تخريب وتهشيم الواقيات الزجاجية، عدم أداء تذاكر الركوب، أسلحة بيضاء، ممنوعات، تحرش جنسي، استحمام، وأشياء أخرى، مشاهد باتت تؤثث رحلات حافلات النقل العمومي في الحواضر المغربية كما في قراها، أبطالها، في غالب المرات، شبان وقاصرون، سلوكاتهم الطائشة تلك، أو المتعمّدة، تحوِّل حياة من أجبرته ظروفه على استعمال هذه الوسيلة في تنقلاته اليومية إلى جحيم. في هذا المسلسل، الذي يسم عموم حافلات النقل العمومي، يدخل مراقبو الحافلات، المكلّفون بمراقبة أداء التذاكر والتصدي لكل خطر قد يحدق بالراكب خلال رحلته، في دوامة العنف والعنف المضاد، حيث كثيرا ما اجتاحت أشرطة فيديو مواقع التواصل الاجتماعي توثق لاعتداءات تطال الركاب من طرف هؤلاء، غالبا ما ترافقها تعليقات تضع المراقب في قفص الاتهام، بل ويتم نعته بأبشع الأوصاف، ويُنظر إليه نظرة دونية وحاطة بالكرامة، ويتهم بكونه مصدر العنف. زهير لمعمري، مسؤول بشركة مكلفة بمهام الحراسة والمراقبة في حافلات النقل العمومي بأكادير، قال في تصريح لهسبريس إن "عدد ضحايا العنف في صفوف هؤلاء المراقبين أكثر بكثير من عدده في صفوف الركاب، حيث يتعرّض المراقبون أثناء تأدية مهامهم لأبشع عبارات السب والقذف، إلى جانب الاعتداءات الجسدية، منها ما خلف لهم عاهات مستديمة، ومنهم من غادر شغله بسبب توالي المخاطر والتهديدات". وكشف المتحدّث أن "الشركة تشغل 55 حارسا، منهم 20 من السجناء السابقين، وذلك في محاولة منا لفسح المجال لهذه الفئة من أجل تسهيل إدماجها في المجتمع بعد مغادرة أسوار السجن؛ إذ تواجههم صعوبات في ولوج سوق الشغل بفعل سوابقهم، لكننا انخرطنا في هذه المبادرة، كمقاولة مواطنة، غير أن ما يواجههم من مشاكل يتسبب في احتمال رجوعهم إلى الشارع لمواصلة الإجرام". "المراقبون يجدون أنفسهم بين ضرورة أداء مهامهم في مراقبة أداء الركاب للتذاكر، مثلا، وتحييد الخطر عن الركاب أثناء حمل بعض الشباب لأسلحة بيضاء أو ممنوعات، وبين مواجهتهم للعنف، تحت ذريعة أن الحافلة ليست ملكهم، بل ملك عمومي، وكون مهامهم تتمثل في استعراض العضلات فقط، وكل تهاون في عدم تفعيل المهام المنوطة بهم قد يدفع بهم إلى العطالة بعد أن تستغني المؤسسة المشغلة عن خدماتهم، وهو وضع يجعلهم بين المطرقة والسندان"، يقول المسؤول ذاته. في سوس، أضحت بعض المناطق، في المدن كما في القرى، كالقليعة، آيت اعميرة، سيدي بيبي، تراست، الدراركة وأنزا، معروفة في أوساط مستعملي حافلات النقل العمومي بكونها من الخطوط التي تُسجل بها أعداد كبيرة من مثل تلك الحوادث، وتزداد بمناسبة بعض التظاهرات الرياضية والفنية وفي فصل الصيف، "والمراقبون حينما يكونون ضحايا العنف الصادر عن هؤلاء الشباب، الكل يصمت، ولا نرى من يوثق لوقائع تعنيفهم، وبالعكس، حينما يُخطئ المراقب، أو يكون بصدد الدفاع عن نفسه، تُكال له التهم"، يورد زهير لمعمري. ومن القضايا التي ترافق عمل هذه الفئة؛ بعض المشاكل مع السلطات المحلية والأمنية. وبهذا الخصوص، يقول مسؤول الشركة في تصريحه لهسبريس: "دائما تواجهنا عراقيل وصعوبات جمة أثناء ضبط جانح متلبس بالسرقة وسط الحافلات أو عرّض حياة الركاب للخطر بحمله لأسلحة بيضاء، حيث نُقاتل من أجل إيصاله بمعية المحجوز إلى السلطات الأمنية، غير أننا نُجابه باللامبالاة وعدم اعتقاله أو التصدي له بالحزم والقانون، على الأقل مراعاة لوجود أركان الفعل الإجرامي". الجانب النفسي في تحليل ظاهرة العنف والعنف المضاد في حافلات النقل العمومي، يقول بشأنه المستشار النفسي محمد الفقير إن "حوادث العنف والترهيب والتخريب التي تستهدف حافلات النقل العمومي، ويقف وراءها أطفال قاصرون أو شبان، يعكس واقع التأطير التربوي من طرف مؤسسة الأسرة ومن يكمل دورها في التربية والتوعية، خصوصا في الأوساط الاجتماعية الهشة أو التي تفتقر إلى المواكبة الاجتماعية والنفسية". محمد الفقير أورد في تصريح لهسبريس أنه "بالدراسة الدقيقة للوضعية، سنجد أن هناك خطابا يتم تداولها على نطاق واسع، مضمونها تحميل السائقين والمراقبين مسؤولية ما يتعرضون له من عنف وما يلحق بالحافلات من تخريب من طرف مستخدمي هذا النوع من وسائل النقل العمومي". ويرى المتحدّث ذاته أنه "بترويج خطاب العداء ضد هذا المرفق العمومي، وما يصحبه من شحن نفسي، فإن عددا من الأطفال والشبان اليافعين يستعرضون القوة ويدخلون في احتكاكات ومشاحنات تصل في أحيان حد الاصطدام البدني، وما يصاحب ذلك من إقلاق لراحة وطمأنينة الركاب وتعريض سلامتهم للخطر". "وقد تم تكريس نظرة دونية تجاه مراقبي الحافلات من طرف عدد من الزبناء، معتبرين هذه الفئة ذات مستوى تعليمي متدني وتفتقد للتكوين وحسن التعامل واستعراض العضلات، ومصدر افتعال المناوشات مع الركاب، طبعا هذه الأمور غير دقيقة ومبالغ فيها في أحيان عديدة، ولكن الثقافة الاجتماعية ساهمت في تكريسها، مما يتطلب فتح قنوات تواصل بين الزبناء والمراقبين وشرح دورهم وحل سوء الفهم الرائج"، يقول المستشار النفسي ذاته. أما عن الحلول لتجاوز هذه النظرة عن هذه الفئة من المجتمع، قال محمد الفقير: "وجب الإقرار بأن هناك مسؤولية تقع على كاهل الأسرة وفعاليات المجتمع المدني والمدرسة ووسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية من أجل ترسيخ السلوك المدني، بدعم وانخراط من الشركات المواطنة في تفعيله؛ فالتوعية المستمرة على مدار السنة وتوضيح دور وخدمات مرفق حافلات النقل العمومي سيساهمان في محاصرة هذه الأحداث".