ثاني هدية يتلقاها عبد الإله بنكيران، بعد هدية ميدلت التي تسلمها في حضرة الملك محمد السادس عندما عينه رئيسا للحكومة، وكان في يد الجالس على العرش أن يعين أي قيادي آخر في حزب المصباح غير بنكيران، لأن الدستور لا يقيده برئيس الحزب.. ثاني هدية يتلقاها زعيم العدالة والتنمية هي قرار الشيخ عبد السلام ياسين انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير، وتوقيف حركة النزول إلى الشارع التي استمرت 10 أشهر، فالجماعة الصوفية ضخت دماء ساخنة في حركة 20 فبراير التي ستفتقد ولا شك شبابا متحمسا كان يشكل قوة مهمة في جسم الحركة. لماذا يا ترى قررت الجماعة، وبعد 10 أشهر من المشاركة الفعالة في حركة 20 فبراير، الانسحاب فجأة وبدون مقدمات غير المقدمة الأساس، وهي وصول إخوان بنكيران إلى الحكومة؟ لنلق نظرة، أولا، على الأسباب المعلنة في بيان الجماعة قبل الرجوع إلى الأسباب غير المعلنة. بيان جماعة الشيخ ياسين يورد عدة أسباب لقرار «الاستقالة» من الربيع العربي في هذا التوقيت، أهمها: -1 وجود عناصر في حركة 20 فبراير تكبح جماح الشباب، وتفرض سقفا معينا لهذا الحراك، في إشارة إلى الملكية البرلمانية، هذا السقف الذي ترى فيه الجماعة تنفيسا عن الغضب الشعبي لا ولن يؤدي إلى التغيير الحقيقي. -2 محاولة صبغ الحراك الشعبي بلون إيديولوجي وسياسي –في إشارة إلى اليسار- ضدا على هوية الشعب المغربي المسلم. -3 بث الإشاعات وتسميم الأجواء. هذه الأسباب مجتمعة لا تفسر قرار كبيرا واستراتيجيا مثل هذا الذي أقدمت عليه الجماعة. لماذا؟ لأن هذه الأسباب ليست وليدة اليوم. سقف 20 فبراير، أي الملكية البرلمانية، كان هو السقف منذ 10 أشهر، وسبق لقيادات الجماعة، بمن فيهم فتح الله أرسلان، أن صرحوا بأن سقف شباب الجماعة المشاركين في حركة 20 فبراير هو سقف هذه الأخيرة، فلماذا الانسحاب الآن وليس في الأسابيع الأولى من انطلاق الحركة؟ ثانيا: كان باستطاعة الجماعة، وهي قوة ضاربة وسط حركة 20 فبراير، أن تهيمن عليها وتفرض اللون الإيديولوجي الذي تريد، أي اللون الأخضر الإسلامي، لكنها لم تفعل، وقد كانت قادرة على ذلك، فلماذا تنسحب الآن من حركة 20 فبراير؟ الآن نأتي إلى السبب الأهم، وهو سبب غير معلن، لكن يمكن قراءته من مجمل التحولات التي يعرفها المشهد السياسي المغربي. جماعة العدل والإحسان تعرف أن استمرار حركة 20 فبراير في الاحتجاج سيخدم أجندة بنكيران وحزب العدالة والتنمية، الذي سيوظف الحراك الشعبي على يساره للحصول على أكبر قدر من السلطة، لمباشرة الإصلاحات التي وعد بها الناخبين. إذن، جماعة العدل والإحسان، التي تعتبر منافسا طبيعيا للعدالة والتنمية، تريد أن تحرم بنكيران من إحدى أوراق ضغطه على السلطة، أي تظاهرات 20 فبراير، وتريد أن تدفع الجناح السلطوي في الدولة، الذي يعاكس أي توجه نحو التغيير، إلى أن يكشف أوراقه الآن، وألا يظل مختبئا تحت ضغط الشارع، وأن يخرج عن صمته للوقوف في وجه حكومة بنكيران حتى يظهر للرأي العام أن التغيير عن طريق صناديق الاقتراع مستحيل، حتى لو حمل الحكومة الملتحية إلى واجهة السلطة، لأن المخزن، حسب تحليل الجماعة، عصي على الذوبان في مياه التحول الديمقراطي، وأن الحل هو اقتلاعه من الجذور. ياسين، إذن، قدم هدية «ملغومة»، إن لم نقل «مسمومة»، إلى بنكيران، والجماعة تريد أن تحضِّر لما بعد فشل بنكيران في مهمته بعد أن صار بلا ورقة ضغط اسمها «الحراك» الشعبي.