لم يثبت أن الشعيبية كانت هائمة بين تيارات ومنعرجات التشكيل ولا سادرة في تشكيلها بين المباشرة والرمزية .تحلق الشعيبية بعيدا في فضاء تشكيلاتها البسيطة والمستعصية،التي تشعرنا بكيانها ووجودها .كانت تردد « أنا ملونة في الأصل،ألواني ترمز للحياة والطبيعة، طبيعة اشتوكة كأي طفلة قروية بريئة،تركض وتعدو لا تهتم لشيئ..بين الشجر والواد والهضاب.. والشمس والاحساس الجميل بالحياة..الطبيعة هي درسي، شقائق النعمان، الأرض، أبناء القرية التي ولدت فيها وأناسها البسطاء»..فأنا أرسم مشاهد من الحياة العادية..رسوماتي تجعلني سعيدة بالرسم..بالمنازل وبالكلاب..» كما كانت في قرارة نفسها يراودها شعور غريب يشد من عضدها ويبث فيها دفقة حرارية بأنها سابقة على زمانها.فالمرأة في وقتها كانت لاتزال تعاني من الحصار الذي يضربه المجتمع الرجولي،وتفضح إكراهاته وتحض ضمنيا على انتقاده ، مسلطة الأضواء على قضيتها،متحدية الجراحات مكيفة إياها إلى طاقة لتحقيق الذات وفرض الوجود،وجود امرأة في مجتمع رجولي تسود فيه سلطة عقلية الرجال. كما أنها استطاعت أن تفحم كثيرا ممن تلقى تعليما بالداخل أو بالخارج من بني جلدتها،بل فوق هذا أن تصمد إزاء عمالقة الفن التشكيلي المعاصر بأوروبا وغيرها. تضرب الشعيبية على وتر لحنًا ساحرا اكتمل برؤياها العجائبية إذ رأت في المنام نفسها تقول تحت زرقة السماء بأشرعة، وتدور بغرباء يقتربون منها، يقدمون إليها أوراقا وأقلاما.. وفي اليوم الموالي، قامت الشعيبية تقتني الدهان الأزرق الذي يستخدم في دهن حواشي الأبواب وشرعت ترسم بقعات وبصمات، وبعد خمسة عشر يوما، أصبحت تستعمل الألواح والألوان المائية. وهذه الرؤيا -ما همّ أن تكون صادقة بالفعل أو مبررا لركوب التحديات-هي التي ستستأصل الأشواك من طريقها وتفسح الباب على مصراعيه أمامها لتأكيد وجودها وانفتاحها وتفتحها بل واختراقها لمجال يقتصر على فئة معينة من المجتمع.. قفزت الشعيبية عاليا في نوع من البساطة ، متجاوزة كل التعقيدات وأساها واغترابها النفسي والروحي.. لتعانق الحرية والأمل دون نية مبيتة لبلوغ شهرة ما أو إطراءأو مظلة وإن كان الملك الحسن الثاني وبعض أفراد الأسرة الملكية يقتنون أعمالها بإعجاب ويربِّتون على كتفها، سبيلها فقط أن تنتصر لطفولتها المفتقدة وللمرأة الضائعة في مجتمع رجولي. دخلت الشعيبية التشكيل من بابه الواسع، خارج إطار أساتذة الفن القدامى والمحدثين على أنه جرت مقارنة بين أسلوبها وأسلوب اتجاه كوبرا ، في محاولة للوقوف على تأثرها واقتفائها لأثرهم، بيد أنه تبين يقول الدكتورمحمد برادة أنه إذا كانت الشعيبية تلتقي مع جماعة كوبرا في رؤية مشتركة للفضاء «غير الموجود» وفي بعض الأشكال الخطية للرسم، إلا أنه لا تخضع لنفس العقلانية الفكرية، كما أنها تتميز عن فناني (كوبنهاكن وأمستردام وبروكسيل) بغياب النزعة الإرادية المتعمدة لخلخلة التعبير المنظم للفن، وبالموازاة كذلك، تختلف عن الفنان مارك شاغال الرسام اليهودي (1887/1985) الذي كانت رسوماته-هو الآخر- بألوان مائية وزيتية فاتحة وذات خيال خصب وسذاجة،تختلف عن هؤلاء جميعا بكونها--كما يقول الناقد الفني محمد سعود- «لم تتلق تكوينا أكاديميا، وأنها لم تستلهم رسوم الأطفال بل كانت أعمالها عفوية وتلقائية، تنهل من معين أصيل زاخر بالثقافة التراثية، وتجلي شخصيتها وتعكس بصدق واقعها وواقع طفولتها بوجه أخص الذي لم تستطع الفكاك منه حتى بعد الكِبر». تلقت الفنانة نقدا لاذعا موجها لشخصها عبر تلك المواقف المثقفية مذ الستينات التي عرَّضت بطريقتها في التحاور والتعبير عن أعمالها،وفي كون أسلوبها في التشكيل فطري ،وهذا الفن تم التشكيك في شرعيته، بدعوى أن الغرب الكولونيالي هو من يقوم بتشجيعه ويوفر أسباب النجاح ليعيش وينتعش. ومع ذلك استطاعت لوحات الشعيبية الساذجة/الفطرية الرائعة أن تجد لها مكانا بكل أرجاء المعمور. صاغت الشعيبية أسلوبا منفردا خاصا بها، له قواعد إبداعية مبتكرة من اللون والتشكيل، مفتوحا على القراءات والتآويل. اعتمدت المداد الصيني في رسمها على الورق، كما توسلت الصباغة الزيتية على القماش. لم تكن تمزج الألوان على عادة غيرها من الفنانين التشكيليين لاستخلاص لون معين ومميز، بل كانت توظف الألوان، كما هي، مباشرة من العلبة الى اللوحة، وترِد أعمالها الفنية عبارة عن لقطات يشتغل فيها الخط والمساحة اللونية، بتدبيج فرشاتها أحيانا وبأصابع يديها أحايين أخرى دونما تخطيط قبلي (كروكي) ، فهي تنقَضّ على القماش بألوان صافية «تعكس عليها كما يقول الناقد الفني فريد الزاهي الأحاسيس الأنثوية من أجل خلق عالم سحري فاتن طافح بالفرح»، وتترجم عليهاأحلامها وذكرياتها وتجاربها الشخصية في احتكاكها المباشر مع المعيش اليومي ، و«تظل ألوانها المعتمدة-كما يقول محمد برادة- متوهجة تسحر الروح بالروعة الخالصة لتناسقها، »معبرة-كما ترى الفنانة زهرة الزيراوي- عن موضوعات من الطبيعة والأرض والنبتة والمجتمع، ومن جميع مظاهر الحياة العامة بالمغرب». وقدجعلت للوحاتها أسماء من قبيل: قريتي، بنات ورزازات، عاشوراء، المصلى، دار السلطان، بنت بربرية، كناوة، العائلة، موسيقى، مغنية، حداد، بناء، ساعي البريد، الكراب، صلاة الجمعة، السيرك. ينضاف إلى هذه الموضوعات التي تستأثر بحب الفنانة الشعيبية، تركيزها، أيضا على ذكريات الطفولة، كما يقول الناقد الفني ابراهيم الحيسن، هذه الطفولة التي انتُشلت منها انتشالا، إذ تزوجت وهي لاتزال بعدُ طفلة في الثالث عشرة من العمر، وهذا الجرح غائر في وجدانها، و قدانعكس في رسوماتها بكل تلقائية. إن الشعيبية،أو فتاة البادية كما يروقها أن يُنَادى عليها،أو الأخت الصغرى لبيكاسو كما يحلوأن ينادي عليها الغرب من خلال جورج بوداي المندوب العام لبينال باريس 1978 ،قد عرضت إلى جانب أعمال عمالقة الفن التشكيلي على شاكلة Appel;Corneille;Constant; Gaston Chaissac;Augustin Lesage;Adolf Wolfli;Fillaud و استطاعت أن تسترعي انتباه كثير من أجيال النقاد الأجانب أمثال بيير كودبير و جورج بوداي ..وفي المغرب،نستحضر الأستاذة فاطمة المرنيسي التي خصصت لها عملا أتوبيوغرافيا شيقا تُرجم إلى عدة لغات و الناقد الفني عبد الله الشيخ الذي يعد مرجعا خاصا عن الفنانة الذاكرة الشخصية والاجتماعية والثقافية والناقد الفني ابراهيم الحيسن والفنان أحمد جاريد والفنان أحمد سعود.. ولقد قر عزم رواق «لوفط» بالدار البيضاء أن لا يعرض أعمال الفنانة الشعيبية فحسب، ولكن ايضا مقالات وملصقات.كما رافق هذا الافتتاح ديوان للفنانة تحت عنوانCHRAIBEISQUE هذا العمل يسهر عليه كل من الأستاذ Verrier Michel Barbault وتوطئة الكاتب المغربي الكبير الطاهر بنجلون.