المصادقة على 216 نصا قانونيا خلال سنة 2024    الغموض يحوم حول مصير اشتراكات وتعويضات 3 ملايين منخرط سيتم ترحيلهم عنوة لنظام AMO الحكومة صادقت على نسخة معدلة تضحي بمنخرطي كنوبس مقابل إنقاذ التعاضديات من الانقراض    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الورشة الاقتصادية بالمنامة
نشر في هسبريس يوم 26 - 06 - 2019


أجواء ما قبل الورشة الاقتصادية
أثير الكثير من اللغط حول ما يعرف بصفقة القرن، والتي هي في الحقيقة خطة أمريكية لإحلال السلام بالشرق الأوسط، بإشراف صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير، والتي عصر من أجلها أدمغة المخططين الإستراتيجيين الأمريكيين بالبيت الأبيض لاقتراح بديل عن خطط السلام السابقة والفاشلة، انطلاقا من كامب دايفيد إلى أوسلو، إن كانت الولايات المتحدة أعلنت ألوان هذه الخطة عبر تسريبات لمواقف دبلوماسية غير معهودة وغير مسبوقة، هذه المواقف التي جاءت مرتبة بحكم أهميتها الإستراتيجية، بدءا بالقدس ومرورا بوكالة الاونروا، وصولا إلى هضبة الجولان المحتلة.
منذ إعلان هذه الورشة سالت الأقلام وديان مداد أسود سواد غضب الشعوب العربية والفلسطينية على مآل القضية الفلسطينية، ووقفت السلطة الوطنية الفلسطينية موقف المقاطع لكل المبادرات الأمريكية جملة وتفصيلا. وقد غاب في كل التصريحات الأمريكية أي تلميح لحل الدولتين بل كان الاصطفاف إلى المواقف والسياسات الإسرائيلية أكثر قوة من بعض الأحزاب الإسرائيلية نفسها. إلى هذا صار الفلسطينيون يحسون بفراغ الصف العربي وانتقال بعض الدول ممن كانت حليفا وداعما بالأمس إلى مناور ومراوغ اليوم، يسلك سبل التطبيع بهدوء وعلى حساب كثير من التاريخ النضالي المشترك، سواء على معترك حروب المقاومة الفلسطينية والعربية أو في معترك الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإدانة الكيان الصهيوني.
في كل أرجاء العالم قام الفلسطينيون والشعوب العربية في إطار مسيرات احتجاجية وأنشطة ووقفات بإدانة تنظيم ورشة المنامة، واستغرب الكثير سبب عقدها ببلد عربي وحضور دول عربية بعينها وإن كان بعض المتخصصين يصنفها على أنها بلدان سنية، وهو نعت ضمني بصبغة طائفية وعقائدية كقاعدة تحمل الورشة. وهنا نعود إلى حجر الزاوية، وهو السعودية والإمارات كقوى إقليمية تحاول فرض الهيمنة والتوسع الإستراتيجي كأوراق لا بد منها في المنطقة لخلق التوازن والتحكم في مجريات الأمور، وهو تحول جيو إستراتيجي بالغ الأهمية إذا ما وضعنا الفزاعة الإيرانية في الجهة المقابلة لنفهم سبب عودة مضيق هرمز كمحور إستراتيجي يذكرنا بحرب السفن الإيرانية العراقية ثم الإيرانية الإماراتية، وكيف غرقت الولايات المتحدة في هذا المضيق وصار الخليج العربي / الفارسي صفيحا ساخنا تضبط نيرانه المصالح الأمريكية بالمنطقة، ومدى وفاء حلفائها لإيقاعها.
ورش المنامة الاقتصادية كانت إلى الأمس القريب لغزا حير المتتبعين، ليس بسبب اختيار المكان، فالولايات المتحدة إذا عزمت على إقامة نشاط ما فغالبا ما تجد الحليف المناسب لذلك كيفما كان، شأن روسيا أيضا، والتي صارت تستغل أستانا لمناقشة الوضع السوري والرباعية الدولية حول الشرق الأوسط بمفاوضات مدريد وأوسلو، لكن ما جعل هذه الورشة لغزا هو كون صهر ترامب قفز إلى طائرته بين الرباط وعمان والقاهرة، منطلقا من المغرب بلقاء الملك محمد السادس حول مائدة الإفطار بعد يوم من الصيام ليقوم في اليوم الموالي بزيارة قبر الحاخام حاييم بنتو بمقبرة الدارالبيضاء، ويعلن تحقيق أمنية حياته، ليربط من الدارالبيضاء ضمنيا جولته بأخذ البركة من يهود المغرب، والذين لا يخفون ولاءهم للمملكة قبل إسرائيل، ليبرز دور المغرب من جديد بعد عقود من التهميش الأمريكي المقصود بسبب موقف المملكة من السياسات الإسرائيلية منذ صعود نتانياهو إلى حكم تل أبيب، ودكه للمطار الذي بناه المغرب في غزه بغارات طائراته، مكتفيا بدعم الشعب الفلسطيني ومساندته على كل الأصعدة.
محطة المغرب أثارت اهتمام المتتبعين بعد ربطها بمحطة الأردن ومواقف العاهل الأردني من مسألة القدس، وإعلانه عن موقف شجاع بالفداء في سبيل الحفاظ على العهدة المقدسية. وكان الملك الأردني اعترف بوجود ضغوط لتليين موقفه من القدس والقبول بالوضعية بحل مستقبلي ضمن خارطة طريق مستقبلية تندرج في إطار ما يعرف بصفقة القرن.
تفاصيل ورشة المنامة
انتظر كل المتتبعين بصيص ضوء حول هذه الورشة الاقتصادية لعلهم يفهمون توجهات الإدارة الأمريكية في ما يخص صفقة القرن الغامضة، وكل ما تم تداوله هو أسماء الدول المشاركة، والتي في ردهة انتظار التأكيد، أما التي قاطعت فأعلنت ذلك صراحة من اليوم الأول وحتى قبل إقلاع طائرة جاريد كوشنير، فالسلطة الوطنية الفلسطينية تبنت موقفا جذريا من كل خطط ومبادرات الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، والتي اعتبرتها غير ذات مصداقية، وبالتالي صارت وساطتها واحتضانها لعملية السلام بالشرق الأوسط أشبه بسلوك فرض الأمر الواقع والدفع بالفلسطينيين إلى الزاوية لإرغامهم على التفاوض من أجل التسليم بحكم تل أبيب.
يومان قبل الورشة، وتحت ضغط عالمي، أفرج البيت الأبيض عن الخطة الاقتصادية، والتي أسماها "من السلام إلى الرفاهية: الخطة الاقتصادية: رؤية جديدة للشعب الفلسطيني"، وهي خطة تقع في 40 صفحة، تتخللها صور لفلسطينيين التقطت أثناء ممارستهم حياتهم اليومية وكأنها توحي بكونهم تحت أزمة اقتصادية وليس احتلال عسكري ممول من طرف أموال ضرائب الشعب الأمريكي وتبرعات اليهود عبر العالم.
الخطة تضم على غلافها ختم الولايات المتحدة وكلمة "سلام" مقسمة إلى جزأين، أولهما حرفان ينتهيان بشعار النسر الأمريكي، وهي تعني "أمريكا"، ليكون الحرف الأول من الكلمة هو تتمة الجزء المتبقي من الكلمة، وبغض النظر عن أن هذا التركيب يغطي سماء مدينة رام الله، مقر السلطة الوطنية الفلسطينية. وقد قسمت الخطة إلى مبادرات ثلاث:
- إطلاق العنان للقدرات الاقتصادية
- تقوية الشعب الفلسطيني
- تطوير الحكامة الفلسطينية
تبدأ الخطة بتوطئة تقر بكون الفلسطينيين لم ينعموا بالسلام، وبأن استمرار حالهم يجب أن ينبلج على مستقبل أفضل لهم ولأطفالهم عبر تفعيل المبادرات الثلاث السابقة.
المبادرة الأولى: إطلاق العنان للقدرات الاقتصادية
هذه المبادرة تعنى بتطوير حقوق الملكية، قانون العقود ودور القانون، إقامة ضوابط لمكافحة الفساد، سوق لرؤوس الأموال، تنشئة هيكل ضريبي وتخفيض للأسعار والرسوم عبر تخفيض الحواجز التجارية.
وتستشرف المبادرة سياسة إصلاحية تتزاوج واستثمارات بنيوية إستراتيجية تمكن من تعزيز مناخ الأعمال وتشجيع نمو القطاع الخاص.
ومن خلال هذه المبادرة سيتم تأمين التزويد الطاقي لكل من المستشفيات والمدارس، بالإضافة إلى الشركات، وكذا الماء الصالح للشرب والخدمات الرقمية، فملايين الدولارات التي ستكون محور الاستثمارات المقبلة ستفيض على مختلف القطاعات الاقتصادية الفلسطينية، إذ سيتمكن المقاولون من التوفر على رؤوس أموال وستصبح أسواق الضفة الغربية وغزة مرتبطة بشركاء تجاريين حيويين كمصر، إسرائيل، الأردن ولبنان. فالنمو الاقتصادي المتحصل من هذه المبادرة سيمكن من القضاء على البطالة المرتفعة وتحويل قطاع غزة والضفة الغربية إلى مركز للفرص.
ولتفعيل ذلك انقسمت هذه المبادرة إلى مجموعة من البرامج:
إستراتيجية الإصلاح ببناء مؤسسات حيوية واعتماد سياسة إصلاحية لجلب الاستثمارات الخارجية على شاكلة ما قامت به كوريا الجنوبية، سنغافورة، تايوان واليابان؛ وذلك بتطوير بنية تحتية صلبة وتشجيع التصدير، وهو برنامج يرسي دعائم اقتصاد فلسطيني قادر على خلق فرص استثمارية تؤهله إلى دخول اقتصاد السوق من أوسع أبوابه، دون إغفال دور مكافحة الفساد وتعزيز دور القانون وحماية الحقوق لضمان الشفافية وتكافؤ الفرص ومنح الثقة للاقتصاد الفلسطيني.
الرأسمال البشري، وذلك بتنمية قدراته على منوال ما قامت به السويد وألمانيا من خلال تطوير الكفاءات العلمية ومنح تداريب وتسهيلات للقيادات من المجتمع المدني للاضطلاع بأدوار تكوينية في المجالات الاقتصادية والحقوقية، وإقامة مراكز تأهيل وتطوير الكفاءات المهنية والمهارات الحرفية حتى يتمكن الفلسطينيون من امتلاك أدوات تمكنهم من مسايرة ركب الاقتصاد والاستثمارات المتزايدة.
المقاولة والابتكار، وهي خطة تهدف إلى جعلهما بالإضافة إلى تنمية القطاع الخاص حجر الزاوية لاقتصاد نشط. خلق القيم الاقتصادية، رسملة مكتسباتها في إطار نمو يمكنها من تحقيق النجاح، فالقطاعات المجمعة والمتواجدة بالدول المجاورة غير قادرة على إدماج الفلسطينيين، لذلك تقترح الخطة إشراك فلسطينيي العالم لتشجيع المقاولات الناشئة بربطها بمراكز الأعمال العالمية لجعلهم قادرين على تأسيس شركات ومقاولات كبيرة وناجحة.
المقاولات الصغرى والمتوسطة وإن كانت في حجمها المجهري أيضا هي ما يستوعب جل الفلسطينيين فهي نسيج وجب تطوير قوانينه وضمان قدرته على الاستفادة من قروض التمويل، وهو ما سيمكن من خلق مناصب شغل إضافية وتأسيس إطار تجاري جديد يمكنهم من الاستفادة من مزايا العولمة بدخول أسواق جديدة وامتلاك تقنيات متطورة.
المبادرة أيضا تتضمن شقا قطاعيا متعلقا ببناء بنية تحتية أساسية ترتكز على توفير الطاقة الكهربائية بالرفع من قدرتها وكفاءتها حتى تكون متاحة طوال الوقت على الأقل لمدة 16 ساعة بقطاع غزة، وتوفير الماء الصالح للشرب وبناء شبكة للصرف الصحي تقلل المخاطر الصحية المرتبطة بالمياه العادمة غير المعالجة، والتي بهذه المبادرة ستمكن الفلسطينيين من الحصول على مياه تحيي مزارعهم وفلاحتهم.
تتضمن المبادرة أيضا رقمنة الإدارة والمؤسسات المالية بتوفير تغطية أولية من الجيل الرابع في أفق تطويرها للجيل الخامس، ما يمكن من تغطية قطاع غزة والضفة الغربية وتوفير الإنترنيت.
تطوير القطاع الخاص وتعزيز قدراته الاقتصادية محور شق آخر يجعل السياحة إحدى ميزات الأراضي المحتلة باعتبارها أحد أندر الأماكن التي بها معالم دينية تاريخية. وبوجود البحر الأبيض المتوسط فالخطة تتخيل مدن الضفة كمدن بيروت، هونغ كونغ، لشبونة، ريو دي جانيرو، سنغافورة وتل ابيب، إلى جانب تشجيع تسويق المطبخ الفلسطيني كمثلجات رام الله وكنافة نابلس. كما ستدعم المبادرة بناء الفنادق والوحدات السياحية والدفع بالعلامات الكبرى إلى تشجيع وتسويق وجهة الأراضي المحتلة، وهو ما سيجلب الآلاف من السياح سنويا ويحقق نمو قطاعات عديدة ويجلب عملة صعبة. تطوير القطاع الخاص أيضا هو تطوير الفلاحة بمنح تمويل لتطوير الزراعة وإدخال المكننة والتكنولوجيا الحديثة، السقي بالتنقيط والبيوت المغطاة، مراكز ومعاهد مهنية للتكوين في المهن الزراعية والبيطرية حتى يتمكن الفلسطينيون من خلق قيمة مضافة تحقق نموهم وتفيد عائلاتهم، وهو ما سينعكس إيجابا أيضا على تمكين الفلسطينيين من امتلاك منازل وسكن لائق بهم، وأيضا عبر تخفيض نسب فائدة القروض البنكية وتوفير عروض معقولة تنمي بفعل ذلك قطاع العقار والكراء لتشجيع الاستثمار وتوطين المقاولات، وبالتالي خلق فرص شغل جديدة.
تطوير القطاع الخاص أيضا يساهم في تشجيع الصناعات اليدوية والحرف التقليدية، كالنحت على خشب الزيتون، والذي لطالما لم يستجب كفاية لطلب ممتد لمئات السنين. وبهذه المبادرة ستتمكن الدولة من بناء مناطق حرفية ومرافق، كما ستنهج سياسية تشجيعية عبر تقليص الضرائب وتسهيل إقامة مشاريع مشتركة مع دول الجوار لخلق شراكات تمكن الفلسطينيين من ملء رفوف العالم بمنتجاتهم التقليدية.
المبادرة أيضا تتحدث عن الثروات الطبيعية الفلسطينية، بتمكين السلطة من حفر مناجم وآبار لاستخراج النفط والغاز وتوفير الإمكانات اللازمة لتطوير احتياطياتها الغازية البحرية عبر مساعدات تقنية وخبرات دولية، ليتم بناء شبكات غاز مشتركة وأنابيب ممتدة على السواحل، ما يجعلها كفيلة بإنعاش خزائن الفلسطينيين بالعملة الصعبة وخلق مناصب شغل كثيرة.
المبادرة الأولى تقف عند التنمية الإقليمية والاندماج بتحقيق استقرار اقتصادي كفيل بمواكبة الاستقرار الاقتصادي لدول الجوار كمصر والأردن ولبنان، يمكنها من مواجهة التحديات والتغلب على الصعاب التنموية، وذلك بدعم تزويد مستقر للطاقة الكهربائية، استمرارية التزود بالماء، تشجيع القطاع الخاص، بناء مؤسسات مالية قوية وتطوير القطاع العام. فالاستثمارات المقترحة ستخفض احتمالية عدم الاستقرار وتخلق فرصا للرقع من الصادرات، الاستثمارات الأجنبية المباشرة وبناء شراكات قوية مع شركات موجودة بالمنطقة؛ التي استفادت من تنمية عضوية لقطاعها الخاص على غرار ما تم في بولندا في تسعينيات القرن الماضي وتونس ومصر بعد ثورات الربيع العربي سنة 2011. كما أن الخدمات العابرة للحدود كفيلة بخلق دينامية تنموية مندمجة تمكن من إيصال الخدمات لمن هم بحاجة إليها في إطار تعاون وثيق وتكامل بين حكومات المنطقة؛ وهو أيضا ما جعل من السياحة مشروعا لوجهة موحدة تجمع أهرامات مصر بمعالم البتراء وشواطئ لبنان مرورا بما تزخر به الضفة الغربية وقطاع غزة من إمكانات سياحية ستبرز إذا ما تم توفير التمويل والخبرات القادرة على خلق تعاون بين هذه البلدان لبناء إستراتيجية سياحية إقليمية منسجمة، تتضمن خطط استثمار مشتركة، حملات تسويقية وباقات سياحية إقليمية.
المبادرة الثانية: تقوية الشعب الفلسطيني
تعنى هذه المبادرة بتحرير قدرات الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم عبر برامج أربعة:
الرفع من جودة النظام التعليمي لضمان مساواة جميع الفلسطينيين في الحق في التعليم الجيد، إذ سيتم العمل على دعم وتدريب المربيين الفلسطينيين بتمكينهم من الاستفادة من الفرص التربوية والتعليمية التي تمكنهم من توفير تعليم مناسب للمناطق الجغرافية غير المغطاة؛ كما سيتم العمل على إصلاح التعليم وإدخال الابتكار إليه بتمكينه من حوافز مالية لتشجيع تنميته وتكريس كفاءته ومساره حتى يصبح قطاع غزة والضفة الغربية مركزي تميز.
برنامج ثان يعنى بتقوية القوة العاملة بخفض البطالة وتشجيع الحركية عبر توفير التداريب والاستشارات المهنية ومراكز التشغيل وتوفير الشروط والأدوات الضرورية، ما يمكن الشباب الفلسطيني من التوفر على كفاءات مهنية تؤهله لولوج سوق الشغل والقدرة على المنافسة في اقتصاد متكامل، حتى يتمتعوا بكل المزايا التي توفرها الفرص المتاحة عبر هذه الرؤية.
برنامج ثالث يمكن من تقديم موارد جديدة وتحفيزات لتطوير قطاع الرعاية الصحية الفلسطيني عبر الرفع من القدرات الاستيعابية للمستشفيات وتوفير الأدوات واللقاح والتجهيزات الضرورية لتقديم خدمات ذات جودة عالية تقلل من الحالات الاستعجالية. كما سيتم تقديم اعتمادات لتجويد خدمات ومعايير المرافق الصحية وتمكين المشتغلين بالقطاع من تكوينات وتدريبات تجعلهم قادرين على تنظيم حملات وقائية وتوعوية ضد الكثير من الأمراض والمخاطر.
البرنامج الرابع سيدعم البرامج التي تعنى بالرفع من جودة الحياة للشعب الفلسطيني، بالاستثمار في المؤسسات الثقافية، ودعم الفنانين والموسيقيين بتشجيع المرافق البلدية والفضاءات العمومية، ما يمكن الأجيال القادمة من الخلق والإبداع، كما يجعل غزة والضفة الغربية مراكز ثقافية وتفاعلية من أجل رفاهية الفلسطينيين.
المبادرة الثالثة: تطوير الحكامة الفلسطينية
تهدف هذه المبادرة إلى تشجيع القطاع العام على تقديم خدمات وإدارة شؤون الفلسطينيين بما يمكنهم من تحقيق مستقبل أفضل، فإذا حققت الحكومة قدراتها في الاستثمار في شعبها عبر تبني العناصر الأساسية المسطرة في هذه الخطة بشراكة مع القطاع العام حينها ستتحقق الرفاهية عبر هذه البرامج الثلاثة:
البرنامج الأول: تحويل مناخ الأعمال، وذلك عبر حقوق الملكية الخاصة، الحماية ضد الفساد، الولوج إلى القروض، تشغيل أسواق الرأسمال بموازاة سياسيات تنموية ورقابية، وضوح الرؤية والثقة كعنصرين أساسيين بالنسبة للمستثمرين نتيجة النمو الاقتصادي، خلق مناصب الشغل في القطاع الخاص والرفع من الصادرات والاستثمارات الخارجية المباشرة، وهو ما قامت به حكومات اليابان، كوريا الجنوبية وسنغافورة حين واجهت مجتمعاتها تحديات صعبة في أوقات حرجة من تاريخ مسارها، وهو برنامج يحدد بدقة المتطلبات التي يحتاجها لتطوير رأسماله البشري، إبراز الابتكار، خلق وتطوير المقاولة الصغرى والمتوسطة، التمكن من جذب الشركات الدولية الكبرى.البرنامج الثاني: وهو بناء المؤسسات المتعلقة بالقطاع العام الفلسطيني، والرفع من تجاوب الحكومة مع انتظارات الساكنة، عبر الرفع من استقلالية القضاء وتنمية منظمات المجتمع المدني، فنظام قضائي محكم سيكون كفيلا بحماية وضمان حقوق الملكية للجميع. شفافية أكبر للعمل الحكومي ستعزز الثقة حتى بالنسبة للمستثمرين في كون أحكام القضاء نزيهة، ما يقوي العقود المبرمة ويقوي الثقة ويجعل العملية الاستثمارية آمنة.
البرنامج الثالث: تجويد الخدمات المقدمة للمواطنين وبعدها في حياتهم، فنجاح القطاع الخاص متوقف على نظام جبائي مستقر ومالية مستقلة تراعي ظروف الفئة العاملة، تقدم أحسن الخدمات..فهذا البرنامج يهدف إلى إزالة المتأخرات على القطاع العام، بإقرار نظام الموازنة والخطط الجبائية للتحقيق تنمية جبائية مستدامة دون الحاجة إلى إثقال الميزانية أو طلب المساعدات والهبات. كما يهدف هذا البرنامج إلى تطوير خدمات الإدارة بما يمكن الفلسطينيين من الولوج وطلب المعلومات بصفة مباشرة ودون معوقات، وسيتم ذلك عبر برامج تداريب وفرص مهنية تمكن المواطنين من رفع انتاجياتهم لمواكبة متطلبات الحكامة، الرقي في أعمالهم، بتكاليف رخيصة للمواطنين وتحقق فعالية الخدمات المقدمة.
خلاصة
قراءة الخطة الأمريكية تنقلك إلى عالم مثالي وكأنك أحد مديري الشركات الكبرى أو رئيس دولة بأغلبية برلمانية مريحة، تجعلك قادرا على تحقيق كل سطورها بهدوء وتأن لتحقيق الأهداف المرجوة، وبإقحام دولة سنغافورة كنموذج يمكن الفلسطينيين من تحقيق أحلامهم، دغدغة للمشاعر ولعبا على وتر حساس قديم، يذكرنا بقولة الشهيد ياسر عرفات قبل تسميمه البطيء بتحويل قطاع غزة إلى سنغافورة البحر الأبيض المتوسط، فكان أن أصبح سجنا تقصفه مقاتلات إسرائيل من الجو وتدك أرضه بتفجير الأنفاق، ناهيك عن حصار بحري، وكأن قدر الفلسطينيين السجن أو التهجير.
من خلال الدول المشاركة يتبين أن نفس الممولين خرجوا من رحم جامعة الدول العربية بعد أن وعدوا بتقديم الملايير ليقدموا صمتهم كمساهمة في تفقير الشعب الفلسطيني وتقتيله، ليجتمعوا بربطة المعلم جاريد كوشنير المدلل ليقدم أحلاما وردية ما تلبث إسرائيل تحولها كوابيس على رؤوس الفلسطينيين، فتتحول الرفاهية المنشودة إلى جرائم أخرى تضاف للسجل الدموي لإسرائيل؛ فالنوايا المعلنة في الخطة هي نفسها ما كانت في المبادرة العربية، وهي ما كان في اتفاق كامب ديفيد واتفاق أوسلو واتفاقيات متعددة كانت ما إن يجف حبرها حتى تنقلب عليها إسرائيل وكأنها تغير جوارب قدميها.
كيف سينسى الفلسطينيون أسراهم وشهداءهم ومعطوبيهم ومهجريهم؟ كيف سينام من يبيت في العراء حالما بهذه الرفاهية وهو من تم تهديم بيته وطرده من أرضه؟ فمسألة الشعب الفلسطيني وقضيته قضية مبادئ وحقوق تاريخية وليس بحثا عن رفاهية، فلن تتمكن الدولارات من محو معاناة شعب قتل وشرد وظلم لمجرد أن مهاجرين حملوا كتابا جعلوا سطوره جوازا لكل تجاوزاتهم.
*مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.