بكثير من الشغف وبنبرةٍ ملؤها الغيرة والرِّضى، نقلت الممثّلة الجزائرية الفرنسية نادية قاسي ملامح الحراك الجزائري الذي وقف حجر عثرة في طريق الولاية الخامسة للرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، وبعثرَ أوراق واضعي سياسة الجارة. وفي تدخُّل لها في الدورة الثامنة من منتدى الصويرة لحقوق الإنسان، الذي نُظّم موازاة مع الدورة الثانية والعشرين من "مهرجان الصويرة كناوة وموسيقى العالم"، التي اختُتِمت فعالياتها الأحد، قالت نادية قاسي إنها رغم تحفّظها على استعمال مفهوم الثورة لوصف ما حدث في الجزائر تقر بأن ما شهدته من مسيرات "ثورة حقيقية". ووضّحت قاسي أن مع ما سبق أن مرت به الجزائر من أزمات كان من الممكن معه القول إن المسيرات في الجمهورية لن تؤدي إلا إلى العنف، ثم استدركت قائلة: "بينما أسفرت عن ثقافات وإبداع في المطويات، والشعارات، والإشارات، والمرجعيات الثقافية في الكتب والسينما والرسوم، والسْلامْ، وهو تعبير زجلي مُقفّى شبابي أقرب إلى "الراب"، والشعر، والأناشيد...". وقرّبتِ المتحدّثةُ جمهورَ منتدى الصويرة من أجواء الرسائل والإمتاع والتخيُّلِ الذي حملته المسيرات الجزائرية، وأضافت أن الكلمة الأساسية التي رافقتها هي "السِّلْميّة"، وأن مشجِّعِي النوادي الرياضية كانوا مساندين لها بقوّةِ قدرتهمُ التنظيمية، رغم أن هذا لم يكن متوقعا بفعل الأحكام المسبقة حول "الهوليغنز"، أي مجموعات مشجّعي كرة القدم المعروفة بالعنف وشغب الملاعب. وفي وقت كان مِلؤُهُ الحديثَ عن كيفية اليقظة في غياب المثقّفين والفنانين، وانتظار "الدماء والشّغب" عند نزول مشجّعي الفرق الكُرَوِيّة، قالت قاسي إن طبيعة التّنظيم الذي قامت به هذه المجموعات مسَّتْها، وعدّدت أمثلة عن الاحترام المتبادل الذي شهدته المسيرات، وغياب التّحرّش، رغم وجود قصص صغيرة، وعدم الصّدحِ بالشعارات قرب المستشفيات، ورؤيَتِها شوارعَ الجزائر العاصمة، في وقت المظاهرات، في أنظف حالاتها.. ما فاجأ الممثّلة التي نشطَت عامَ 2004 في ائتلاف "20 عام باراكا" الذي طالب بإلغاء قانون الأسرة الجزائري الذي يعود للعام 1984، هو "بزوغ مجتمع مدني بين عشية وضحاها"، واسترسلت مفسِّرة هذه "المفاجأة" بالقول: "وكأننا كنّا نعيش اكتِئابا جماعيا، ثم دخلنا في مصالحة اجتماعية حقيقية". ورأت قاسي أن قدرة نوادي التّشجيع الكروية على التنظيم، مثل نادي "اتحاد العاصمة"، يرجع إلى التجربة التي راكمتها لتجمُّعِ ناشطيها بأعداد كبيرة للتشجيع، حتى في زمن العمل بحالة الطوارئ في الجزائر، ثم استحضرت كلمات تكرّرَ ذكرُها في المسيرات، مثل "الحُكْرَة"، أي الإحساس بالقهر، ووضّحت أن "تدخلات الشرطة عندما كانت تتمكّن من ذلك لم تكن هي الأعنفَ في تاريخ التدخّلات". وأبرزت الممثّلة السينمائية والمسرحية الجزائرية الفرنسية ضرورة التعايش بين الإسلاميين والديمقراطيين دون عنف، وأحالت في هذا السياق على ما شهِدَتْهُ المسيرات من "فرحة وضحكات ووجهات نظر متماثلة، ومطالبةٍ بإيقافِ الولاية الخامسة، والاستقالة، ومواجهة الأوليغارشية.."، إضافة إلى ترديد شعارات مثل "لا كاسا دي المرادية"؛ وهي أنشودةّ "آلتراسِيّة" مستوحاةٌ من المسلسل الإسباني "بيت من ورق"، تناولت بالنّقد كل عُهدَة من عُهْدات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والتوجُّهَ، آنذاك، نحو منحه عُهدَة خامسة.