موجة استقدام العائلات الغنية والثرية للعمالة الأسيوية والإفريقية بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة. جلب هؤلاء يتم لأسباب عديدة من أهمها التفاخر واستغلال الفراغ التشريعي الذي يميز قانون استقدام العمالة الأجنبية إلى المغرب. ليديا وأناليزا وبليا وغيرهن من الخادمات وفدن من الفلبين للعمل لدى الأسر الغنية بالمغرب دون عقود عمل، بل فقط بواسطة تأشيرة سياحية. كن ضحايا الإساءة والتعذيب. جئن بحثا عن لقمة عيش بعيدا عن بلدانهم لمساعدة أسرهن، فتعرضن للأذى والحرمان. اعترافاتهن كانت موضوع شكايات لدى القضاء ضد شبكات متورطة في الاتجار في الخادمات الفلبينيات وعلاقاتها بوكالات أسفار فلبينية. أصل الحكاية لم يكن البوح سهلا. ليديا لم تتجاوز بعد انعكاسات ما تعرضت له من إساءات، خلفت لديها ندوبا مازالت لم تتجاوز آثارها النفسية. حلت بالمغرب بواسطة تأشيرة سياحية عن طريق وكالة للأسفار فلبينية، قامت بإعداد وثائق السفر بالتنسيق مع وسيطة مغربية تدعى « لطيفة » كانت في استقبالها في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء. حين وصلت ليديا إلى المغرب اصطحبتها امرأة تعمل في إطار نفس الشبكة قامت بإيوائها قبل أن يسافرا إلى مدينة وجدة حيث ستشتغل عند صاحب فندق بعاصمة الشرق. بعد أقل من أسبوع سحب المشغل جواز سفرها ومنعها من العودة إلى الفلبين. توجهت ليديا نحو مقر الشرطة التي انتقلت عناصرها برفقتها إلى منزل المشغل ما اضطره إلى تسليمها جواز السفر. عادت ليديا مكرهة إلى منزل المشغل. احتجزها بمسكنه الذي يمتد على 6000 متر مربع وقام بتجويعها مانعا عليها الأكل والشرب، حسب روايتها. لم تدرك ليديا أنها بداية المأساة. ذاقت خلالها شتى أنواع العذاب والاحتجاز. فكرت في الهرب لكن الأبواب الموصدة بجهاز تحكم منعها من تنفيذ الفكرة. اغتنمت فرصة وجود المتخصصة في الترويض وتمكنت من الإفلات. كانت تركض بسرعة كبيرة، لم تتوقف إلا وهي داخل مؤسسة تربوية خاصة. داخل جدران المؤسسة تمكنت أستاذة اللغة الإنجليزية من نزع الخوف الذي تملكها. دون تردد اصطحبتها إلى مخفر الشرطة، حيث تم استدعاء صاحب الفندق الذي سلم للشرطة جواز سفرها. اتصل بلطيفة التي أرسلت السائق وأرجعتها إلى منزلها بحسان. توقفت ليديا عن الحكي للحظات حتى استعادت أنفاسها، واسترسلت في الحديث بارتباك. بعدما أخذت لطيفة جواز سفرها واحتجزتها في البيت، وطالبتها بإرجاع 4000 دولار إن أرادت استعادة جوازها. أثناء ذلك اتصلت بعائلتها بالفلبين ومنحتها مهلة أربعة أيام كي يبعثوا لها 1000 دولار ثمن تذكرة السفر. استمر التهديد والوعيد. استحوذ الرعب والهلع قلب العاملة الفلبينية ، التي اغتنمت فرصة غياب لطيفة لترمي بنفسها من نافذة الطابق الثاني إلى شرفة الجيران بالطابق الأول. كان هول المفاجأة كبيرا حين لمحوا الدماء. من شدة الخوف هرعوا نحو الباب لمساعدتها على الهرب. ركضت نحو الشارع تائهة ترتعش رعبا. ما أن لمحت سيارة أجرة صغيرة حتى أوقفتها وارتمت بداخلها وهي تنزف دما. أشفق عليها السائق والراكبة وأقلها إلى مستشفى مولاي عبد الله بسلا. وبما أنها لا تتقن سوى الإنجليزية، فقد عجز الممرضون عن التواصل معها. حاولوا ربط الاتصال بزميلة لهم تتقن لغة شكسبير. لم تكن الممرضة سوى حياة برحو رئيسة جمعية نساء ديمقراطيات وعضوة المكتب الوطني للمنظمة الديمقراطية للشغل، فذهب الجميع إلى مقر المنظمة بالرباط. انطلق البحث الذي أفضى إلى تحديد منزل « لطيفة » بحسان. مباشرة بعد ذلك تم الاتصال بالشرطة، وتم رفع دعوى استعجالية لدى وكيل الملك بابتدائية الرباط. في هذه الأثناء سلمت حياة رسالة للجيران تدعو فيها لطيفة إلى إعادة جواز سفر ليديا. بعد ذلك بأسبوع فوجئ أعضاء المنظمة بسيدة تدعي أنها لطيفة تركت جواز سفر ليديا بمقر المنظمة وغادرت مسرعة. بسلا التقت ليديا امرأة بريطانية، مدت لها يد المساعدة. اصطحبتها نحو مخبئ الخادمات الفلبينيات اللواتي اعتصمن بالكنيسة. حرارة اللقاء سرعان ما تبددت، وحلت محلها الأسى والحزن. تجاوز عددهن 15 خادمة كانت القصص تتشابه في التفاصيل والمعطيات. رددوا نفس اسم الوسيطة «لطيفة» التي قامت باستقدامهن إلى المغرب بالتواطؤ مع وكالة أسفار فلبينية. حينئذ بدأت تنكشف أول خيوط شبكة الاتجار في العاملات الفلبينيات. شبكة دولية لتهجير العمالة الأجنبية شبكة الاتجار في الخادمات كان يتزعمها مغاربة، يربطون علاقات وطيدة بوسطاء في الفلبين يسهلون عملية تهجير العاملات الفلبينيات إلى المغرب. تتكلف وكالات أسفار في الفلبين بوضع جميع الترتيبات الخاصة بالتهجير مقابل4000 دولار. القنصل الشرفي للفلبين بالدار البيضاء خوسي ليتو بورتو كشف خلال الندوة التي نظمتها المنظمة الديمقراطية للشغل، أن هناك شبكة دولية يتزعمها مغاربة وفلبينيين متخصصة في الاتجار في العمالة الفلبينية الراغبة في الاشتغال بالمغرب. تستقدم العاملات الفلبينيات من خلال وسطاء بالفلبين. كانت «لطيفة » القاطنة بحسان، التي تنحدر من منطقة الناظور من عائلة ثرية. تربط علاقات قوية مع وكالات أسفار فلبينية. تقوم بزيارات متكررة للفلبين من أجل تقوية علاقاتها مع هذه المؤسسات التي تتكلف بتهجير الفلبينيات إلى المغرب. منذ أكثر من خمس سنوات وهي تقوم بعملية استقدام الخادمات الفلبينيات إلى المغرب. من خلال بيت بحسان ومدينة سلا كانت تعبر الخادمات نحو الأسر الغنية. العاملات الفلبينات كن يدخلن المغرب عبر تأشيرة سفر سياحية تتحول إلى إقامة دائمة دون التوفر على الوثائق القانونية. فمعاناة ليديا أدت إلى اكتشاف مآسي الخادمات الفلبينيات اللواتي كن ضحية شبكة دولية. رغم فضح المنظمة الديمقراطية للشغل بعض تفاصيل هذه الشبكة، مازال التحقيق لم يأخذ مجراه، ليتساءل رئيس المنظمة علي لطفي باستغراب شديد « ماهي الدوافع التي تجعل السلطات لا تحرك مسطرة المتابعة ضد عناصر الشبكة؟». فالخادمات الفلبينيات تم حرمانهن من أبسط الحقوق. كن لا يتمتعن بساعات العمل القانونية ولا الراحة الأسبوعية أوالعطلة السنوية والمرضية. تعملن بشكل سري ولا يتم التصريح بهن خوفا من المساءلة القانونية. حسب ما كشف عنه القنصل الشرفي للفلبين عددهن يقارب 3000 عاملة فلبينية يعملن خادمات للمنازل في ظروف اجتماعية وإنسانية صعبة، يتعرضن لأبشع استغلال، قد يبدأ بالتجويع والضرب والإهانة وينتهي بالاعتداء الجنسي. البحث عن الإلدورادو أناليزا لم تتردد في فتح قلبها والحديث عن الأوجاع. ذات الأربع والثلاثين سنة تركت زوجها وطفلين بحثا عن وضع أفضل. لم تعتقد أن عملها عند جينرال متقاعد وطبيبة جراحة سينتهي باعتداء جنسي، مازالت جروحه جاثمة على قلبها. اليوم كلما همت بالنوم طاردتها الكوابيس بسبب سوء المعاملة. في موطنها الأصلي، اتفقت مع وكالة الأسفار على حصولها على أجر مغر بالإضافة إلى تكفل مشغلها المغربي بأداء ثمن تذكرة السفر. حين حطت الرحال بالمغرب خاب أملها حين امتنع المشغل عن تأدية مابذمته من أجر. أناليزا الأم لطفلين تتراوح أعمارهما مابين16 عاما و10 سنوات، اشتغلت لأكثر من سنتين ونصف بدولة الكويت. لم يكن اختيارها للمغرب بالصدفة. فالأجر المغري وحلم معانقة الإلدورادو الأوروبي عزز الاختيار. كالعادة استقبلتها «لطيفة » بالمطار ، وتوجها نحو مشغلها بحي الرياض. المشغل أدى 3000 دولار للطيفة كعمولة على العملية. في البداية كانت الأمور عادية وطبيعية. فالمشغل وحسب الاتفاق كان يرسل 200 دولار شهريا إلى أسرتها بالفلبين ، ويسلمها في الحين وصولات الإرسال. لكن الوضع سينقلب رأسا على عقب حين أرادت أناليزا الاشتغال بمكان آخر. أشهر المشغل في وجهها ورقة أداء مبلغ 3000 دولار الذي سلمه للطيفة. وأمام عجزها سحبت الطبيبة الجواز من أناليزا. ليتغير الوضع وتتغير المعاملة. طردت أناليزا إلى الشارع. اعتصمت أمام بوابة الفيلا لمدة خمس ساعات. إذاك تدخل المشغل وألحقها ببيت والده. ظلت هناك لمدة شهر دون أن تحصل على الأجرة. لتتم إعادتها من جديد إلى منزل الجنيرال المتقاعد. في 14 من أكتوبر الماضي وبينما كانت الزوجة في عملها ، كانت أناليزا منشغلة بإعداد الطعام. لم تدرك أن العيون تتربص بها. انشغلت بشحن هاتفها الجوال لإرسال رسالة نصية إلى والدتها. إذاك أحكم المشغل قبضته على الهاتف ونزعه بقوة. بدأت تستغيثه ألا يبلغ الزوجة لكنه رفض وتعنت، وانقض على الفريسة ينهش شرفها. كان من الصعب أن تسترسل في الحكي. ساد الصمت وعم الاستنكار. فجأة انهمرت الدموع كجمر حارق. ما كانت تخاف منه أناليزا تحقق. في قمة انشغالها بالطبخ، دخل الجنيرال المتقاعد المطبخ عاريا و حاول من جديد استباحة جسدها. هربت نحو الحمام وأغلقت الباب بإحكام. تبعها وهو يصرخ ، لكن حين تأكد أن الأمر استحال عاد أدراجه. وخوفا من افتضاح أمره انطلق في تهديدها بالسلاح الأبيض وشنقها بحبل. الزوجة هي الأخرى لم تتوان في تعذيبها سواء لفظيا أو جسديا. خلال شهر رمضان الماضي، وبينما الصغير الذي لم يتجاوز عمره الثلاث سنوات يبكي بكاء شديدا. إذا بالزوجين ينتفضان في وجه أناليزا بشدة. حينها أدركت أناليزا أن موعد الرحيل قد حان. اتصلت بصديقتها التي أبلغت القنصل الشرفي، ثم انضمت بعد ذلك إلىالعاملات الفلبينيات اللواتي فجرن المسكوت عنه في الندوة الصحفية التي نظمتها المنظمة الديمقراطية للشغل. بلياالضحية الثالثة، ما كان يرعبها هو التهديد. فبعد الندوة الصحفية بدأت تتوصل بمكالمات تحمل التهديد بالقتل. إذاك تملكها الذعر الذي لم يتبدد إلا بعد أن تلقت التطمينات من طرف الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل علي لطفي. استرسلت في الكلام بعد أن كفكفت دموعها. كانت «كوني» الوسيطة الفلبينية المتزوجة بلبناني هي التي سهلت عملية استقدامها إلى المغرب. كانت تظن أن المغرب سيفتح لها أبواب الحياة من جديد. كانت المرأة النحيفة تعيش حياة صعبة في البداية كان كل شيء على ما يرام. لكن المعاملة القاسية قلبت حياة بليا. كان عليها أن تهرب من جحيم لطيفة التي أقسمت على قتلها إن هي فكرت في التبليغ عنها. تركت كل ما تملك وغادرت هاربة. احترفت التسول والاستجداء. خلال رحلتها التقت بليا بإيدن الفلبينية التي تشتغل عند إحدى الأسر المعروفة في المغرب. اشتغلت عندهم بمبلغ وصل إلى 3000 درهم. بداية حياة جديدة سرعان ما تحولت إلى جحيم. ما أن علمت الخادمة المغربية أن أجرة بليا تفوق بالثلث ما تتقاضاه حتى أعلنت الحرب. الخوف من المواجهة دفعها إلى التزام الحذر. لكن لا شيء لم يتغير. بليا لم تستسلم ،بل رفعت سلاح المقاومة. تحدت الظروف القاسية وعملت كخادمة بدوام يومي في حي بئر قاسم بطريق زعير. لا يهمها ما تتجرعه من آلام لكن ما ترغب فيه هو تحسين وضعها الاجتماعي كي يتمكن ابنها من متابعة دراسته الجامعية ، وأن يتابع عناصرالشبكة المختصة في تهجير العاملات الفلبينيات. سعاد شاغل/ت: وراق