في أول التَحركات الإقليمية بعد انتخاب الرئيس الجديد، افتتحت موريتانيا مسلسل علاقاتها من بوابة الجزائر، حيث بقي محمد ولد الغزواني وفيا لعقيدته العسكرية، وكان أول ملف يفتحه مع محيطه هو تأمين الحدود البرية، بالتنسيق مع قصر المرادية، بالإضافة إلى قيادات من جبهة البوليساريو، التي باشرت بدورها مسلسل استمالة السياسيين الموريتانيين. والتقى محمد سالم ولد مرزوك، وزير الداخلية الموريتاني، أمس الثلاثاء، مع السفير الجزائري نور الدين خندودي، متباحثين سبل فتح الحدود البرية وجعلها أكثر مساهمة في اقتصاد البلدين، مشيرا إلى "قرب التوقيع على لجنة مشتركة تشرف على العلاقة بين البلدين"؛ فيما اتجه الدبلوماسي الجزائري إلى "تثمين الروابط بين الطرفين، في أفق تعزيزها بشكل أكبر". وموازاة مع اللقاء المذكور، باشر المسؤولون عن المناطق الحدودية في ولاية تيرس الزمور المتاخمة للحدود، يتقدمهم الوالي اسلمو ولد سيدي، تنسيقهم مع جبهة البوليساريو؛ فقد حل وفد من الجانب الانفصالي بمدينة افديريك، متباحثا أمور شبكات التهريب وحدود منطقة تندوف. ومعروفٌ أن ولد الغزواني مقدر للموقف المغربي من قضية الصحراء، وله علاقات جيدة مع الرباط حيث تلقى دراسته بها بداية قبل أن يتوجه نحو مملكة الأردن لمواصلة تكوينه؛ لكن قربه من العقيدة العسكرية قد يجعله متذبذب الأفهام، خصوصا أن تواصله قائم مع كبار الجنرالات الجزائريين باعتباره أحد راسمي خطط القضاء على الإرهاب بالجارة الجنوبية للمغرب. ويعتقد عبد الرحيم منار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، أنه "من الواضح جدا أن اجتماع محمد سالم ولد مرزوك، وزير الداخلية واللامركزية الموريتاني مع نورالدين خندودي، السفير الجزائري بنواكشوط، يشكل بداية ضغط جزائري على السلطة الموريتانية الجديدة من طرف المجلس العسكري الجزائري بقيادة القايد صالح". وأضاف المتحدث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "مضمون الاجتماع المتعلق بتعبيد الطريق البري الرابط بين تندوف وشوم مرتبط بمشروع أنجز مع الرئيس الموريتاني السابق ولد عبد العزيز في مرحلة أزمة العلاقات المغربية الموريتانية"، مشيرا إلى أن "الضغط الجزائري الجديد على موريتانيا يهدف إلى استمالة السلطات الموريتانية الجديدة من طرف المجلس العسكري الجزائري". وأوضح منار اسليمي أن "الأمر أبعد بكثير من طريق تجاري، ويتعلق بإقامة منطقية رمادية تريد بها الجزائر إنشاء حدود عائمة مع الشمال الشرقي الموريتاني، وسيكون المستفيد من هذه الحدود العائمة هي جبهة البوليساريو؛ فوراء طريق تندوف -شوم خطة جزائرية تستهدف تطويق المغرب، ونشر البوليساريو على طول الشمال الشرقي والشمال الموريتاني". وأكمل أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس: "لذلك، يلاحظ نوع من الحذر لدى السلطات الموريتانية الجديدة التي تحاول التحرر من الفخ الذي أوقعت فيه السلطات الجزائرية الرئيس السابق ولد عبد العزيز، ما دام طلب إنشاء طريق تندوف -شوف لم يكن موريتانيا، وإنما خطة جزائرية لتطويق المغرب".