع الدعوى وتكييفها تكييفا قانونيا سليما وإعداد أدلتها.
ومن الصعب على المحامين إن لم يكن من المستحيل أن يقوموا بهذا الدور النبيل بالإضافة إلى مهامهم الأخرى في غياب حرية واستقلال الدفاع.
كما أنه من غير المتصور بل من المستحيل إقامة نظام سليم للعدالة والحفاظ على حقوق الإنسان في غياب ذلك الإستقلال وتلك الحرية، ذلك أن استقلال وحرية المحاماة ترتبط ارتباطا وثيقا بإقامة هذا النظام.
كما أن احترام مبدأ "استقلال وحرية المحاماة" يفترض تمتيع ممارسيها بالضمانات الضرورية لممارسة مهامهم وحصانتهم من كل الإنتهاكات والخروقات التي قد تؤثر من قريب أو بعيد فيما يجب أن يتصف به المحامون من استقلال ونزاهة وتجرد.
وبما أن المحامي ككافة البشر قد يصيب وقد يخطئ، بل قد يتعمد القيام ببعض الأعمال المخلة بالقانون وبأعراف وتقاليد المهنة فإن مختلف التشريعات تتضمن إجراءات تأديبية تهدف إلى حماية المهنة وأصحابها وجهاز العدالة ذاته من مثل هذه التصرفات.
أولا : تمثيل ومؤازرة الأطراف وجهاز العدالة
سبقت الإشارة إلى أن المحامي لا يمارس نشاطه منعزلا كما هو الشأن بالنسبة للطبيب مثلا بل في إطار وبواسطة جهاز العدالة.
وقد تعرض المشرع المغربي بصورة صريحة إلى حق المحامي في تمثيل الأطراف ومؤازرتهم بمجموع تراب المملكة أمام المحاكم والهيئات التي يكون لقراراتها طابع قضائي والمجالس التأديبية لإدارات الدولة والجماعات والمؤسسات العمومية....
وتفرض طبيعة الموضوع الإقتصار على مهام المحامي أمام جهاز العدالة بصفة عامة وعلى تمثيل ومؤازرة الأطراف بصفة خاصة.
وبالرجوع إلى النصوص المتعلقة بهذا الموضوع يتبين أن مبدأ "احتكار المهنة" الذي نص عليه المشرع المغربي لم يحترم بصورة مطلقة.
ذلك أن قانون المهنة نفسه وقانون المسطرة المدنية يعطيان لرئيس المحكمة الحق في الترخيص للمتقاضي العادي نفسه في تتبع المسطرة الكتابية شخصيا.
ويفترض في الشخص المأذون له في هذا المجال أن يكون قادرا على تحرير المذكرات وتحليل النصوص القانونية ومناقشة الأحكام والإجتهادات القضائية ووضع المستنتجات على ضوء الأحكام الشكلية لمختلف الإجراءات.
ولعل هذه المتطلبات الوجيهة هي التي دفعت المشرع إلى اشتراط الكفاءة للإستفادة من هذا الترخيص، إلا أنه لم يوضح ما المقصود بالكفاءة وما هي معايير توفرها من عدمه.
وبالتالي فإن هذه الكفاءة متروك للسطلة التقديرية لرئيس المحكمة وبصورة مطلقة، ومن الوجهة العملية فإنه غالبا ما يكتفي بتقديم الطلب لمنح الرخصة بدعوى عدم تعطيل المسطرة.
كما أن المرخص لهم غالبا ما يستعينون "بالكتاب العموميين"، لتقديم مطالبهم ومستنتجاتهم على حساب صحة الإجراءات القانونية من جهة، ومبدأ "احتكار المهنة" من جهة ثانية، مما يضعف مردودية القضاء والدفاع معا.
وينص قانون المسطرة المدنية بالإضافة إلى ماسبق على حق المتقاضي في أن ينيب عنه الزوج أو القريب أو الصهر من الأصول أو الفروع أو الحواشي إلى الدرجة الثالثة.
ويعتبر هذا الحكم هو الآخر، خرقا لمبدأ "احتكار المهنة" وتضييقا لمجال ممارستها، من طرف المحامين من جهة، وباعتبارهم جزءا من أسرة القضاة يشاركون القضاة في إحقاق الحق، والفصل بين المتقاضين من جهة ثانية.
وبالإضافة إلى هذه المقتضيات ينص قانون المسطرة المدنية كذلك على أن الإدارات العمومية تكون ممثلة بصفة قانونية أمام القضاء بواسطة أحد الموظفين المنتدبين لهذه الغاية وهذا ما يؤكده القانون الأساسي للمهنة.
واعتمادا على ذلك، يمكن أن يمثل الإدارة أحد الموظفين العاديين الذي يجهل الكثير، إن لم يكن كل شيء عن علم وقوانين الإدارة وقواعد المسطرة، والذي لا يتمتع بأية تجربة أو خبرة في مجال الدفاع وتمثيل الأطراف.
وقد دلت التجربة على أن هذا الإعفاء يترتب عنه ضياع حقوق الدولة لضعف مستوى مثيلها وبالتالي تدني مستوى الدفاع عن حقوقها.
يستنتج مما سبق أن في مبدأ "احتكار المهنة" لا حماية للمصالح الضيقة للمحامين، بل ضمانة للمصلحة العامة، وإحقاق الحق، ومساواة الأطراف أمام القضاء بكفالة تمثيلهم ومؤازرتهم جميعا من طرف أشخاص مؤهلين لهذه الغاية، على غرار ما فعلت جل التشريعات الحيدثة التي تعدت مجال احتكار تمثيل ومؤازرة الأطراف إلى مجال تحرير العقود التي تتعدى قيمتها مبلغا معينا وتقديم الإستشارة للشركات وغيرها من المجالات الأخرى.
وعلى غرار هذه التشريعات وتلبية للتطورات الإقتصادية والإجتماعية الجدرية والسريعة التي يعرفها مجتمعنا يجدر بمشرعنا أن يتدخل ويواكب هذا التطور ويوسع من مجال احتكار مهنة المحاماة.
ثانيا : حرية الدفاع وجهاز العدالة
لا جدال "أن وجود نظام عادل ومنصف، لإقامة العدالة والحماية الفعالة لحقوق الإنسان، والحريات الأساسية، يتوقف على استقلال المحامين، بقدر مايتوقف على استقلال ونزاهة السلطة القضائية..." فالمحامي شأنه شأن القاضي لا يمكنه أن يؤدي مهمته بصدق وأمانة، مالم يتمتع بحرية المبادرة واستقلال الرأي وذلك وفق ما تمليه عليه التزاماته المهنية، المستمدة من النصوص القانونية وأعراف المهنة.
وقد سبقت الإشارة إلى أن المشرع اعتبر "المحامين جزءا من أسرة القضاء". وبعبارة أخرى اعتبر كلا من مهنة الدفاع والسلطة القضائية من أسرة القضاء أي جزئين متكاملين في هذه الأسرة.
وهذا ما أكده بصورة صريحة مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين بتأكيده بأن "دور المحامين والسلطة القضائية، يكمل كل منهما الآخر ويدعمه بوصفهما جزئين متكاملين لنظام قضائي واحد" فهل يمس هذا الإرتباط العضوي مبدأ "استقلال وحرية مهنة المحاماة"؟
إن تكريس هذا الإرتباط العضوي بنص قانوني، لا يهدف إلى وليس من شأنه المس بمبدأ مقدس، اعترفت به وكرسته كل النظم القانونية، إنما يهدف إلى تأكيد أن العبئ الملقى على كل من القاضي والمحامي عبئ مشترك يقبل التجزئة والتفاضل فلا محاماة بلا قضاء ولا قضاء بلا محاماة.
وهذا ماأكده القانون الأساسي بتأكيده على أن "مهنة المحامي حرة ومستقلة".
ومن الوجهة العملية، فإنه لولا حرية المحامين واستقلالهم في أن يناقشوا وينتقدوا أحكام القضاء، لتكررت الأخطاء ولتعذر تصحيحها، ولعجزت المحاكم عن تحقيق العدل وإنصاف المظلومين، ولفقد القضاء فعاليته وحيويته إن لم نقل مصداقيته.
وذلك بالإضافة إلى كون استقلال المحاماة من أهم الضمانات القانونية لحقوق وحريات الأفراد والجماعات فالمحامي وإن كان يدافع في جل الحالات عن الأفراد، فإنه من خلال ذلك يدافع عن المجتمع، شأنه شأن القاضي، الذي وإن كان يفصل لصالح الفرد من خلال إصداره للأحكام فإن إحقاقه للحق يتم لصالح المجتمع.
إن مسؤولية كل من القضاة والمحامين، والتي تتجلى في نشر العدل ، مسؤولية دينية وأخلاقية قبل أن تكون مسؤولية قانونية لا يمكن القيام بها، على أحسن وجه إلا في إطار التعاون بين الدفاع والقضاء، في جو يسوده الإستقلال واحترام المبادئ الخلقية والدينية السامية، قبل احترام النصوص القانونية.
ثالثا : حصانة الدفاع وجهاز العدالة
يفترض قيام المحامي بمؤازرة وتمثيل الأطراف، ومشاركته القاضي في الفصل بين المتقاضين، توفره على الضمانات القانونية والفعلية الكفيلة بحمايته مما قد يمس بحرية واستقلال المهنة حماية للعدالة وضمانا لإحقاق الحق.
ذلك أنه لا محاماة بدون حصانة قانونية وفعلية تحمي المحامي من كل الضغوط التي قد يتعرض لها، من خلال قيامه بنشاطه المهني، وتعتبر حصانة الدفاع بهذا المفهوم حقا للمتقاضين أكثر مما هي امتياز للمحامين.
وبالرجوع إلى القانون المغربي، يتبين أن مقتضياته لا تضمن للمحامي نفس الحصانة التي تضمنها للقاضي، بالرغم من اعتبار المحامين جزءا من أسرة القضاء وذلك على خلاف ما هو عليه الأمر في ظل جل القوانين الأجنبية، بل يظهر على العكس من ذلك، أنه يتضمن بعض الأحكام التي تعتبر مسا بحرية واستقلال مهنة الدفاع نوجزها فيما يلي :
1- حصانة الدفاع ومقتضيات قانون 1979:
يتضح من القانون الأساسي لمهنة المحاماة، أنه لا يضمن للمحامي نفس الحصانة التي يتمتع بها القاضي، وإن كان يضمن له بعض الإمتيازات المرتبطة بمهنته بالنسبة لبقية المتقاضين.
ذلك أن الفصل 126 من هذا القانون، ينص في فقرته الثانية على أن متابعة المحامي لا تكون مقبولة إلا بإذن كتابي من الوكيل العام للملك، الذي لا يصدر هذا الإذن إلا بعد دراسة النازلة مع نقيب الهيئة التي ينتمي إليها المحامي المعني بالأمر.
ويضيف نفس الفصل بأن مسطرة التلبس لا تطبق في جميع الأحوال على المحامي المتابع.
إن هذا النص يثير تساؤلا وجيها، حول مجال تطبيق مقتضياته، فهل يشمل جميع حالات المتابعة؟ أم يقتصر فقط على المشاركة في جنحة "سمسرة الزبناء"؟
إن المنطق القانوني يفترض اعتبار هذه المقتضيات عامة وشاملة غير مقتصرة على جنحة دون غيرها، بدليل عبارة "في جميع الأحوال" الواردة فيه.
وحتى لو افترضنا أ،ها (المقتضيات) يكتنفها بعض الغموض فيما يتعلق بمجال تطبيقها، فإنه يجب أن تؤول لصالح المتهم، وأن تمتد الحصانة التي يخولها المشرع للمحامي في هذا الإطار إلى جميع الجرائم ضمانا لحرية واستقلال المهنة، ومنح المحامي امتيازا خاصا ولو نسبيا باعتباره من أسرة القضاء.
وذلك بالإضافة إلى أن من شأن إخضاعه لمسطرة التلبس في الجرائم الأخرى، أن يفقده ومن خلاله أن يفقد مهنة الدفاع، ما تتمتع به من كرامة ووقار وما يجب أن يتمتع به من احترام وتقدير خاصين من طرف القضاء.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون المهنة، كان يتضمن في نصه الأصلي فصلا خاصا يهدف إلى ضمان حصانة خاصة لرجال الدفاع، بحمايتهم مما قد يتعرضون له من التهديدات والتهجمات والسب والقدف.
وذلك في الوقت الذي يضمن فيه القانون حصانة خاصة للقضاة، ويعتبر هذا التمييز بين رجال القضاء من جهة ورجال الدفاع من جهة ثانية تناقضا صارخا مع مقتضيات الفصل الأول من قانون المهنة، الذي يعتبر المحامين جزءا لا يتجزأ من أسرة القضاء، كما يعتبر تقصيرا غير مبرر من طرف تشريعنا بالمقارنة مع القوانين الأجنبية التي تعترف لرجال القضاء والدفاع على السواء بحصانة خاصة.
2- حصانة الدفاع وقانون الصحافة:
ينص الفصل 57 من قانون الصحافة على الإجراءات المتعلقة بزجر بعض الأفعال المتعلقة بالمرافعات القضائية... أو الكتوبات المدلى بها لدى المحاكم بصفة عامة.
كما ينص بالإضافة إلى ذلك على بعض المقتضيات الخاصة بالمحامين، والتي نص فيها على أنه : "يمكن أيضا للقضاة أن يصدروا في نفس الحالات أوامر للمحامين... أو أن يوقفوهم من وظائفهم إن دعا الأمر إلى ذلك".
ولا تحتاج هذه المقتضيات إلى تحليل أو إلى تأويل خاص للقول بأنها تعتبر مسا خطيرا بحق الدفاع وبحرية واستقلال مهنة المحاماة، التي كرستها مختلف التشريعات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.