ما عدا استبدال جنرال بجنرال آخر، في أعلى مراكز هرم السّلطة الموريتانية، لا يبدو أن نتائج الانتخابات الرّئاسية في بلاد الشّنقيط تشكّل جديداً في العلاقات بين الرّباط ونواكشوط، التي لا يحكمها مزاجُ النّاخب الموريتاني ولا ما أفرزته طموحات الشّعب، بقدر ما يتحكّم في تعقيداتها مصالح البلدين في رسم حدودِ كلّ طرف خاصة في ما يتعلّق بالنزاع في الصحراء. ويأتي انتخابُ ولد الغزواني، الذي كان يوصف بالأقربِ المرشحين تقديرا للموقف المغربي من قضية الصحراء، في وقت تعيشُ فيه العلاقات المغربية الموريتانية أسوء مراحلها، بعدما سقط الرّئيس السابق، ولد عبد العزيز، في أحضان المؤسسة العسكرية الجزائرية وجبهة البوليساريو وأبعد موريتانيا عن امتدادها الاجتماعي والعائلي والتاريخي والديني المتمثل في المغرب". ومعروف أن ولد الغزواني له علاقات جيدة مع الرباط، حيث تلقى دراسته بداية قبل أن يتوجه نحو مملكة الأردن لمواصلة تكوينه؛ لكن قربه من العقيدة العسكرية قد يجعله متذبذب الأفهام، خصوصا أن تواصله قائم مع كبار الجنرالات الجزائريين باعتباره أحد راسمي خطط القضاء على الإرهاب بموريتانيا. ويرى الدكتور عبد الرحيم المنار السليمي، الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية، أنّ نتائج الانتخابات الرئاسية الموريتانية كانت "متوقعة"، بينما يقف عندَ المخاطر التي تظهر اليوم بقدرة موريتانيا على تجاوز معادلة انتقال السلطة من عسكري إلى عسكري". في هذا المنحى، يشرح رئيس المركز الأطلسي للدارسات الإستراتيجية والتحليل الأمني أنّ "الرئيس السابق ولد عبد العزيز لم يرتكب أخطاء عسكريين في العالم العربي عمدوا إلى تغيير الدستور للاستمرار في ولاية ثالثة، متسائلاً ما إذا كان "ولد عبد العزيز سيسلم فعلاً كامل السلطات إلى الرئيس الجديد محمد أحمد ولد الغزواني". وقال السليمي إن "الانتخابات الرئاسية تؤشر على وجود مخاطر جديدة أمام ولد الغزواني؛ أولها ظهور القومية الإفريقية، فالسلطات الموريتانية ظلت تروج لخطر الإسلاميين بل إن ولد عبد العزيز وظف تحالفات خليجية للصراع مع الإسلاميين، الشيء الذي يعقد الوضع أمام الرئيس الجديد. أمّا مؤشر آخر أخطر حملته انتخابات موريتانيا، يضيف السليمي، يتعلق بالنتائج التي حصل عليها المرشح بيرام ولد عبيدي، فالقومية الإفريقية تبرز بقوة ولم يعد من الممكن السكوت عنها في موريتانيا، فمن المتوقع أن يجد الرئيس الجديد أمامه ملف العبودية الذي تحول من قضية حقوقية إلى قضية سياسية، إذ لم يعد من الممكن للسلطات الموريتانية الترويج لخطر الإسلاميين وإخفاء قضية إثنية تهدد وحدة موريتانيا". أما بالنسبة إلى السياسة الخارجية، يشير السليمي إلى أنّ "أحمد ولد الغزواني عسكري تحول إلى مدني، وسيجد أمامه دعوات وضغوطات الاصطفاف مع توجهات أنظمة عسكرية عربية في سياق ما زالت موريتانيا لم تخرج نهائيا من مناخ تأثير الجيش على السلطة، وفي المحيط الإقليمي سيكون ولد الغزواني أمام اختبار إمكانية التجاوز أو الاستمرار على نهج ولد عبد العزيز في علاقته بالمغرب". واسترسل الباحث: "سواء تسلم ولد الغزواني كامل السلطات أو ظل ولد عبد العزيز يحكم من وراء الرئيس الجديد، فإن مؤشرات تحولات خطيرة ظهرت في موريتانيا يجب الانتباه إليها. كما أن طريقة التفاعل مع التحولات الإقليمية في العالم العربي وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء ستكون محددا رئيسيا في مستقبل الحكم بموريتانيا".