بداية أود توضيح منطلقاتي: لا نتقن نحن المغاربة لا الدارجات ولا أية لغة تعلمناها، وبالتالي لسنا متمكنين من استخدام أداة التلقي والتفكير السليم ثم التفاهم. فلا العربية لغة نتقنها إلى حد استعمالها بطلاقة في كل مناحي حياتنا، ولا دارجاتنا المتعددة مستعملةٌ لدينا للتعبير عن كل المواقف، ولا الفرنسية لغة متداولة بإتقان لدى نخبنا مهما كان تكوينها. بإيجاز: لا نتقن الدارجات الجهوية التي لا نَحْوَ ولا قواعد لها مضبوطة ولا نحن متمكنون بما فيه الكفاية من اللغات المقننة ذات القواميس المتطورة والمراجع الثرية. فكفاءاتنا ومعارفنا هزيلة لأننا لا نتقن استخدام أي ملعقة. انطلاقا من واقعنا وميراثنا الشخصي هذا لا نتقن تلقين أبنائنا أي لغة في الصبا، وبالتالي نجدهم ونجد أنفسنا مبعثرين نُلَخبِط ونتلعثم ولا نتقن استعمال أداة أساسية لتلقي المعرفة وللتواصل الناجع. لذا لا نتحكم نحن المغاربة في لغة مشتركة ثرية برصيد أنتجته الأجيال السابقة. ولا حاجة لإلقاء اللوم على أجدادنا العرب والأمازيغ عوض النهوض للعمل لاستدراك ما فاتهم وفاتنا. أعتقد أن إلقاء اللوم على الآخرين، على القدامى أو على جيراننا من المعلمين أو الأساتذة أو المسؤولين السياسيين أو الإداريين إلخ، ما هو إلا تهرب من مسؤولياتنا الفردية كمواطنين. فانعدام المسؤولية المتفشي والمتوارث عندنا جميعا هو السبب الرئيسي، حسب رأيي، لكارثية وأزمة واقعنا. لم نعقد العزم بعدُ على تغيير ما بأنفسنا لإعادة النظر بما نردده من خطاب ولا على تجديد تحليلنا للواقع كي نقوم بالتغيير المرتقب. ولقد علمتنا التجارب التاريخية أن القدر يستجيب لكل شعب يريد الحياة الكريمة ويتحمل أفراده مسؤولياتهم الشخصية أولا ليتراكم ذلك القرار الفردي ويصبح جماعيا شاملا. فلماذا لا نقرر اليوم (اليوم اليوم وليس غدا، كما غنت فيروز) تلقين لغة حديثة ومكتملة وثرية من كل الأوجه لأبنائنا؟ لم لا نقرر أولا إتقان التربية اللغوية لأطفالنا بالمنازل أولا كي نُهيئ للآخرين جيرانا ومواطنين صالحين؟ لماذا نتوكل ونلقي اللوم دائما على من هم (أو ما هو) خارج إرادتنا، على الأحزاب، على الأجانب أو على من نود اعتبارهم خونة أو متربصين بالوطن أو مستغلين للدين؟ ما هذا كله، في نظري، سوى مراوغة للتنصل من مسؤوليتنا الشخصية. قبل قراءة تعليقاتكم أتوقع أن هنالك من سيشير بسبابة الاتهام لأمثالي من "الأعراب" أو "المستعربين"، وفي الوقت نفسه من "المدجنين" من طرف فرنسا. وسيذكرنا آخرون أن العربية لغة لم تشارك في إنتاج علوم حديثة ولم يُترجِم أهلها (رغم ثرائهم المادي منذ السبعينات على الأقل) سوى اليسير من العلوم الرصينة ومن التقنيات الملازمة للحياة الحديثة. أعترف لكم بهاته الحقيقة المرة: نحن مستخدمو العربية، شرقا وغربا، لم ننتج بعد أي أبحاث ترقى لمستوى العالمية بهاته اللغة. ظلت العربية كما كانت متميزة بعلوم الغيب ومتفوقة في الإلمام بسماواته السبع طباقا وعالمه المنغلق الذي لفته وطمسته أفلاك القرون الوسطى. لكننا (أنا وأنتِ وأنتَ، قراء العربية) لم نشارك بعد بواسطتها في إنتاج علوم الفضاء الرحب الذي يعج اليوم بأقمار صناعية نقتني تقنياتها من الشرق الأقصى أو من الغرب غير العربي. ولنصارح أنفسنا: ليس المشكل كامنا في اللسان أو الملعقة، أي في اللغة العربية، وإنما في فشلنا وعدم إتقاننا للعلوم والتكنولوجيا، لا بالعربية ولا بالأمازيغية ولا بأي لغة أجنبية. ما الأداة سوى أداة. أما مستخدموها فهم المسؤولون عن تطويرها وتطويعها وإثرائها عبر استخدامها في المعاملات اليومية، وليس بالبكاء والنحيب على الأطلال أو على واقع الحال. فلا الأمازيغية ولا العربية ولا الفرنسية محدودات الأفق والمقدرات وإنما أذهاننا وتصرفاتنا. فعدم إتقاننا لأعمالنا وعدم الاهتمام بتربية أبنائنا على إتقان كل شيء، منذ الطفولة، هو سبب تخلفنا عن الركب. لن يفيدنا تغيير لغة تعلمينا في شيء إن لم نتقن ما نتداوله باللغة التي اخترناها (أو اختارها برلمانيون لنا)، سواء كانت عربية أو أمازيغية أو فرنسية أو أمريكية. المطلوب بإلحاح هو إتقان اللغة ليس بالمدرسة أو الروض فحسب، بل ابتداء من مهد أبنائنا. “Bonjour le nouveau-né marocain