بات من شبه المستحيل في الأيام الأخيرة أن يجد المرء في وقت الذروة، مكانا شاغرا أو حتى موطئ قدم في حافلة مكتظة عن آخرها بالركاب. وضعية متأزمة تظهر بكثرة خلال فترتي الصباح والمساء المتزامنتين مع بداية وانتهاء النشاط الاجتماعي للعمال والموظفين والتلاميذ، حيث المحطات الإجبارية للحافلة تعج بالمواطنين وبأطفال المدارس منتظرين الذي قد يأتي أو لا يأتي، وبمعنى أدق، فإن الحافلات تمتلئ بالركاب بعد محطة أو محطتين من انطلاقها، لتصبح في حالة اكتظاظ يصبح معه آخر مكان عند الأبواب الخلفية لا يسع لقدم آدمية واحدة،فالعمال الملزمون بمواقيت عمل مضبوطة عليهم احترامها، وتلامذة المدارس المقيدون باستعمال زمن محدد، يتسارعون إلى هذه الحافلات المزدحمة في محاولة منهم للركوب، وذلك لتفادي التأخر والتعرض لإجراءات تأديبية قد تصل بالنسبة للتلاميذ إلى إحضار أولياء الأمور، وأحيانا لا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتطور ليصل إلى الطرد، وليس التلاميذ فقط من هم عرضة للطرد إذ يمكن للعمال أو المستخدمين البسطاء أن يطردوا هم أيضا عند تكرار نفس الحالة. وتنعكس هذه الأزمة اجتماعيا على سلوك الركاب الذين يدخلون في تدافع وازدحام مما قد يتسبب لبعضهم البعض في خصومات يتبادلون خلالها السب بأقبح العبارات داخل الحافلات المكتظة التي تتحول في أغلب الأحيان إلى حلبة للملاكمة، نموذج ذلك ما وقع مؤخرا بحافلة رقم 55 التي كانت متوجهة من مولاي يوسف إلى العمران، بخط سيرها الطويل، عندما انهال شابان على بعضهما البعض بالضرب والشتم بمجرد احتكاك جسدي بسيط بينهما عند باب الحافلة التي كانت مملوءة بالركاب مما تسبب في الصراخ والفوضى. ... كما يفتح الارتباك الحاصل في تدبير النقل العمومي شهية النشالين ولصوص الجيوب الذين يجدونها فرصة ثمينة يستغلون فيها ظروف الازدحام لنشل الركاب الذين تغيب عقولهم بحثا عن فرصة لركوب الحافلة، ولا يقف الحال هنا، فوضعية النقل هذه تتسبب كذلك في معاناة مزدوجة للنساء وما أكثرهن ،عاملات مضطرات لخوض الصراع على جبهتين لتأمين حظوظهن في النقل العمومي، صراع من أجل الصعود إلى الحافلة وصراع آخر لا يقل عنه قوة من أجل حيازة كرسي شاغر أو حتى مكان يجنبهم شدة الازدحام والاحتكاك مع الرجال الذين يجد البعض منهم فرصة للتحرش، فللصعود إلى الحافلة يجب أن يتوفر الشخص على بنية جسمانية قوية للدفاع عن نفسه وسط الازدحام الذي يعم الحافلة. هذا الارتباك الناتج عن تدبير شركة لوكس لقطاع النقل بالدارالبيضاءالمدينة الاقتصادية يرد عليه الكثير من البيضاويين بالاستنكار والتنديد، إذ ظلت مجالس المواطنين في المقاهي أو حتى في الشوارع العمومية للمدينة لا تخلو من أحاديث يكون فيها النقل العمومي مادة للانتقاد وتوجيه اللوم للمسؤولين عن القطاع. وحسب سلمى وادي، تلميذة تقطن بالحي المحمدي كانت تقدم ساعة عن موعد دخولها للثانوية في الصباح، لكي تتواجد بالموقف الإجباري وتركب الحافلة في الوقت المحدد، إلا أنها كانت تتأخر ،أحيانا، بنصف ساعة أو أكثر عن دراستها، وأكدت سلمى أنها أمام أزمة الحافلات وعجز سيارات الأجرة ،سواء الكبيرة أو الصغيرة، عن تغطية الخصاص الكبير الذي يعاني منه قطاع النقل العمومي، في تأمين نقل المواطنين، أصبحت تحرص على الاستيقاظ ساعتين قبل موعد الدراسة، وتتواجد بموقف الحافلة القريب من مكان سكناها في الساعة السادسة والنصف صباحا، حيث تحظى بركوب حافلة أقل ازدحاما. وأفاد مسؤول بشركة «اللوكس» حول الأزمة الخانقة التي يعرفها النقل العمومي بمدينة الدارالبيضاء، بأن الشركة سبق لها القيام بتزويد أسطولها بحوالي 50 حافلة جديدة تعمل حاليا في خطوط شبكة النقل المختلفة ك (28-68-120-55) ولن تزيد الشركة حافلة جديدة لأن شركة «اللوكس» لن تغامر بسائق وحافلة وبنزين، والسبب راجع لكون الزبون لا يؤدي تذكرته، كما أن الحافلة تخرج جديدة أحيانا وتتعرض للتخريب من قبل الشباب المستهلك للمخدرات وحتى الشباب غير الواعي بالملك الخاص. ركبنا حافلة 55 وتوجهنا من وسط المدينة إلى حي للامريم شاهدنا أشياء مخيفة حقا ،حافلة مزدحمة عن آخرها يركبها شيوخ ورجال وشباب وأطفال من جميع الفئات العمرية. أحيانا لا تكون رغبتهم الوصول إلى مكان معين، ففي غالب الأحيان، يركب الشباب الحافلة من أجل التحرش وإفراغ مكبوتاتهم الجنسية، وأحيانا من أجل السرقة وأحيانا أخرى من أجل إفراغ طاقتهم اليومية، إذ أن بعضهم يكون مقموعا داخل أسرته، لكنه وسط الحافلة يفرغ كل القمع الذي بداخله. ونحن في الحافلة استمعنا بالصدفة لشهادة راكبة تقول إن الركاب لا يؤدون ثمن تذكرة الرحلة ليس لأنهم لا يملكون مبلغ التذكرة لكنهم يريدون كل شيء بالمجان، حيث أكدت أن هناك من استفاد من السكن اللائق عن طريق تقديم جلالة الملك محمد السادس شققا سكنية ومحلات تجارية، وأوضحت لنا أن هناك نساء يقطنون بالحي المحمدي «للعمران» يوهمون مراقب الحافلة أنهن معاقات أو متسولات، والغرض من ذلك توفير مبلغ التذكرة. ولا تخلو من لسانهن كلمة «كولشي ديال الله.» إذن شاهدنا أن الحافلة الملقبة «بالبراكة» لن تزيد للأمام مادام هذا هو مشكلها العويص الذي ليس له حل. فهناك فئة قليلة تؤدي واجبها داخل الحافلة، لكن الغريب في الأمر أن من لا يؤدي ثمن التذكرة ينتظر المؤدي للتذكرة حتى يصل إلى المحطة المقصودة، وعند هبوطه من الحافلة يقدم له تذكرته، هذه هي العملية التي تجري داخل الحافلة، فكيف للحافلة أن تتطور وتتحسن، ومادام هناك أناس يستعملون تذكرة واحدة وهي في الأصل لشخص واحد، فهذه ظاهرة أضحت حافلة 55 تعرفها كل المعرفة لأنها أصبحت منتشرة انتشار الفطر فوق الأرض يعمل بها الصغير والكبير.