يتواجد دوار ميزاضن على بعد حوالي 2.5 كيلومتر فقط من بلدية أزيلال، إلا أنه ينتمي إداريا إلى جماعة تامدة نومرصيد، التي ماتزال تقاوم الظروف الطبيعية القاسية، وتتلمس طريقها إلى التنمية. أول ما يثير انتباه الزائر إلى دوار ميزاضن، طريق صعبة الولوج، وخزان مائي ذو لون أبيض، وعشرات العلب البلاستيكية، وأطفال من مختلف الأعمار، ضمنهم من يحمل عبوته البلاستيكية في انتظار وصول دوره للتزود بالماء وعمره لم يتجاوز الخمس سنوات، إلى جانب عدد من الرجال، البعض منهم يجلس القرفصاء والبعض الآخر يقف شامخا شموخ جبال الأطلس رغم ضنك العيش. ما يؤلف بين سكان دوار ميزاضن هو الفقر والعوز، والصمت الناطق بالحلم المفجوع بالوعود والانتظارات، وتعبيرات مختصرة، يشهد منطوقها عن سنوات العقم السياسي والزمن المفعم بالألم واليأس، وتكشف دلالتها أن الإصلاحات الترقيعية لا يمكن أن ترفع من سقف التنمية المحلية. ثنائية الماء والكهرباء مطلب بطعم الاستقرار في العديد من دواوير أزيلال التي تبكي حظها من سياسات الوعود لا شيء تغير، وميزاضن القريب من ساحة ديناصور الملايين، من بين الدواوير التي وُلدت بشكل قيصري على مرأى ومسمع من السلطات، وظلت خارج زمانها، في كل صباح تنتظر بعين الأمل شاحنة "سر الحياة" التي تأتي باكرا لملء الخزان بالماء، بهديرها المعروف لدى كل قاطني الدوار. "هذا الماء لا يكفي، إننا نستعمله للشرب والغسيل وإرواء المواشي وما إلى ذلك... لا شيء نملكه. لا وجود لأي شيء"، "آه ما كاين والو.. الطريق محفرة والماء لا يكفي والضوء ما كايناش واحنا مخدامينش"، جمل تكررت على ألسنة كثير ممن التقت بهم هسبريس، والمشهد نفسه لا يحتاج لأن يشهد أحد على مرارة وضعه، منازل إسمنتية عشوائية بلون قاتم، نوافذ بعضها مغطى بقطع من البلاستيك، وأمامها أفران من تراب، وشجيرات تتمايل من العطش، وبضعة مواشي، وأعداد من الحمير من بين مهامها السقي، وبالقرب من الخزان كانت عربة ذات عجلة وحيدة أصابها التلف وانهكت حالتها وطفلة تحمل عليها عبوات خاصة بسقي الماء. يقول السعودي محمد، بصوت خافت وعيون شاخصة بالعشرات من الأسئلة المقلقة: "حنا كل واحد منا جاء من مكان آخر واستقرينا هنا، لكن ما كاين والو، لا طريق لا ماء لا ضوء لا شغل، نعتمد على تربية الماشية من دجاج وماعز وأغنام، إلى جانب الرعي، لضمان العيش، البعض منّا يتسول، والبعض الآخر يبحث عن شغل كيف ما كان نوعه، أما أولادنا فالقليل منهم من يلج المدارس". ويقول عبد الكريم آيت بلال، ناشط جمعوي من أبناء المنطقة: "ما يعرفه دوار إمزاضن من تهميش وإقصاء لا يختلف عن العشرات من القرى النائية بأزيلال، التي نأمل أن تتلمس طريقها إلى التنمية، وأن يغير المسؤولون من سياستهم تجاهها لضمان أبسط شروط العيش الكريم"، إن انعدام كل شروط الحياة بالدوار يخلف استياء في صفوف الساكنة ويتسبب في الهدر المدرسي. طرق مهترئة "ليس الماء وحده ما يؤرق ساكنة ميزاضن"، يقول آيت بلال، فالدوار، وكما لاحظت هسبريس، يحتاج إلى إصلاح الطريق الرابطة بينه وبين المدينة من أجل تسهيل وصول العربات والسيارات، والتخفيف من محنة الساكنة التي تتضاعف في فصل الشتاء، ما يجعلها منعزلة عن المحيط. وتتضح أهمية الطرق بقرى الجبل، يقول آيت بلال، "عندما يصاب أحد الأشخاص بوعكة صحية أو عندما تقع بعض الحالات الحرجة، خاصة في الظروف الصعبة من موسم الشتاء، حيث يجد السكان صعوبة في التنقل على ظهر الدواب، كما تجد سيارة الإسعاف صعوبة في الولوج إلى الدوار، ما يجعل بعض الحالات تنتهي بفواجع مؤلمة، كما حدث من قبل لحوامل تعرضن لنزيف قاتل". ويضيف آيت بلال: "هذه الساكنة تعاني من كل شيء، ليس هناك أي مؤشر تنموي يضمن ظروف العيش الكريم لأسرها الهشة، فالكهرباء والماء والطرق التي تعتبر من أساسيات الحياة تغيب عن الدوار، وأقرب منبع مائي يتطلب الوصول إليه قطع مسافة طويلة، ما يستدعي توفير دواب لجلب الماء، الأمر الذي يفوق طاقة بعض العائلات المعوزة التي ليس لها أي مدخول قار". من جانبه، يقول آيت عطا ناصر، وهو من ساكنة الدوار: "نلتمس من المسؤولين يشوفو من حالنا (...) إننا نعيش ظروفا صعبة، وكلما انتهت مياه الخزان زادت محنتنا أكثر. إن الوضع سيزداد صعوبة، فالأولاد يكبرون، وأفراد الأسر يتكاثرون، ما يعني أن معاناة الدوار ستكبر ما دامت حاجة السكان إلى الماء ستزداد أيضا". عمق الأسى .. أو حينما يبكي الرجال من أشد الحالات فقرا وعوزا التي التقت بها هسبريس، والتي تشهد على هذا الواقع الهش بالدوار الذي بات يسائل المسؤولين، رغم ما ناله من انتقادات وتعاليق حبلت بها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بفيسبوك، حالة أسرة المهدي إسمويا، الذي يقطن بميزاضن بين جدران اسمنتية تفوح منها رائحة الفقر المقذع، ويشهد عليها شاب في وضعية إعاقة، لم يتجاوز عقده الثاني، يجلس على كرسي متحرك مترهل، منتظرا ما يغنمه والده الذي يعاني هو الآخر من إعاقة على مستوى اليد. تقول والدة الشاب ذي الإعاقة التي لا تتكلم إلا الأمازيغية: "نحن ثمانية أفراد، ضمنهم إبني المريض، لا نتوفر على شيء سوى هذا البيت (...) زوجي يبيع الماء أحيانا وأحيانا أخرى يتسول". وبعد آهات وزفرات حادة، وبعينين يملؤهما الحزن القاتم والألم الدفين، نظرت إلى ابنها في وضعية إعاقة وقالت: "نريد المساعدة، نريد المساعدة، يرحم ربي الوالدين، يرحم ربي الوالدين". وللمجلس الجماعي رأي من جانبه، أكد لحسن آيت إصحا، رئيس جماعة تامدة نومرصيد، في اتصال هاتفي بهسبريس، وجود صعوبات في الاستجابة لكل مطالب الساكنة بتراب الجماعة بالنظر إلى خصوصيات المنطقة الصعبة، ومحدودية المداخيل مقارنة مع ارتفاع تكلفة المشاريع. وذكر آيت إصحا أن "المجلس الجماعي وضع من ضمن أولوياته ربط دوار ميزاضن بالكهرباء والماء الشروب، وذلك في إطار اتفاقيات شراكة مع بعض المتدخلين في التنمية المحلية، خاصة المجلس الإقليمي"، مشيرا إلى أن ذلك سيكون خلال الشهور القليلة المقبلة. وقال المسؤول ذاته إن "مجلس تامدة نومرصيد لا يتوانى في بذل المزيد من الجهود من أجل الرفع من وتيرة التنمية المحلية، إلا أن جهوده غالبا ما تصطدم ببعض الإكراهات التي تفوق الإمكانات المتاحة للجماعة، والتي تبقى غير كافية لتدبير كل الحاجيات الضرورية التي غالبا ما تحول دون تحقيقها تضاريس وشساعة المنطقة وتكلفة المشاريع وقلة المتدخلين"، على حد تعبيره.