منذ سنة 2015، حوّلت حياة برحو بيتها الصغير في مدينة سلا إلى ملجأ تأوي إليه المهاجرات الآسيويات الهاربات من بيوت مشغّليهن بسبب سوء المعاملة، ويوفّر لهن المأكل والمشرب إلى حين عودتهنّ إلى بلدانهن الأصلية. تشتغل حياة برحو ممرضة في المستشفى الإقليمي بمدينة سلا، وتبذل قصارى جهدها للتوفيق بين التزاماتها المهنية وبين عملها التطوعي كمساعدة للمهاجرات الآسيويات اللواتي يشتغلن عاملات منازل لدى الأثرياء بالمغرب، وغالبيتهن من الفلبين. أضحى تشغيل النساء القادمات من آسيا في بيوت الأثرياء والطبقة الوسطى في المغرب "ظاهرة" خلال السنوات الأخيرة، ويعود سبب ذلك إلى كون المشغّلين يستغلون هؤلاء المهاجرات للقيام بأشغال البيت وفي الآن نفسه تلقين أبنائهم اللغة الإنجليزية لأنهن يتقنّ الحديث بها. اشتغلت حياة برحو مناضلة في جمعيات ونقابات عمّالية قبل أن تقرر تأسيس "هيئة التضامن مع المهاجرين الآسيويين" سنة 2015، بعد أن لاحظت تزايد أعداد المهاجرات الآسيويات اللواتي يتعرّضن لمختلف ضروب سوء المعاملة، التي تصل حدّ التعذيب الجسدي والنفسي والاحتجاز والحرمان من الأجر. يتم استقدام المهاجرات الآسيويات اللواتي يشتغلن في البيوت إما عن طريق التواصل المباشر بينهن وبين المشغّلين عبر الأنترنت، ويدخلنَ المغرب بتأشيرة سياحيةٍ محدودة الصلاحية، أو عن طريق وكالات تشغيل غير قانونية، توظفهن بعقود غير مصادق عليها من طرف الحكومة، وفي كلتا الحالتيْن تجد المهاجرات أنفسهن في وضعية قانونية هشّة. "كريستينا"، مهاجرة فلبينية قَدمت إلى المغرب لتعمل خادمة في بيت إحدى العائلات بمدينة الدارالبيضاء، قضت مدّة عام في بيت مشغّلها ذاقت خلاله مختلف أنواع الاستغلال، من تجويع وضرب واحتجاز داخل البيت لمدة ستة أشهر، وحين انقضى صبرها هربت عن طريق رمي نفسها من نافذة البيت. أصيبت برضوض في يدها لكنّها أفلحت في الهرب، ولجأت إلى بيت حياة برحو، بعد أن دلّتها عليه صديقات لها سبق لهن أن لجأن إليها بعد هروبهن من بيوت مشغّليهن. تقول حياة برحو: "كل ما أستطيع أن أفعله لصالحهن هو أن آويهن وأوفر لهن المأكل والمشرب، ومساعدتهن على إيجاد عمل آخر، أو توفير تذكرة السفر إلى بلدانهن الأصلية عبر التعاون مع مكتب المنظمة الدولية للهجرة (OIM)، بالنسبة للواتي يفضلن مغادرة المغرب". تتدبر حياة برحو مصاريف إيواء المهاجرات اللاجئات في بيتها من ميزانية أسرتها الصغيرة، ولا تلجأ إلى طلب مساعدة المنظمات الأجنبية إلا في حالة الضرورة، وتتفادى طلب دعم الجهات الحكومية المغربية، "لأننا إذا حصلنا على دعم من الحكومة سنفقد استقلاليتنا"، يقول زوجها. يعيش الزوجان رفقة ابنتهما مع المهاجرات اللاجئات إلى بيتهما كأفراد أسرة واحدة. يتناولون وجبات الطعام على مائدة واحدة، ويخوضون في أحاديث باللغة الإنجليزية، أما ابنتهما اليافعة فقد تعلمت اللغة الفلبينية من المهاجرات الفلبينيات لكثرة معاشرتها لهن، وأصبحت تتحدث بها بطلاقة. لا ينتهي مسلسل معاناة المهاجرات الآسيويات الهاربات من بيوت مشغليهن بلجوئهن إلى "هيئة التضامن مع المهاجرين الآسيويين"، بل إنّ الهروب ما هو إلا بداية معاناة من نوع آخر. أغلبهن يَصرن في وضعية غير قانونية بعد انتهاء مدة تأشيرة الدخول إلى المغرب، وتُحجز جوازات سفرهن من طرف مشغّليهن أو من طرف وكالات التشغيل، ما يجعلهن بحاجة إلى من يرافقهن إلى المحاكم، ويتدخّل لهن لدى مصالح وزارة الداخلية المغربية لاستصدار وثيقة تسمح لهن بمغادرة التراب المغربي. هذه المهمة تقوم بها حياة برحو. لا يكف هاتفاها عن الرنين، ولا تملّ من الرد على المكالمات الواردة من المهاجرات الآسيويات الباحثات عن المساعدة، وتذهب بنفسها إلى محطة القطار لاستقبالهن، ثم ترافقهن إلى بيتها. تفعل ذلك بابتسامة طفولية لا تفارق محيّاها رغم أنها تعاني من مرض السكري، وحين تسرد عليها إحداهن قصتها مع التعذيب وسوء المعاملة تتنهد وتردد بألم يتجلى على قسمات وجهها: "حسبي الله ونعم الوكيل". حين أنشأت حياة برحو "هيئة التضامن مع المهاجرين الآسيويين"، اشتغل معها بعض المتطوعين، لكن سرعان ما انفضّوا من حولها، لأنّها لا تملك إمكانيات مالية لتخصص مرتّبات لهم، ولم يبق بجانبها إلا زوجها، لكنها أصرّت على مواصلة المشوار، وتؤكد بعزيمة وثقة عالية في النفس أن كفاحها لن يتوقف أبدا، وأنها ستواصل المعركة على جبهة تحرير المهاجرات الآسيويات من الاستعباد.