تكشف أعمال الرسّام الحروفي والخطّاط المغربي مصطفى أجماع (60 سنة) عن مسار طويل وبعيد، وعن سياق تراثي جميل وجليل يروم استحضار الهويّة ويزيد من تطويرها وإبداعيتها بعمق واحترافية، والوقوف على مشاهد بصريّة وأشكال وتحوّلات مغايرة، تقيس ينابيع الحروف في أبعادها الروحية والفكرية والجمالية. الفنّان أجماع، الذي وضع بريشته أسلوباً فنياً خاصاً به، هو نافذته وخيوط الضّوء التي تضفي على فضاءات اللوحة حركة وبهجة ونظرة مليئة بالحكايات والأسرار، ترتكز على استلهام الحرف الذي ينطوي على طاقات تعبيرية.. وكذا العلامات والرموز والزّخارف في تمظهرات مختلفة ومتنوّعة، تمثّل مساحات من البحث وتُظهر مدى الذائقة الاستثنائية والإمكانات الهائلة التي يتوفّر عليها الفنان. ففي محمولات أعماله المختلفة شكلا ومضموناً ورؤى والمُنطلقة من الإرث الثقافي للحرف العربي في امتداداته المتنوعة والغنية: النّسخي والمغربي والثلث والرقعة والديواني والفارسي... يرسم مصطفى أجماع بقلب يفيض بالحياة وبحواس تنطق بدُررها من خلال التركيز على الأبيض والأسود والألوان المختلفة التي تجدّد من قيمة العمل. كل هذا وفق مسار يؤطره الذّوق الفني وتراكمات كتابية وخطيّة شديدة الأناقة والرّهافة والجمال، تمتاز باللّيونة وعمق المخيّلة .. مثلما تمتاز بإشراقات يصير النّظر حيالها شاخصاً في روافد فنية .. وفي أسلوب صوفيّ يتوحّد بالبصر والبصيرة. منذ أكثر من ثلاثة عقود وابن مدينة القنيطرة أجماع، يجول في ساحة الرسم الحروفي، بحثاً وتطبيقاً واستمرارية بارزة، حيث أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية، ليُعيد إلينا زمان الوصل.. وتعبيرات النّفس والخيال والتجربة.. بعدما يجري حوارات مكثّفة ومتماسكة مع الحرف ومع ما يوفّره من متعة بصريّة ومن محمولات هائلة وانفتاح دلاليّ.. بعدما يضعه في حلّة مختلفة وعلى هواء جديد.. في علاقة روحية وبلغة إنسانية، يسافر بنا الفنان الذي راكم مئات الأعمال المتميّزة، في رحلة جمعت بين ورشة جمالية وتطورات أسلوبية مستمرة ... فهو كالخزّاف الذي يحضن بقلبه الطين.. يحضن من جانبه كذلك الحرف وبعشق كبير، جاعلا منه الطريق الذي نستعيد عبره صوتنا في كل الحياة وفي كل الحضارات... وهاهو ابن خلدون يؤكد على ذلك أكثر وأكثر بالقول: "الخط من الصناعات الإنسانية.. يقوى بقوّة الحضارة.. ويضعف بضعفها".