محكمة سلا تقضي بالحبس موقوف التنفيذ في حق 13 ناشطًا من الجبهة المغربية لدعم فلسطين بسبب احتجاجات    تعيين أنس خطاب رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة في سوريا    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1500م من السبت إلى الإثنين المقبلين    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    "البام" يشيد بمقترحات مدونة الأسرة    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    "منتدى الزهراء" يطالب باعتماد منهجية تشاركية في إعداد مشروع تعديل مدونة الأسرة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    نظام أساسي للشركة الجهوية بالشمال    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    هجوم على سفينة روسية قرب سواحل الجزائر    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    مقتل 14 شرطيا في كمين بسوريا نصبته قوات موالية للنظام السابق    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف أصل منظرو العدالة والتنمية لقناعاتهم الديمقراطية؟
نشر في هسبريس يوم 24 - 12 - 2011


إهداء إلى ضمير الأستاذ عصيد
منذ النجاح الذي وصف بالكاسح – حتى من قبل بعض الخصوم – لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية ل25 نونبر الفارط، بات على ما يبدو من قدر المغاربة المحتوم أن يطْلع عليهم – وبصفة محمومة بعض من أصابهم رهاب فجائي عنيف من كل ما يمت إلى الدين أو التدين بصلة، من باب كل ما يأتي منه الريح – في أهم الوسائل المشكلة للرأي العام الوطني من قنوات تلفزية ومواقع إلكترونية، فصار مثلا حضور الأستاذ عصيد – كمثقف علماني و مناضل أمازيغي متشدد على المستويين معا – جزءا من النقاش الذي بات يطبع المشهد الإديولوجي والسياسي الوطني، لدرجة أن الرجل أصبح يكرر نفس الخطاب حتى على مستوى الجمل المصاغة و الأمثلة المزجاة في مناسبات غير متطابقة وبينها فوارق شاسعة من حيث المقام كالفرق بين البرنامج الحواري التلفزي ومقال الرأي المنشور في الصحافة الإلكترونية.
الأستاذ عصيد تعمد غيرما مرة في حربه الضروس التي أعلنها من جانب واحد ضد إخوانه في الوطن وغيرهم من الإسلاميين أن يستعمل الأسلوب الأكثر إفلاسا في المعارك التشهيرية والتأليبية للأسف، هذا الأسلوب الذي ليس سوى طريقة " ويل للمصلين"، فذهل المراقبون وهم يرونه يعمد إلى محاولة تقييم فكر طود عظيم كالشيخ يوسف القرضاوي – الذي ألف ويؤلف منذ عقود عشرات الكتب التي تشكل لوحدها مكتبة من طراز فريد و الذي يعد من مجددي هذا القرن باتفاق كثير من علماء المسلمين – ، أو بعض قادة العدالة والتنمية في المغرب من خلال جملة واحدة قالها أحدهم عبر اقتطاعها من سياقها والزج بها في أتون مغالطات للرأي العام ليس الغرض منها سوى محاولة التضليل وتأليب بعض الجهات على فكر ونوايا الإسلاميين عموما والمغاربة منهم خصوصا، وللإشارة فإن هذا المقال لا يأتي هنا من قبيل مقالات الردود التي تستجلب إبطال دعوى لمُدّع بالغوص في الشوائب المتضمنة في ثنايا مقولاته، ذلك أن ما يذهب إليه الأستاذ عصيد – مع احترامنا المبدئي طبعا لحقه المواطني في الاختلاف – ليس فيه حتى ما يستحق ذلك، بل ندعوه فقط إلى أمرين بسيطين اثنين:
أولا: أن يحذو حذو رفيقه في الفكر، المناضل العلماني التونسي المحترم، السيد المنصف المرزوقي – الذي انتخب مؤخرا رئيسا مؤقتا للجمهورية التونسية من قبل مجلس تأسيسي ذي غالبية من منتخبي حركة النهضة الإسلامية المتنورة – حيث صرح في لقاء خاص مع قناة الجزيرة باحترامه الكبير لفكر إسلاميي وطنه، لسبب بسيط هو أنهم "قرؤوا لنا وقرأنا لهم"، بل ذهب بعيدا في روحه الرياضية/الديمقراطية عندما لم يستنكف عن وصف الشيخ راشد الغنوشي بالإسلامي الحداثي، فهل يدور بخَلَد الأستاذ عصيد أن يكون إسلاميّ يوما ما حداثيا ولو بمعنى ما من معاني الحداثة؟ وهل قرأ يوما ما بجدية "الباحث الموضوعي عن الحقيقة" لأقطاب الفكر الإسلامي في وطنه أو في غيره؟
ثانيا: أن يتسع صدره لإلقاء نظرة في مايلي من هذا المقال عله يفتح فيه شهية الباحث، أو يوحي إليه ببعض الأفكار الهادية أو المراجع الموجِّهة، حول قصة طريفة ربما لم تمر يوما بالقرب من سمعه، قصةِ قسم من إسلاميي وطنه كيف أصّلوا على مدار العقود الأخيرة لقناعات ديمقراطية مؤسسة على مرجعية أصيلة وفكر مستنير ناظم:
فبوضوح كبير، يتبدى مبدأ التغيير السلمي ببعده الحضاري الذي تتبناه حركة التوحيد والإصلاح ومعها حزب العدالة والتنمية من خلال الخيار الديمقراطي الذي بات منظرو التنظيمين يرفعونه شعارا منذ عقود، « فما ثقافة التوافق والتراضي التي تكرست في فكر وممارسة الحركة بولوج العمل السياسي عبر حزب الخطيب (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سابقا حزب العدالة والتنمية حاليا) إلا نتيجة ذلك التطور الكبير في تصورها لقضية الديمقراطية» (1)، ويتجلى ذلك في « التحول نحو الاندماج والقبول بالآليات الديمقراطية الإجرائية رغم التحفظات التي تبديها أدبيات التنظيم حول خلفيات مفهوم الديمقراطية التي تحبل بها المنظومة الثقافية الغربية» (2). فهذا التحول الذي توج بالتنسيق واندماج بعض رموز الحركة في قيادة حزب العدالة والتنمية، جاء عبر خطوات متتالية من تغيير الرؤية إلى العمل والمشاركة السياسيين، انطلقت من النظرة السلبية الطهرانية للسياسة وصولا إلى دخول الانتخابات التشريعية.(3).
بيد أن تلك المراحل التي مرت منها الحركة ثم الحزب في بلورة موقف واضح من مسألة الديمقراطية لم تخرج قط عن خطهما في صياغة المواقف في القضايا الجوهرية المتمثل في منهج التأصيل، إذ من أهم وأوضح ما يعبر عن التأصيل للخيار الديمقراطي في هذه الحالة هو ما عبر عنه محمد يتيم بقوله في مقال له في مجلة الفرقان بعد أن رصد الأسس العقدية والتشريعية والأخلاقية للديمقراطية في الإسلام: «... الحقيقة الثالثة تتعلق بضرورة تحديد الهدف البعيد من العمل الإسلامي عامة ومن المشاركة السياسية عبر الخيار الديمقراطي، وإن التمكين السياسي الإسلامي لهو ثمرة يفرح لها المؤمنون ويحبونها. وقبل التفكير فيه وجب التفكير في تحقيق شروطه وعلى رأسها أن يرجع إلى الأمة بمختلف شرائحها الرضى بحاكمية الشريعة والاستعداد للتحاكم إليها، وإن تراجع حكم الشريعة واستبعاد سلطانها لم يكن فقط قرارا سياسيا فوقيا وإنما يعكس تحولا عميقا مس الإنسان المسلم في بنائه الفكري والنفسي والأخلاقي ومنظومة القيم المحددة لآماله وطموحاته ونظرته للحياة وأولوياتها. تبعا لذلك فليس شرطا من أجل أن نحكم بنجاح الخيار الإسلامي الديمقراطي أن يصل الإسلاميون بذواتهم إلى الحكم، ولكن أن تتقدم قضية الإسلام في المجتمع. إن مقاييس النجاح ينبغي أن يُنظر إليها في علاقتها بما أفسحه الخيار المذكور من إسماع لصوت الدعوة وكسبها لقلوب ومواقع ما كان لها أن تكسبها لو أنها راهنت على خيار الرفض والعزلة. ولكننا حينما ننظر إلى النجاح الإسلامي بمقاييس التمكين السياسي وحدها فإن الصورة تضطرب والتقدير يختلف.
على الحركة الإسلامية في نظرنا أن تتبنى الخيار الديمقراطي بصدق. ولا ينبغي أن يمنع من ذلك التخوف من قيام أحزاب لا دينية أو إلحادية تقترح برامج أو مبادئ تتناقض مع شريعة الإسلام، لاعتبارات عدة نذكر منها مايلي:
إن الأحزاب العلمانية واللادينية هي أمر واقع الآن وهي التي تستفيد مما تسمح به الأوضاع الديمقراطية من فسح من أجل ترسيخ مزيد من العلمنة على جميع المستويات، في حين أن المستثنى من الاستفادة منها هو الاتجاهات الإسلامية، ومن ثم فالاعتراض على التعددية هو اعتراض على حق الذات في الوجود السياسي ليس إلا، ولا بد أن يراعي الخطاب الإسلامي هذا الواقع. »)4).
تأصيل حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية لخيارهما الديمقراطي يعتمد أساسا على فقه الموازنات ومبدأ المصلحة والمفسدة، ولذلك نجدهما يعتمدان في إقرارهما التعددية السياسية إضافة إلى ما جاء على لسان قياديّهما البارز محمد يتيم على ثقتهما في الثقافة الدينية العميقة للمجتمع المغربي، ذلك أن الحركة تنطلق من مسلمة تعتبرها واقعية مفادها أن الشعب المغربي: « حريص على عقيدته ومبادئه ونظامه الذي يستمده من رسالة الإسلام. » (5).
ويبقى أن الحركة والحزب وإن استطاعا أن يؤصلا للخيار الديمقراطي في المرحلة الراهنة، إلا أن ذلك لم يمنع بعض رموزهما (6) من المطالبة بإقرار بعض التعديلات الدستورية التي تطرح إمكانية تطوير الممارسة الديمقراطية في المغرب؛ يقول محمد يتيم في هذا الصدد: « غير أن ذلك لا ينفي أن للحركة مطالب تتعلق بإصلاح الأوضاع الدستورية للمملكة وإصلاحها في أفق يحقق توازنا في السلطات وفي الواجبات والحقوق التي هي للحاكمين والمحكومين وعليهم. ولذلك فإن مسألة الإصلاح الدستوري والسياسي تبقى في منظور الحركة مسألة قائمة دوما على جدول الأعمال حتى أعلى صورة ممكنة من الحكم الراشد. » (7)؛ كما لم يمنعها ذلك أيضا كحركة، من المطالبة باستمرار بتضمين مبدأ أولوية وأهمية الشريعة الإسلامية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إذا كانت حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية يؤصلان للخيار الديمقراطي انطلاقا من مبدأ المصلحة والمفسدة أساسا، فإن تأصيلهما ذلك يستند بالأساس كذلك إلى النسيج العقديّ والتشريعي والأخلاقي للإسلام، ومكانة الإنسان داخله (8)؛ و إذا كان تطبيق مبدأ الشورى « يخضع للتطور و الاجتهاد بقدر ما يحقق المصلحة والخير وتعزيز مصلحة الأمة والشريعة والإسلام في صورة أفضل وأتقن» (9)، فإن من أبرز خصائص الديمقراطية حسب محمد يتيم أنها « ليست واحدة وإنما تسمح بتعدد يمَكّن من صبغها بصبغة ثقافية محلية، فمن مقتضيات الديمقراطية ذاتها احترام الخصوصيات الثقافية. » (10)؛
أما الرئيس السابق للحركة د. أحمد الريسوني فيعتبر أن الديمقراطية: « أصبحت اليوم تمتلك رصيدا غنيا بالتجارب التطبيقية وبالأنماط التنفيذية، وبثروة تشريعية هائلة، يمكن لأي دولة أو جماعة أن تجد فيها ما يفيدها ويناسبها ويختصر عليها مسيرة التطوير والتحديث. وهو مجال متروك عندنا في الإسلام للاجتهاد والاقتباس والابتكار. » (11). ولذلك فإنه « من الصواب والسداد أن نستفيد بعقلانية واستقلالية من النظم الديمقراطية ومن تجاربها الغنية، ومن بعض أنماطها التطبيقية الراقية. وعلينا أن نبدع ونسهم في التطوير والتحسين والتهذيب، وعلينا وعلى جميع سياسيينا المتمسكين بالهوية الإسلامية والقيم الإسلامية أن نبلور ممارسات ديمقراطية متدينة ومتخلقة، لكي نصبح في غنى وفي منأى عن الديمقراطية اللادينية. » (12)
وهكذا وكنتيجة لما سبق، فإن الديمقراطية المحولة تدريجيا إلى ديمقراطية إسلامية تعبر عن إحدى أهم مميزات المجتمع الإسلامي الذي تنشده حركة التوحيد والإصلاح، ذلك أن « الديمقراطية بما أنها ليس لها دين، وليست ضد أي دين، فإنها حين تطبق في وسط إسلامي تصبح أفضل تعبير عن إسلاميته ومن أقوى السبل لتعزيز إسلاميته. » (13).
والاستدلال على الخلفية الإديولوجية للنزوع الديمقراطي لدى هذه الحركة بممارستها الداخلية يعد ممكنا أيضا، فعقدها لجموعها العامة بانتظام (14)، وتعاقب ثلاثة رموز هم عبد الإله بنكيران، محمد يتيم، وأحمد الريسوني، على الرئاسة (15)، فضلا عن الرئيس الحالي محمد الحمداوي، وتعدد المنظرين الإيديولوجيين الذين لا يتطابقون في خطابهم السياسي بشكل كلي (16)، ومرونة تسلق السلم داخل الحركة (17)؛ كل هذه المؤشرات فضلا عن الثقافة السياسية الاندماجية للحركة (18)، تدل على ممارسة داخل الحركة يمكن وصفها بالديمقراطية الداخلية بالرغم من أن أحد الباحثين الذي يعد من أهم المتخصصين في حقل الحركة الإسلامية، والذي رصد كل المؤشرات المذكورة يتحدث عن "تعيين" للزعامات المتتالية على قيادة الحركة؛ غير أن المؤشرات المذكورة إضافة إلى تصريحات رموز الحركة التي تشدد على أن اختيار الرئيس يتم بالانتخاب الديمقراطي الفعلي الذي يتم من طرف الهيئات العليا للحركة المنتخبة بدورها، إذ يتم اختيار المسؤولين على مراحل من الأسفل إلى الأعلى (19).
هذا، كما أن المتفحص يلاحظ العمق الإيديولوجي في تناول قضية الديمقراطية عند بعض رموز الحركة عندما يطلع على بعض الآراء من قبيل ما عبر عنه المنظر الإيديولوجي الأول للحركة والحزب محمد يتيم بقوله: « الديمقراطية ليست مؤسسات أو دساتير ولكنها استعداد نفسي وتربوي، وهي شعور لا يتحقق فقط بتغيير العلاقات الفوقية. » (20) ؛ وكذا من قبيل ما يشدد عليه أحد المنظرين بالقول: « مبدأ الشورى لا يمكن أن يطبق في الأعلى إذا لم يكن أخلاقا وعقيدة في الأسفل، تحمله الناس وتؤمن به وبأهميته وخطره، وتناضل من أجله بمختلف الوسائل حتى النهاية. » (21).
ولا يعني بحال استخلاص الخلفية الإديولوجية للممارسة الديمقراطية الداخلية للحركة أن هذه الممارسة بلغت مراحل جد متقدمة تمكننا من تصنيفها ضمن التنظيمات الأقرب إلى آخر ما وصلت إليه الإنسانية في أساليب الممارسة الديمقراطية، إذ ما يزال البعض يلاحظ أحيانا على حراك الرأي والرأي الآخر داخل الحركة نوع من الاحتشام والميول الجماعي إلى النزعة الإجماعية أو التوافقية التي قد تؤدي إلى الإقصاء الهادئ لبعض الآراء التي لا يمكن الجزم دائما بأنها تعبر عن الأقلية، كما أن هذه النزعة لا تشجع كثيرا على تنامي تيارات داخلية قابلة للتداول أو حتى للتوازي؛ هذا فضلا عن انتشار نسبي في أوساط القواعد للنفس السلبي المُؤْثر لترك الأمور تسير والمبالغ في الترفع عن المشاركة الإيجابية (22).
ويبقى أن حركة التوحيد والإصلاح وأخاها حزب العدالة والتنمية يعدان بهذا الوعي وهذه الإيديولوجيا من أكثر التنظيمات المغربية وضوحا وتطورا وانفتاحا على محيطهما المجتمعي والسياسي، يدلل على ذلك تجربتهما الاندماجية، وممارستهما الداخلية، وأدبياتهما الفكرية، والتأصيلية، والاجتهادية، هذا فضلا عن شهادات الباحثين في حقل الحركة الإسلامية المغربية في حقهما.
للأستاذ عصيد وغيره من المتحاملين على الحركة الإسلامية أقول أخيرا، أن الإسلاميين قدموا وما يزالون نقدا ذاتيا صارما لخطابهم وممارستهم، مكنهم من تطوير أنفسهم وهيآتهم، فهل في ضمير بعض غلاة العلمانية ما يسعفهم للقيام بمثل ذلك؟
1- M.Tozy : Jeune Afrique. N° 1987. Du 9 au 15 Février 1999. p 16.
2- أنظر: مجلة أبحاث. عدد خاص. 40 إلى 43. حالة المغرب. التقرير السنوي 96 97. ص 242
3- أنظر: أبو زيد المقرئ الإدريسي: حالة استثناء في الانتخابات البرلمانية. منشورات الراية. ص 9 10.
4- أنظر: محمد يتيم: التغيير الحضاري ومسألة الديمقراطية. مجلة الفرقان. عدد 37 .
5- نور الدين قربال: إشكالية الديمقراطية في الفكر الإسلامي المعاصر. دار قرطبة للطباعة والنشر. ص 24.
6- يتعلق الأمر ببعض القياديين الذين كانوا يطالبون ببعض التعديلات الدستورية،وبعض المراجعات لسلطات الملك كمصطفى الرميد مثلا.
7- أنظر: محمد يتيم: حركة التوحيد والإصلاح: التجربة الوحدوية التوجهات العامة. جيدة الصحوة. عدد 58 59.
8- محمد يتيم: التغيير الحضاري ومسألة... ص 12 13.
9- أحمد العماري: معالم في منهج التغيير.سلسلة أفكار 2 . ص 109.
10- محمد يتيم: التغيير الحضاري ومسألة... ص 9.
11- أنظر: د. أحمد الريسوني في حوار مع مجلة الفرقان. عدد 37. ص 64 65.
12- نفسه.
13- نفسه.
14- M.Tozy : Jeune Afrique ...p 15.
15- نفسه ص 10.
16- أنظر: محمد طوزي في حوار مع جريدة الصحوة. عدد 63 64. ص 5.
17- نفسه.
18- أنظر مجلة أبحاث... ص 243.
19- أنظر: أحمد العماري في حوار مع جريدة الراية. عدد 217.
20- محمد يتيم :التغيير الحضاري ومسألة ... ص 11.
21- أحمد العماري: معالم ... ص 109.
22- أنظر محمد بولوز: المسؤولية بين التهافت والمبالغة في الإعتذار. نشر بالموقع الإلكتروني لحركة التوحيد والإصلاح بتاريخ 01/12/2006 . وانظر كذلك لنفس الكاتب على نفس الموقع: ضياع العمل السياسي بين التهافت والإحجام. بتاريخ 24/03/2007.
* مجاز في العلوم السياسية مهتم بالحركة الإسلامية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.