دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    ساكنة الجديدة تنتظر تدخل العامل ومحاسبة المتسببين في مهزلة الأزبال    ترامب يعلق "مساعدات أوكرانيا"    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    مباحثات بين ولد الرشيد ووزير خارجية ألبانيا للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والسياسي    ألباريس يجدد التأكيد على موقف بلاده الداعم لمبادرة الحكم الذاتي ولمغربية الصحراء    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية على مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالقدس الشريف    ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 20 في المائة على الصين    إعلام عبري: إسرائيل تعتزم استئناف الحرب على غزة خلال 10 أيام    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    تحويلات الجالية تتجاوز 9 مليار درهم متم يناير المنصرم    تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    القطب الصناعي لمجموعة طنجة المتوسط يحقق 174 مليار درهم من المعاملات في 2024    بتعليمات ملكية سامية.. ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأميرة للا خديجة يعطيان انطلاقة عملية "رمضان 1446" لتوزيع المساعدات    مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة يصادق على مشاريع بيئية واقتصادية وثقافية    مجلس حقوق الإنسان: 40 دولة تجدد تأكيد دعمها للسيادة التامة والكاملة للمغرب على صحرائه    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    زكية الدريوش    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيس أوزبكستان بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك    رئيس الجزائر يقاطع القمة العربية بمصر.. تفاقم للعزلة وفقدان للبوصلة    إرجاء محاكمة أقارب "تيك توكر"    المغرب يستعد لأسبوع ممطر مع انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    برشلونة.. إصابة 34 شخصًا بينهم أربعة في حالة حرجة جراء تصادم حافلتين    إدانة عبد المومني ب6 أشهر حبسا    ولد الرشيد يشيد بالموقف الألباني    أداء إيجابي يسم بورصة البيضاء    3 مغاربة في جائزة الشيخ زايد للكتاب    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    أحمد زينون    واشنطن تجدد تأكيد إرادتها التفاوض بشأن إنهاء النزاع الروسي الأوكراني    كرنفال حكومي مستفز    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية وأمطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    حوار مع صديقي الغاضب.. 2/1    وكالة الأنباء الإسبانية (إفي): ابراهيم دياز.. الورقة المغربية الرابحة لأنشيلوتي في ديربي مدريد    بعد إلغاء شعيرة ذبح أضحية العيد.. دعم وحماية الفلاحين مربي الماشية الصغار على طاولة وزير الفلاحة    أهدنا الحياة .. ومات!    الصحافي الذي مارس الدبلوماسية من بوابة الثقافة    ضرورة تجديد التراث العربي    استقالة جواد ظريف نائب رئيس إيران    وزير الثقافة الإسرائيلي يهاجم فيلم "لا أرض أخرى" بعد فوزه بالأوسكار    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    قراءة فيدورة جديدة من بطولة القسم الثاني : الكوكب تعزز صدارتها وتوسع الفارق …    حكيمي ينافس على جائزة لاعب الشهر في الدوري الفرنسي    مجلة إيطالية: المغرب نموذج رائد في تربية الأحياء المائية بإفريقيا والبحر الأبيض المتوسط    نتائج قرعة دور ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2025    ناقد فني يُفرد ل"رسالة 24 ": أسباب إقحام مؤثري التواصل الاجتماعي في الأعمال الفنية    دوبلانتيس يعزز رقمه العالمي في القفز بالزانة    كرة القدم: كوريا تتقدم بطلب تنظيم كأس آسيا 2031    مسلسل "معاوية".. هل نحن أمام عمل درامي متقن يعيد قراءة التاريخ بشكل حديث؟    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف أصل منظرو العدالة والتنمية لقناعاتهم الديمقراطية؟
نشر في هسبريس يوم 24 - 12 - 2011


إهداء إلى ضمير الأستاذ عصيد
منذ النجاح الذي وصف بالكاسح – حتى من قبل بعض الخصوم – لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية ل25 نونبر الفارط، بات على ما يبدو من قدر المغاربة المحتوم أن يطْلع عليهم – وبصفة محمومة بعض من أصابهم رهاب فجائي عنيف من كل ما يمت إلى الدين أو التدين بصلة، من باب كل ما يأتي منه الريح – في أهم الوسائل المشكلة للرأي العام الوطني من قنوات تلفزية ومواقع إلكترونية، فصار مثلا حضور الأستاذ عصيد – كمثقف علماني و مناضل أمازيغي متشدد على المستويين معا – جزءا من النقاش الذي بات يطبع المشهد الإديولوجي والسياسي الوطني، لدرجة أن الرجل أصبح يكرر نفس الخطاب حتى على مستوى الجمل المصاغة و الأمثلة المزجاة في مناسبات غير متطابقة وبينها فوارق شاسعة من حيث المقام كالفرق بين البرنامج الحواري التلفزي ومقال الرأي المنشور في الصحافة الإلكترونية.
الأستاذ عصيد تعمد غيرما مرة في حربه الضروس التي أعلنها من جانب واحد ضد إخوانه في الوطن وغيرهم من الإسلاميين أن يستعمل الأسلوب الأكثر إفلاسا في المعارك التشهيرية والتأليبية للأسف، هذا الأسلوب الذي ليس سوى طريقة " ويل للمصلين"، فذهل المراقبون وهم يرونه يعمد إلى محاولة تقييم فكر طود عظيم كالشيخ يوسف القرضاوي – الذي ألف ويؤلف منذ عقود عشرات الكتب التي تشكل لوحدها مكتبة من طراز فريد و الذي يعد من مجددي هذا القرن باتفاق كثير من علماء المسلمين – ، أو بعض قادة العدالة والتنمية في المغرب من خلال جملة واحدة قالها أحدهم عبر اقتطاعها من سياقها والزج بها في أتون مغالطات للرأي العام ليس الغرض منها سوى محاولة التضليل وتأليب بعض الجهات على فكر ونوايا الإسلاميين عموما والمغاربة منهم خصوصا، وللإشارة فإن هذا المقال لا يأتي هنا من قبيل مقالات الردود التي تستجلب إبطال دعوى لمُدّع بالغوص في الشوائب المتضمنة في ثنايا مقولاته، ذلك أن ما يذهب إليه الأستاذ عصيد – مع احترامنا المبدئي طبعا لحقه المواطني في الاختلاف – ليس فيه حتى ما يستحق ذلك، بل ندعوه فقط إلى أمرين بسيطين اثنين:
أولا: أن يحذو حذو رفيقه في الفكر، المناضل العلماني التونسي المحترم، السيد المنصف المرزوقي – الذي انتخب مؤخرا رئيسا مؤقتا للجمهورية التونسية من قبل مجلس تأسيسي ذي غالبية من منتخبي حركة النهضة الإسلامية المتنورة – حيث صرح في لقاء خاص مع قناة الجزيرة باحترامه الكبير لفكر إسلاميي وطنه، لسبب بسيط هو أنهم "قرؤوا لنا وقرأنا لهم"، بل ذهب بعيدا في روحه الرياضية/الديمقراطية عندما لم يستنكف عن وصف الشيخ راشد الغنوشي بالإسلامي الحداثي، فهل يدور بخَلَد الأستاذ عصيد أن يكون إسلاميّ يوما ما حداثيا ولو بمعنى ما من معاني الحداثة؟ وهل قرأ يوما ما بجدية "الباحث الموضوعي عن الحقيقة" لأقطاب الفكر الإسلامي في وطنه أو في غيره؟
ثانيا: أن يتسع صدره لإلقاء نظرة في مايلي من هذا المقال عله يفتح فيه شهية الباحث، أو يوحي إليه ببعض الأفكار الهادية أو المراجع الموجِّهة، حول قصة طريفة ربما لم تمر يوما بالقرب من سمعه، قصةِ قسم من إسلاميي وطنه كيف أصّلوا على مدار العقود الأخيرة لقناعات ديمقراطية مؤسسة على مرجعية أصيلة وفكر مستنير ناظم:
فبوضوح كبير، يتبدى مبدأ التغيير السلمي ببعده الحضاري الذي تتبناه حركة التوحيد والإصلاح ومعها حزب العدالة والتنمية من خلال الخيار الديمقراطي الذي بات منظرو التنظيمين يرفعونه شعارا منذ عقود، « فما ثقافة التوافق والتراضي التي تكرست في فكر وممارسة الحركة بولوج العمل السياسي عبر حزب الخطيب (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سابقا حزب العدالة والتنمية حاليا) إلا نتيجة ذلك التطور الكبير في تصورها لقضية الديمقراطية» (1)، ويتجلى ذلك في « التحول نحو الاندماج والقبول بالآليات الديمقراطية الإجرائية رغم التحفظات التي تبديها أدبيات التنظيم حول خلفيات مفهوم الديمقراطية التي تحبل بها المنظومة الثقافية الغربية» (2). فهذا التحول الذي توج بالتنسيق واندماج بعض رموز الحركة في قيادة حزب العدالة والتنمية، جاء عبر خطوات متتالية من تغيير الرؤية إلى العمل والمشاركة السياسيين، انطلقت من النظرة السلبية الطهرانية للسياسة وصولا إلى دخول الانتخابات التشريعية.(3).
بيد أن تلك المراحل التي مرت منها الحركة ثم الحزب في بلورة موقف واضح من مسألة الديمقراطية لم تخرج قط عن خطهما في صياغة المواقف في القضايا الجوهرية المتمثل في منهج التأصيل، إذ من أهم وأوضح ما يعبر عن التأصيل للخيار الديمقراطي في هذه الحالة هو ما عبر عنه محمد يتيم بقوله في مقال له في مجلة الفرقان بعد أن رصد الأسس العقدية والتشريعية والأخلاقية للديمقراطية في الإسلام: «... الحقيقة الثالثة تتعلق بضرورة تحديد الهدف البعيد من العمل الإسلامي عامة ومن المشاركة السياسية عبر الخيار الديمقراطي، وإن التمكين السياسي الإسلامي لهو ثمرة يفرح لها المؤمنون ويحبونها. وقبل التفكير فيه وجب التفكير في تحقيق شروطه وعلى رأسها أن يرجع إلى الأمة بمختلف شرائحها الرضى بحاكمية الشريعة والاستعداد للتحاكم إليها، وإن تراجع حكم الشريعة واستبعاد سلطانها لم يكن فقط قرارا سياسيا فوقيا وإنما يعكس تحولا عميقا مس الإنسان المسلم في بنائه الفكري والنفسي والأخلاقي ومنظومة القيم المحددة لآماله وطموحاته ونظرته للحياة وأولوياتها. تبعا لذلك فليس شرطا من أجل أن نحكم بنجاح الخيار الإسلامي الديمقراطي أن يصل الإسلاميون بذواتهم إلى الحكم، ولكن أن تتقدم قضية الإسلام في المجتمع. إن مقاييس النجاح ينبغي أن يُنظر إليها في علاقتها بما أفسحه الخيار المذكور من إسماع لصوت الدعوة وكسبها لقلوب ومواقع ما كان لها أن تكسبها لو أنها راهنت على خيار الرفض والعزلة. ولكننا حينما ننظر إلى النجاح الإسلامي بمقاييس التمكين السياسي وحدها فإن الصورة تضطرب والتقدير يختلف.
على الحركة الإسلامية في نظرنا أن تتبنى الخيار الديمقراطي بصدق. ولا ينبغي أن يمنع من ذلك التخوف من قيام أحزاب لا دينية أو إلحادية تقترح برامج أو مبادئ تتناقض مع شريعة الإسلام، لاعتبارات عدة نذكر منها مايلي:
إن الأحزاب العلمانية واللادينية هي أمر واقع الآن وهي التي تستفيد مما تسمح به الأوضاع الديمقراطية من فسح من أجل ترسيخ مزيد من العلمنة على جميع المستويات، في حين أن المستثنى من الاستفادة منها هو الاتجاهات الإسلامية، ومن ثم فالاعتراض على التعددية هو اعتراض على حق الذات في الوجود السياسي ليس إلا، ولا بد أن يراعي الخطاب الإسلامي هذا الواقع. »)4).
تأصيل حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية لخيارهما الديمقراطي يعتمد أساسا على فقه الموازنات ومبدأ المصلحة والمفسدة، ولذلك نجدهما يعتمدان في إقرارهما التعددية السياسية إضافة إلى ما جاء على لسان قياديّهما البارز محمد يتيم على ثقتهما في الثقافة الدينية العميقة للمجتمع المغربي، ذلك أن الحركة تنطلق من مسلمة تعتبرها واقعية مفادها أن الشعب المغربي: « حريص على عقيدته ومبادئه ونظامه الذي يستمده من رسالة الإسلام. » (5).
ويبقى أن الحركة والحزب وإن استطاعا أن يؤصلا للخيار الديمقراطي في المرحلة الراهنة، إلا أن ذلك لم يمنع بعض رموزهما (6) من المطالبة بإقرار بعض التعديلات الدستورية التي تطرح إمكانية تطوير الممارسة الديمقراطية في المغرب؛ يقول محمد يتيم في هذا الصدد: « غير أن ذلك لا ينفي أن للحركة مطالب تتعلق بإصلاح الأوضاع الدستورية للمملكة وإصلاحها في أفق يحقق توازنا في السلطات وفي الواجبات والحقوق التي هي للحاكمين والمحكومين وعليهم. ولذلك فإن مسألة الإصلاح الدستوري والسياسي تبقى في منظور الحركة مسألة قائمة دوما على جدول الأعمال حتى أعلى صورة ممكنة من الحكم الراشد. » (7)؛ كما لم يمنعها ذلك أيضا كحركة، من المطالبة باستمرار بتضمين مبدأ أولوية وأهمية الشريعة الإسلامية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إذا كانت حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية يؤصلان للخيار الديمقراطي انطلاقا من مبدأ المصلحة والمفسدة أساسا، فإن تأصيلهما ذلك يستند بالأساس كذلك إلى النسيج العقديّ والتشريعي والأخلاقي للإسلام، ومكانة الإنسان داخله (8)؛ و إذا كان تطبيق مبدأ الشورى « يخضع للتطور و الاجتهاد بقدر ما يحقق المصلحة والخير وتعزيز مصلحة الأمة والشريعة والإسلام في صورة أفضل وأتقن» (9)، فإن من أبرز خصائص الديمقراطية حسب محمد يتيم أنها « ليست واحدة وإنما تسمح بتعدد يمَكّن من صبغها بصبغة ثقافية محلية، فمن مقتضيات الديمقراطية ذاتها احترام الخصوصيات الثقافية. » (10)؛
أما الرئيس السابق للحركة د. أحمد الريسوني فيعتبر أن الديمقراطية: « أصبحت اليوم تمتلك رصيدا غنيا بالتجارب التطبيقية وبالأنماط التنفيذية، وبثروة تشريعية هائلة، يمكن لأي دولة أو جماعة أن تجد فيها ما يفيدها ويناسبها ويختصر عليها مسيرة التطوير والتحديث. وهو مجال متروك عندنا في الإسلام للاجتهاد والاقتباس والابتكار. » (11). ولذلك فإنه « من الصواب والسداد أن نستفيد بعقلانية واستقلالية من النظم الديمقراطية ومن تجاربها الغنية، ومن بعض أنماطها التطبيقية الراقية. وعلينا أن نبدع ونسهم في التطوير والتحسين والتهذيب، وعلينا وعلى جميع سياسيينا المتمسكين بالهوية الإسلامية والقيم الإسلامية أن نبلور ممارسات ديمقراطية متدينة ومتخلقة، لكي نصبح في غنى وفي منأى عن الديمقراطية اللادينية. » (12)
وهكذا وكنتيجة لما سبق، فإن الديمقراطية المحولة تدريجيا إلى ديمقراطية إسلامية تعبر عن إحدى أهم مميزات المجتمع الإسلامي الذي تنشده حركة التوحيد والإصلاح، ذلك أن « الديمقراطية بما أنها ليس لها دين، وليست ضد أي دين، فإنها حين تطبق في وسط إسلامي تصبح أفضل تعبير عن إسلاميته ومن أقوى السبل لتعزيز إسلاميته. » (13).
والاستدلال على الخلفية الإديولوجية للنزوع الديمقراطي لدى هذه الحركة بممارستها الداخلية يعد ممكنا أيضا، فعقدها لجموعها العامة بانتظام (14)، وتعاقب ثلاثة رموز هم عبد الإله بنكيران، محمد يتيم، وأحمد الريسوني، على الرئاسة (15)، فضلا عن الرئيس الحالي محمد الحمداوي، وتعدد المنظرين الإيديولوجيين الذين لا يتطابقون في خطابهم السياسي بشكل كلي (16)، ومرونة تسلق السلم داخل الحركة (17)؛ كل هذه المؤشرات فضلا عن الثقافة السياسية الاندماجية للحركة (18)، تدل على ممارسة داخل الحركة يمكن وصفها بالديمقراطية الداخلية بالرغم من أن أحد الباحثين الذي يعد من أهم المتخصصين في حقل الحركة الإسلامية، والذي رصد كل المؤشرات المذكورة يتحدث عن "تعيين" للزعامات المتتالية على قيادة الحركة؛ غير أن المؤشرات المذكورة إضافة إلى تصريحات رموز الحركة التي تشدد على أن اختيار الرئيس يتم بالانتخاب الديمقراطي الفعلي الذي يتم من طرف الهيئات العليا للحركة المنتخبة بدورها، إذ يتم اختيار المسؤولين على مراحل من الأسفل إلى الأعلى (19).
هذا، كما أن المتفحص يلاحظ العمق الإيديولوجي في تناول قضية الديمقراطية عند بعض رموز الحركة عندما يطلع على بعض الآراء من قبيل ما عبر عنه المنظر الإيديولوجي الأول للحركة والحزب محمد يتيم بقوله: « الديمقراطية ليست مؤسسات أو دساتير ولكنها استعداد نفسي وتربوي، وهي شعور لا يتحقق فقط بتغيير العلاقات الفوقية. » (20) ؛ وكذا من قبيل ما يشدد عليه أحد المنظرين بالقول: « مبدأ الشورى لا يمكن أن يطبق في الأعلى إذا لم يكن أخلاقا وعقيدة في الأسفل، تحمله الناس وتؤمن به وبأهميته وخطره، وتناضل من أجله بمختلف الوسائل حتى النهاية. » (21).
ولا يعني بحال استخلاص الخلفية الإديولوجية للممارسة الديمقراطية الداخلية للحركة أن هذه الممارسة بلغت مراحل جد متقدمة تمكننا من تصنيفها ضمن التنظيمات الأقرب إلى آخر ما وصلت إليه الإنسانية في أساليب الممارسة الديمقراطية، إذ ما يزال البعض يلاحظ أحيانا على حراك الرأي والرأي الآخر داخل الحركة نوع من الاحتشام والميول الجماعي إلى النزعة الإجماعية أو التوافقية التي قد تؤدي إلى الإقصاء الهادئ لبعض الآراء التي لا يمكن الجزم دائما بأنها تعبر عن الأقلية، كما أن هذه النزعة لا تشجع كثيرا على تنامي تيارات داخلية قابلة للتداول أو حتى للتوازي؛ هذا فضلا عن انتشار نسبي في أوساط القواعد للنفس السلبي المُؤْثر لترك الأمور تسير والمبالغ في الترفع عن المشاركة الإيجابية (22).
ويبقى أن حركة التوحيد والإصلاح وأخاها حزب العدالة والتنمية يعدان بهذا الوعي وهذه الإيديولوجيا من أكثر التنظيمات المغربية وضوحا وتطورا وانفتاحا على محيطهما المجتمعي والسياسي، يدلل على ذلك تجربتهما الاندماجية، وممارستهما الداخلية، وأدبياتهما الفكرية، والتأصيلية، والاجتهادية، هذا فضلا عن شهادات الباحثين في حقل الحركة الإسلامية المغربية في حقهما.
للأستاذ عصيد وغيره من المتحاملين على الحركة الإسلامية أقول أخيرا، أن الإسلاميين قدموا وما يزالون نقدا ذاتيا صارما لخطابهم وممارستهم، مكنهم من تطوير أنفسهم وهيآتهم، فهل في ضمير بعض غلاة العلمانية ما يسعفهم للقيام بمثل ذلك؟
1- M.Tozy : Jeune Afrique. N° 1987. Du 9 au 15 Février 1999. p 16.
2- أنظر: مجلة أبحاث. عدد خاص. 40 إلى 43. حالة المغرب. التقرير السنوي 96 97. ص 242
3- أنظر: أبو زيد المقرئ الإدريسي: حالة استثناء في الانتخابات البرلمانية. منشورات الراية. ص 9 10.
4- أنظر: محمد يتيم: التغيير الحضاري ومسألة الديمقراطية. مجلة الفرقان. عدد 37 .
5- نور الدين قربال: إشكالية الديمقراطية في الفكر الإسلامي المعاصر. دار قرطبة للطباعة والنشر. ص 24.
6- يتعلق الأمر ببعض القياديين الذين كانوا يطالبون ببعض التعديلات الدستورية،وبعض المراجعات لسلطات الملك كمصطفى الرميد مثلا.
7- أنظر: محمد يتيم: حركة التوحيد والإصلاح: التجربة الوحدوية التوجهات العامة. جيدة الصحوة. عدد 58 59.
8- محمد يتيم: التغيير الحضاري ومسألة... ص 12 13.
9- أحمد العماري: معالم في منهج التغيير.سلسلة أفكار 2 . ص 109.
10- محمد يتيم: التغيير الحضاري ومسألة... ص 9.
11- أنظر: د. أحمد الريسوني في حوار مع مجلة الفرقان. عدد 37. ص 64 65.
12- نفسه.
13- نفسه.
14- M.Tozy : Jeune Afrique ...p 15.
15- نفسه ص 10.
16- أنظر: محمد طوزي في حوار مع جريدة الصحوة. عدد 63 64. ص 5.
17- نفسه.
18- أنظر مجلة أبحاث... ص 243.
19- أنظر: أحمد العماري في حوار مع جريدة الراية. عدد 217.
20- محمد يتيم :التغيير الحضاري ومسألة ... ص 11.
21- أحمد العماري: معالم ... ص 109.
22- أنظر محمد بولوز: المسؤولية بين التهافت والمبالغة في الإعتذار. نشر بالموقع الإلكتروني لحركة التوحيد والإصلاح بتاريخ 01/12/2006 . وانظر كذلك لنفس الكاتب على نفس الموقع: ضياع العمل السياسي بين التهافت والإحجام. بتاريخ 24/03/2007.
* مجاز في العلوم السياسية مهتم بالحركة الإسلامية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.