لقاءاتُ منتدى الحوار الثقافيّ تتجدّد شهريًّا، وفي مركز التراث" البادية" عسفيا الكرمل يتكلّل اللقاءُ بالمعرض الحروفيّ للفنان كميل ضوّ، وبحروف الشاعرة الواعدة حنان جريس خوري، وبعد استعراض اللوحات، افتتح اللقاءَ رشدي الماضي فجاء في كلمته: مع افتتاحيّةٍ من لونٍ آخر، فالأنا الذي ملأ اللغات محاسنًا/ جعل الجمالَ وحسنهُ في الضَّاد/ حوار الحروف والألوان جعل/ القصيدة لوحةَ صامتة واللوحة قصيدةً صائتة. كميل ضو والضاد توأمة إبداعيّة فنيّة، الحرف والوعي الجماليّ به ومداعبة صهيله الداخليّ أحجار الزاوية التي توصل اللغة إلى قمّة السموّ، حيث تأتي لوحات إبداعيّةً مفعمة بنبض الحياة، لوحات ما أن تلقي بشباكها حتى تصطاد اللغة وطنًا، ليس طريدا ولا مقتولًا. أعرف يا مبدعي أنّك مليءٌ بالطاقات والمواهب والمشاعر والأحاسيس القويّة المتدفقة، لذلك وهذا ليس بغريب على كميل الذي أصبح مشروعًا فنيًّا شخصيًّا، ورحلة في فضاءاتِ الحرف لا يقوم بها إلّا مسافر خلّاق، وحده يسعى إلى الانعتاق من النفي اللغويّ. وهنا أرى لزامًا عليّ أن أبوح لك بأنّي أتحسّس شوق أصابعك إلى القلم، شوقًا يشتهي دومًا حروف الكلمات قبلات ظامئة، فأنت يا كميلي تغوص في أعماق النفس، لتبحث فيها عن مناظر لم ترها العين المجردة، وعن أصوات لم تسمعها الأذن الأولى ولا شقيقتها الثانية. ولأنّ الفنّ هو جوع إلى واقعِ زمن جميل، أعترف أمام ربّان الجمال فأقول: يلذّ جوعي إلى حبر إبداعك، وظمئي إلى تدفّق شتاء ألوانك التي تنفض الحروف فوق الورق، لتخطّ لوحة مشبعة بالمطر وبروائح تراب الأرض. أيّها المبدع الكامل والمكمل كميل، تؤكّد تجربتك لمن يرافقك سيرة ومسيرة، أنّك منذ سنوات سمان لمّا تزل تحفر وتنقّبُ في أسرار وأركيولوجيا الحرف والكلمة، احترفتَ ركوب صهوة الذات حتى تدرك مبتغاك، وما من زاد لديك غير اللغة والخيال واللون والريشة والقلم، لترسم الحروف لوحات ترفض أن تغادر عناوين تضاريس الوطن، كي تجعل منه لحظات إبداعيّة تنضح بالجمال، تُبقيك أيّها الفنان المزارع المزارع في حقل الكلمات الذي يرتب وينقّي بيادر حنطتها، تاركا ريشته دوريًّا يزقزق على صفصافة الكلام في حواكير النفس والوطن، لم تكمل بعد لنا مشروعًا ولم تتمم علينا نعمة إبداعك، إذًا واصل الخروج كل صباح، وابتع لك قلمًا وزرقة وحبرا وألوانًا، فانت وحرفك توأمة إبداعيّة خلّاقة، توأمة لا تلد سوى لوحات هي فاتحة شبابيك الجمال المغلقة، وأبواب المدن الأمل غير القلقة. وفي مداخلة نوعيّة لد. فهد أبو خضرة: تحدّث عن جماليّات الخطّ العربيّ، وعن المشاكل التي يواجهها الخط العربيّ اليوم، فالخط العربيّ فنّ من الفنون العريقة المعروفة عند العرب، وقد استعملوه لتزيين المساجد خاصّة، واللوحات في المتاحف والمعارض. ولوحات كميل ضوّ في المعرض نموذج. في العصور الوسطى لم يتعرّض الخطّ العربيّ لمشاكل جدّيّة، بل حافظ على جماليّاته باستمرار، وأوّل المشاكل كانت في بداية ظهور المطبعة، حيث اضطرّ المشتغلون بالطباعة إلى صبّ الحروف وصقلها في الطباعة، ووجدوا أنّ عدد صور الحروف كبير جدّا وصل 470 صورة، وهذا فقط في خط النسخ، وهم اختاروا خط النسخ لوضوحه وجماله، وطبعًا بدأت أفكار مختلفة واقتراحات لتقليص عدد الحروف، ولم يكن نجاح في هذا المجال، وظلّ الأمر حتى ظهور ماكنات الجمع الآليّ حيث بدأت المشاكل تزداد، وكان لا بدّ من تقليص عدد وصور الحروف، وظهرت اقتراحات جديدة وانقلابيّة مثل استعمال صورة واحدة للحرف فقط، أو اقتراح الكتابة بحروف لاتينيّة وترك الحرف العربيّ، ولكن رُفضت هذه الاقتراحات، واستمرّوا في تقليص عدد الصور، وازداد الأمر سوءًا بين المُجدّدين والمُقلّدين، وازداد الجدل عند ظهور برامج الحاسوب وعند ظهور الطباعة بالليزر، فتقنيّو الطباعة وآليّات الطباعة جدّدوا وقلّصوا الحروف، ولكن على حساب جماليّات الحرف ممّا أدّى إلى ردود فعل غير راضية من الخطاطين والمحافظين، لأنّه تشويه للحرف، وهذا أمر ضرروريّ حتى لو كان على حساب جماليّة الحرف، من أجل استعمال الحروف بصورة عمليّة أكثر من استعمالها لجماليّاتها، لأنّ الجماليّات محصورة في نطاق الخطاطين واللوحات الفنيّة كي يكون مقروءًا، وقد تمّ تقليص عدد ساعات الخطّ في المدارس، وتمّ إلغاء كراسات تعليم الخط العربيّ بصورة عمليّة، لأنّ هذا الأمر خاصّ وفرديّ، ومن غير الممكن جعل جميع الطلاب خطّاطين. وفي كلمة الفنان كميل ضوّ عن الخط العربيّ قال: هناك اثنا عشر نوعًا اساسيًّا للخط العربيّ، وكلّ خطّ له عشرات الأنواع، فمثلًا الكوفيّ له سبعين نوعًا، وكان لكلّ بلد أو قرية أو مدينة نوع خطّ يُميّزها، وكانت هناك هندسيّة وبزوايا حادّة، وتحتاج إلى الوقت في كتابتها، وفي زمن الأتراك ومع ضرورات الحياة والأمور الحياتيّة اليوميّة ومستجدّاتها وُجد الخط الرقعيّ، وهكذا تطوّر الخط العربيّ بآفاق تتجدّد مع ضرورات الحياة. لقد عرف تاريخ الثقافة والفنون العربيّة فنّ الزخرفة الحروفيّة في الإسلام والعروبة، وعرفها التاريخ والإبداع الإنسانيّ، فالإنسان هو الحياة، وهو جدليّة التحوّل الكيانيّ والكونيّ مع التطوّر والرقيّ، إذ يُفرز من خلال الحياة أشياء متكرّرة أو مبتكرة تولد وتشكّل تراث الإنسان والحضارة. اللغة العربية هي أقدم اللغات الساميّة وأرقاها، لفصاحتها واتساع أفاقها وتناسق وجماليّات حروفها وتكوينات خطوطها، فاستخدم الخط العربيّ كمادّة جماليّة مجرّدة، وكمادّة رمزيّة تشكيليّة لونيّة ذات بُعد واحد"، في اللوحة التشكيليّة الكلاسيكيّة وبتقنيّات مختلفة، كما استعمل بحالات وأشكال ذات أبعاد لونيّة وتشكيليّة، بتجانسها ما بين الحرف والعديد من رموز الحضارة العربيّة، فيظهر على شكل مدن ذات مآذن وقباب، وعلى شكل خيول جامحة، وعلى "شكل أمواج حوار جدليّ فلسفيّ"، كما يقول الفنان اللبناني وجيه نحلة، بالإضافة إلى العديد من الأعمال الخالدة لكبار الفنانين العرب في العراق ومصر وفلسطين ولبنان وبلاد الجزيرة العربية كلّها، ممّن امتازوا بهذا العمل الإبداعيّ وخصوصيّاته، فأطلق البعض منهم على نفسه صفة (الحروفيّين)، وأطلق على هذا النوع من الفن التشكيليّ تعبير (الحروفيّة). هذا التاريخ الابداعي كوّن ملاحم وقصائد زخرفيّة، وشواهد حضارة لم تعرفها أيّة حضارة أخرى عبر هذا الزمن البعيد! فتاريخ جماليّات الخط العربيّ يرجع إلى العقدين الأمويّ والعباسيّ، إذ اشتهر آنذاك الخطاط العربي الأوّل خالد أبي الهياج بكثرة كتابته للمصاحف والتجويد بها، بحيث أصبحت مؤشّرًا بارزًا في حياته الفنيّة، وفتحت آفاقا واسعة أمام هذا الفن العربيّ والإسلاميّ، وقد تعاقب الخطّاطون والمُجوّدون وفنّانو الزخارف والمنمنمات العربيّة الشرقيّة، في خلق الكمفيّة الهائلة من اللون والحركة والتشكيل. وعن سيرة إبداعه ومسيرته الفنيّة قال: إنّي بدأت الكتابة بجيل ثلاث سنوات منذ عام 1960، بعدما انتقلت العائلة من الرامة للسكن في حيّ الكبابير في حيفا، وكان الأستاذ موسى عودة يعشق الخط العربيّ، وقد شدّتني روعة جمال خطه على اللوح آنذاك، وشغفت بالحرف العربيّ، وبدأت أقلّد وأكرّر كتابة عناوين الكتب، وعندما انتقلت لأتعلّم في الكليّة الأرثوذكسيّة في حيفا لأتعلم المرحلة الثانويّة، التقيت بالأستاذ والأديب والخطّاط حنّا أبو حنّا، وللأسف لم تكن هناك حصص خط، ومن حين لآخر بدأت أكوّن بعض الأفكار حول الخط العربيّ، وتمكّنت مع نهاية المرحلة الثانويّة من معرفة جميع أنواع الخط العربيّ وقواعدها. في نهاية الصفّ الثاني عشر اتّصل بي الأستاذ حنّا أبو حنّا، وكان يعمل في جريدة الاتّحاد، وطلب منّي أن أتابع مشوار الخط بدلًا منه، وخلال ثماني سنين بدأت أكتب هذا النوع من الخط، وكان الشاعر طيّب الذكر عصام العبّاسي يقول لي، يجب على الخطّاط أن يرسم لو أمكنه. وأتذكّر أنّني حين كنت أكتب العناوين، وقعت نقطة حبر على ورقة مصقولة، وبدأت أرسم أشكالًا متنوّعة حول هذه النقطة، وأكتب أحرفًا وبعض الكلمات، وبدأت تتبلور الفكرة في رأسي، وفي سنوات السبعينات كنّا في فترة انغلاق عن العالم، ومن غير فضائيّات، وبكتب قليلة من العالم العربيّ، وبدأت أطّلع على فكرة بدون أن تكون لي سابق خلفيّة عنها، وعندما قرأت فيما عن الحروفيّة، وجدت أنه في العراق والسودان وسوريا ومصر بدؤوا في هذه الفترة باستعمال الحرف في بناء اللوحة التشكيليّة، وكان التقارب فيما بعد بديهيّا. مع نهاية المرحلة الثانويّة دعيت لأعمل خطاطًا في جريدة الاتحاد، وفي نفس الوقت قدّمت لمدرسة مار يوحنا رسالة أطلب أن أدرّس فيها. وقد استجاب لطلبي في حيفا مدير مدرسة مار يوحنا الإنجيليّ الأسقفيّة العربيّة الأستاذ ناجي فرح، إذ أُعجب بخطّ رسالتي، واستدعاني ليلقي عليّ مهمة تدريس فنّ الخط العربيّ لطلاب مدرسته، وقد كانت رحلة ممتعة مع الطلاب وتدريسهم الخط العربيّ وتطوير المواهب عند الطلاب. وما جعلني أؤكّد على هذه الحصص، هو الحفاظ على تراثنا الفنيّ هذا، ولا أبالغ إن أقول إنّ حرفنا العربيّ بأنواع خطوطه أجمل خطوط العالم قاطبة، ومن جهة تعليم الخط العربي في مدارسنا، فهناك تحَدّ كبير، إذ علينا أن نبذل جهودًا أكبر في الحفاظ على هذا التراث. وهكذا جعلت أتدرّج وأعلو في سلّم الفن والخط، لأغدو من أوائل روّاد فن زخرفة الخط والحروف التشكيليّة في البلاد، وبدأت رحلتي مع الحروفيّة والرسم بالكلمات. عام 1978 أقيم لي المعرض الأوّل في قاعة الأوديتوريوم بحيفا، حيث عرضت 30 لوحة أساسها بناء اللوحة التشكيليّة من الحروف والكلمات، بالحبر الصيني الأسود على مساحات صغيرة بيضاء، وقد عُرض في القاعة ثلاثين لوحة فنيّة خطوطيّة، والذي كان له خصوصيّة في لفيف من الحضور المميّز من أدباء ومُفكّرين وشعراء وفنّانين وسياسيّين مَحلّيين؛ د. إميل توما، إميل حبيبي، وسميح القاسم، وعلي عاشور، وصليبا خميس، وحنا أبو حنا، وزاهي كركبي، والفنان عبد عابدي، وعصام العباسي الذي كان يحثّ الخطاط كميل على الرسم، إذ بمقدور كلّ خطاط أن يكون فنانًا تشكيليًّا أيضًا. وبيع أكثر من نصف لوحاته آنذاك. ومنذ ذلك الوقت أقيم لي 18 معرضًا فرديًّا في البلاد وخارجها، وعشرات المعارض التي اشتركت بها. وعام 1979 أقمت في مركز سانت لوكس بحيفا معرضًا كبيرًا يضم 60 لوحة، بادر له القس الدكتور نعيم عتيق، رئيس مدرسة مار يوحنا الإنجيليّ، الذي ساندني كشابّ وكفنّان، وأشاد بأعمالي الفريدة والانطلاقة الكبيرة التي حققتها في هذا المجال. وعام 2005 كانه لي معرض آخر في هذا البناء، حيث عرضت 30 لوحة من الخط العربيّ، وافتتح المعرض القس الدكتور شحادة شحادة. ومن خلال عملي في مدرسة مار يوحنا الإنجيليّة في حيفا، توطّدت العلاقة بيني وبين المطران سمير قفعيتي؛ مطران الكنيسة الإنجيليّة الأسقفيّة العربيّة في القدس، والمنحدر من أصل حيفاوي، فأقام لي عام 1982 معرضًا تشكيليًّا في مؤسسة (y.m.c.i) المقدسيّة، وكان من أوائل المعارض الفنية لفنان جليليّ في رحاب المدينة المقدسة، عرضت فيه 32 عملًا تشكيليًّا في فن الخط العربيّ والزخرفة، لم تقتصر على اللون الأسود والابيض فقط كسابقاتها، بل احتوت ألوان أحبار أخرى، وتقنيّات تشكيل لونيّ متعدّدة، وبيع العديد من أعمالي لمُحبّي هذا الفن، كظاهرة نادرة وداعمة لي في مداها النفسيّ والمعنويّ. وعام 1987 وفي رحاب المبنى المحاذي لكنيسة سانت لوكس في حيفا بطابقيْه، أقمت معرضي الثالث، ليحتوي الطابق الأول مجموعة من أعمال فن الخط والزخرفة العربيّة، والطابق الثاني مجموعة من أعمال التصوير اللونيّ (الرسم الملون) متعدّد التقنيّات، ذات الانتماء الانطباعيّ في تكوينه، ومشاهد "طبيعة صامتة"، رسمت فيها معالم من مدينة حيفا وأماكن ورموز أخرى. وقد افتتح المعرض الشاعر الأديب حنا أبو حنا، فأثنى على مسيرتي الفنّيّة، وعلى ثباتي وإيماني بأدواتي وقدراتي الفنّيّة، وبعرض 72 لوحة من أعمالي الأخيرة التي تنتمي إلى مرجعيْن أساسيّيْن، هما الله والوطن، وبحضور حافل لافتتاح المعرض ظهرت فيه أنماط وأساليب عمل فنيّ له معالم الخصوصيّة بكميل ضو، والتي تتحوّل فيها لوحة فنّ الخط والزخرفة العربيّة إلى لوحة حروفيّة، قوامها تجلّيات الحرف العربيّ في تجرّده من المكنون اللغويّ الكامن فيه. عام 1992 افتتح جاليري الكرمل أقمت المعرض الرابع لأعمالي الفنيّة، وقد افتتحه الشاعر سميح القاسم. وعام 2005 رتبت لي د. روت أورن معرضًا في جامعة حيفا، ضمّ 30 لوحة، وافتتح المعرض البروفيسور بطرس أبو منة. وفي عام 2009 اقيم معرض "حوار الشعر والحروف" تكريما للشاعر والأديب الكبير الأستاذ حنّا أبو حنّا. وفي عام 2012 كان هناك معرض "صمت الحروف... صوت الألوان" تكريمًا لشاعرنا الرائع الأستاذ رشدي الماضي. كما وصدر عن أعمالي كتاب "حروف مشرقة" عن دار النشر الفنلنديّة "بيفا" باللغتين الفنلنديّة والإنكليزيّة. ومؤسّسة كيميديا وإدارتها أقامت مركزًا لتعليم الخطّ العربيّ في حيفا يعنى بتعليم الخط العربيّ لجميع الأجيال. وقال عزت حرش: "رسم كميل ضو الكثير من الأعمال، خاصة في مجال الفنون الحروفية المتجانسة في تكوينها، ذلك ما بين اللون والانحناء وتجويد الحروف والكلمات، لقد أطلّ علينا بأعماله الجميلة منذ أوائل الثمانينيات، وأذكر من تلك الأعمال لوحة حملت كلمات فيلسوف لبنان جبران خليل جبران، في مطلع لزومية قصيدة "المواكب".. التي رتلتها الرائعة فيروز على هيكل مذبح قدسيتها، حيث صدح صوتها بتلك الكلمات هاتفة "أعطني الناي وغن".. ولا تزال ملامح اللوحة الحروفية التي رسمها الفنان كميل ضو تسكن في مخيلتي، كحلم يتراقص بين ما أبدعه جبران وما صدح به صوت فيروز الملائكي، وكدعوة حبّ متفجرة إلى كلّ بركان قلب عاشق، قتلته سموم الحياة وغربتها، في لجّة بحثه عن جنة الخلاص الأبديّ.. ولم يزل يبحث عنها دون طائل! يبقى الفنان كميل ضو مسكوناً بهواجس عذبة راقية مرهفة الإحساس، مصدرها "كلمات ليست كالكلمات".. تلك المولودة بعفويّتها من بطن الحياة المتراكمة عبر الزمن. كأزهار البرقوق وفروع السندان.. تسكن الجُمل المحبّبة إليهِ في فضاء ذهنه.. تذهب وتعود، وترسم حروفها في الهواء بموسيقى "عرائس المروج".. والناي والخلود!! وعلى حين غرة، وفي لحظة بريق يتساقط كضوء الشمس على كتلة من جليد، تنبعث في روحه تجلّيات لونيّة لحروف جملة ما.. وتتكوّن في غضون إنجازها على المساحة البيضاء. قصيدة تشكيليّة للوحة قوامها الحروف والألوان.. تقرأ في أعمال كميل ضو الحروفيّة.. نماذج من التعبيريّة والرمزيّة والتكوينيّة والتكعيبية والتجريد.. وتقرأ في بعضها نماذج كلاسيكية ضوئية أيضًا.. كلها في لمسة إنشاء خاصة تستطيع أن تعرف من بوتقة تكوينها الشموليّ، أنّها تعود لشخص واحد.. لفنان يدعى كميل ضو". وكان لنا وقفة أخرى مع الحرف الشعريّ والصوت الدافئ للشاعرة الشّابة حنان جريس خوري فقالت: أنا من مواليد حيفا، تخرّجت من الكليّة الأورثوذكسيّة العربيّة. ثمّ التحقت بالجامعة العبريّة بالقدس، وتخرّجت بلقب أول فيزياء ورياضيّات، ولقب أوّل في العمل الاجتماعيّ مع تقدير خاص من الجامعة. منذ الثانويّة ابتدأت في مشوار الشعر، و كنت أكتب وأقرأ في صفي، حتى بدأت أنشر في جريدة الإتحاد، ولاقيت دعمًا من القارئين، ممّا حثّني على الاستمرار بالكتابة والنشر، ولكن مع سفري للقدس، بدأت خيالاتي تسافر إلى تجارب جديدة، تحمل كلمات رقيقة اعبّر فيها عن عالمي وتجاربي وشعبي. لقد ملأني بيتي حبًّا ودفئًا، ومنحني كلّ الدعم والمحبّة، وخاصّة أبي الذي لم يناقشني مرّة بمشاعري المنسابة في قصائدي، وإنّما كان يصغي لي بقلبه وبحسّه العميق، يرشدني إن كان هناك خطأ لغويّ من تجربته كأستاذ في اللغة العربيّة لعشرات السنين، وقد اشتركت في لقاء أدبيّ في جامعة حيفا، وألقيت قصيده "لحظة ... أيها المارد"، ولاقت إعجاب المستمعين من شعراء وأدباء . وفي جامعة القدس العبريّة كان هناك من يطلب مني إلقاء قصائدي ونشرها في مجلّاتهم الخاصّة، وبعدها توقّفت عن نشر قصائدي، لأنتظر فرصة ولادة ديواني الأول. ولأسباب وظروف لم تسنح لي فرصة إصدار ديوان شعري الأوّل الذي وعدت به كلّ من طلب منها ذلك، وكلّ من أحب شعري... و لكن في الأمسية هذه التي استضافتني سألقي باقة من أشعاري: قصيدة حرة أنا: حرة أنا/ مثل غصن زيتون/ حرة أنا / و مثل أجمل جنون/ مثل الحلم.../ مثل مخاض شعر/ عند حدود الكلم/ حرة أنا.../ مثل السماء.../ و ما زال في القلب بعض سماء/ بعض جنة .. و ضياء/ ما زال في العمر / ... بعض دهور/ و صلاة تملأني سرا/ ... و نور/ و ما زال في الدرب/ بعض ياسمين/ همسات صيف/ و دمعات حنين/ و ما زال موسم / حب و جنى.../ و حرة ... حرة / مثل اللون أنا/ مثل لون القصيده/ مثل أسطورة جديده / و مثل زهر لوز وليد/ و نهر حب .. و عيد/ مثل أسراب المنى/ حرة / حرة.../ حرة أنا وقصيدة في عينيك ...أنت: في عينيك .../ أزهر الفجر / و جن الليل / في عينيك قيد/ شهد / و سحر ../ في عينيك أغنية/ يعزفها البحر/ فتهدأ الساعات / و يبسم العمر/ إذا هامستني / أو بنظرة رقيقة قتلتني/ ففي عينيك أحيا/ و يسري ... في عرقي شعر/ لو ذبل القلب / أو ظمئ الدرب / ففي عينيك لي ورد / لتورق الخطوات/ و يدرك القدر/ أني في عينيك قد تهت/ و تاه الحلم ... و السفر وفي نهاية اللقاء وبعد مداخلات الزملاء والزميلات من الحضور، كان مسك الختام مع د. فهد أبو خضرة، حيث أعلن عن قراره بإصدار الديوان الأول للشاعرة حنان خوري في مجلة مواقف، حتى نهاية السنة الحالية، ومن ثمّ تمّ التقاط الصور التذكاريّة.