محمد بستان من مواليد 1960 أستاذ التربية التشكيلية،مقيم ويشتغل بمراكش . عمل ببعض الشركات بالبيضاء مسقط رأسه.وجد نفسه -فجأة- يعتنق الفن، ويخلص إليه أيما إخلاص.ورويدا رويدا، وبفضل التحاقه بشعبة الفنون التشكيلية، واحتكاكه بفناني زمانه من بني جلدته أو من خارج المغرب،شخصيا أو عبر حضور معارضهم ،وكذا بفضل الاطلاع والتمرس والبحث عن الأساليب التعبيرية للاستزادة في الفن،استطاع أن ينحت له أسلوبا خاصا به،يحمل بصماته وأثره. أحرز الفنان بستان على جوائز قيمة وشهادات تقدير رسخت حضوره في الساحة التشكيلية بالمغرب،لكنه يبدو -دوما- متواضعا يكره الأضواء ويشتغل في الظل،لم تغير تلك الجوائز والشهادات-على كثرتها وتنوعها- من طبعه وتواضعه كما لم تحد من اجتهاده وإبداعه في الاستمداد من الذاكرة الشخصية والجمعية، حيث إحساسه المرهف وانفعالاته ، وحضور الهاجس الصوفي والبعد الانساني والكوني لديه. كيف كانت قصتك مع الحرف العربي؟ في بداية تجربتي، مارست بعض الخطوط، لكن حصل شيء في مساري، لا أدري كيف اجتذبت إلى علم طبيعته مركبة من أجزاء أساليب خطية مختلفة، فكانت هذه انطلاقة حصان طروادة.. حرف متصل مع حرف آخر في بنية لاتشكل سوى حركة بدون دال ولا مدلول، يمكن القول كلمات بدون معنى ولا لون ولا مثل نغمة الأصوات، إنها قراءة تحيل إلى عالم التجريد. إن القارئ للوحاتي حين يجد نفسه إزاءها يقرّ بأن هناك شيئا مقروءا، لكن حين يقترب تبدأ لعبة اللامقروء. مِلت إلى الاشتغال على الخط ،إذ الخط عند العرب والمسلمين اتخذ مكانة هامة من حيث الاهتمام والاتقان وسبيلا للمعرفة ثم أُلبِس لبوسا قدسيا ،حيث تم مزج مشاهد من المتخيل الإيماني الشعبي وآيات القرآن الكريمة وحروف مجردة مع مكونات تشخيصية، بشكل يزاوج بين عناصر متنافرة ظاهريا. اشتغلت على هذا التيار/الحروفية العربية،بعد دراسة حروفيات أمم أخرى متعمقة في جمالية الحرف وعراقته. ارتأيت أن أتعامل مع كل ما يمت للهوية بشكل أو بآخر في بعض أبعادها الجمالية و الفنية وكذا من خلال قراءة ورؤية شخصية تعتمد على استلهام التراث والتفاعل معه لخلق معادل إلهام يضفي صبغة تأثير وتأثر في مساري الإبداعي.لا أدري كيف اجتذبت إلى جمالية الحرف العربي، ربما هذا يعود هذا إلى اللاشعوري المنحدر من طفولتي حيث أحببت أن يكون خطي جميلا . ومن جهة أخرى، عرفت ما مدى الجانب الجمالي الذي يكمن في عوالم الحرف، ومنذئذ أخذت أكبُرمع الخط العربي، وهو بدوره يكبر معي، مبادلةً ذات مسار لاينقطع، هذا النفَس، إنه في استمرارية ومخاض، أعني كلما أتعامل مع الحركة، أجد بأن بنية الحرف العربي تجتبيني إلى حضرة مفهوم النفْس و الفكر، جدلية المنقبض والمنبسط.. هذه الثنائية هي التي تحكم جمالية الحرف العربي. إنه مفهوم الحركة. تأمل كل شيء قائم على نوع من الحركة، وهي بالتالي تحدد معالم حياة الشيء وكذا جماليته. ففي أعمالي، أعتمد على هذه اللعبة التي تخضع النمط البصري أن يسافر مع حركة الحروف في لوحاتي حتى يكاد يقول القارئ بأني في سفر عبر حركة الحروف أو يمكن أن يقول لا لست في سفر عبر الحروف بل بالأحرى أجد نفسي في حضرة رقصة الحروف . ماهي الإضافات-إن كانت ثمة إضافات- التي قمت بها للرقي باللوحة الحروفية؟ وضع رواد الحروفية الأسس، والخطوط الكبرى الرئيسةَ، وممن وظفوا الحرف في أعمالهم خصوصا في العراق، نذكر شاكر حسن آل سعيد الذي استلهم الحرف كقيمة فنية في مضمون العمل المعاصر دون أن يضع في الاعتبار المهارة كهدف أو أن تعكس فكرة فلسفية معينة، لكن مع الزمن،ظهرت اتجاهات تحمل أساليب مغايرة في الرؤية والفلسفة والتقنية والتجربة، وهي أمور تزيد الحروفية اختلافا وثراء.وفي المغرب،أشير إلى الفنانين: المسرحي الطيب الصديقي و أحمد الشرقاوي وعبد الله الحريري،والمهدي قطبي و ابراهيم حنين،و حسن مقداد،و حسن موسيك،وعمر أفوس وشفيق الزوكاري،و لطيفة التجاني،وزكريا الرمحاني وضيف الله ومحمد ويده.. وبالنسبة إلي، فأنا -دائما -في صعود وهبوط في حركية النفس و الفكر من أجل خلق معادل جمالي. فاللوحة الحروفية لا يمكنها أن تحتفظ بالنمط الاستعراضي للحرف، بل يجب أن تخضع اللوحة الحروفية لتركيبة فكرية وإشكالية معرفية، أعني يتعين تغيير القراءة من أجل دينامية متجددة. بالامارات العربية المتحدة، كانت مشاركتي ذات تأثير لما عرفته من خلال الاهتمام الإعلامي والإقبال على أعمالي، حيث أضفت معادلا اضافيا بعرض الشارقة، وكان ثمة إقبال للمقتنين على لوحاتي بشكل لافت،رفع راية الابداع التشكلي المغربي -من خلالي-في هذا الملتقى. كانت مشاركتي في بيينال الشارقة 2008 بثلاث لوحات من حجم كبير على الورق.ومازاد من سعادتي بهذا البينال اهتمام النقاد ووسائل الاعلام عربية ودولية ولا سيما اهتمام المنسق العام لدائر ة الشؤون الثقافية بالشارقة السيد هشام المظلوم ومن ثم منحتنى اللجنة التحكيمية ميدالية البينال الشارقة 2008 كيف استقبلت الحركة النقدية مشروعك الإبداعي؟ مسعى كل فنان طبيعي أن ينال فنه نصيبا من النقد،لأن النقد هو التقويم والتقييم.غير أن كثيرا من النقود عندنا-مازالت- تأثرية وانطباعية،وهناك طبعا كتابات نقدية لنقاد أكفاء على شاكلة الناقد الفني ابراهيم الحيسن وبنيونس عميروش وموليم العروسي، والخطيبي وادمون عمران المالح ...ولقد كان الحظ الأوفر لنقد أعمالي للمشارقة الذين اطلعوا على أعمالي ببينال الشارقة 2008 وبالغرب ثمة نقاد منهم الناقدAlicia CELERIER الذي تخصص في نقد أعمالي الابداعية. إن الحرف العربي في الفن التشكيلي،في إطار توظيفه برمزية أو تعبيرية،يحرص -على الدوام- على رونقه بالكلمة،بالجملة،ويسترعي انتباه أهل الفن والتشكيل والخط للاشتغال وفق قانونه الداخلي من أجل القبض على تلك اللمسات الفنية العجيبة التي تغني الثقافة البصرية.