نظمت الوكالة القضائية للمملكة، بتنسيق مع مؤسسة "كونراد أديناور ستيفتونغ"، يوما دراسيا حول موضوع الدفع بعدم دستورية القوانين، بعد أيام قليلة على إحالة الصيغة الجديدة لمشروع القانون التنظيمي المتعلقة بالدفع بعدم دستورية القوانين، إثر عرضه على المجلسين الحكومي والوزاري. واعتبر محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، في كلمة تلاها نيابة عنه محمد قصري مدير الوكالة القضائية للمملكة، موضوع الدفع بعدم دستورية القوانين يشكل آلية أقرها الدستور من خلال أحكام الفصل 133، مؤسسا بذلك ولأول مرة في المنظومة الدستورية المغربية للرقابة البعدية على دستورية القوانين لتنضاف إلى الرقابة السابقة المقررة بموجب الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 132 من الدستور. وأوضح المتحدث ذاته أن "هذه الآلية الجديدة للرقابة البعدية على القوانين تعد ضمانة هامة لحماية الحقوق والحريات، مما قد يشوبها من خرق أو انتهاك أو حرمان وتساهم في تيسير ولوج المتقاضين إلى القضاء الدستوري وتكريس سمو الدستور على كافة القوانين. كما أن هذه الآلية تمكن المواطنين من المساهمة في تنقيح المنظومة القانونية، مما قد يشوبها من عيب دستوري، ومن شانها تعزيز المواطنة وتحقيق الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة". وأشار الوزير إلى أن "الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية تكتسي حجية مطلقة وتلزم جميع السلطات الإدارية والقضائية، ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص قانوني التزام السلطة التشريعية باستبدال النص المقضي بعدم دستوريته بنص جديد يتفق والمبادئ المعلنة بالحكم. كما أن السلطة القضائية تكون ملزمة بعدم تطبيقه في الدعوى المعروضة عليها، والحجية المطلقة تثبت للحكم الصادر في الدعوى الدستورية، سواء أكان قد قضى بعدم دستورية المقتضى التشريعي أو برفض الدعوى". وأكّد بنشعبون أن الحجية المذكورة "تثبت سواء لمنطوق أحكام المحكمة الدستورية أو بالتفسيرات التكميلية أو المشروطة المضمنة في قراراتها، وحتى إذا حددت معنى محدد لمضمون نص تشريعي، فلا يجوز لأي جهة كانت أن تعطي هذا النص غير ذلك المعنى؛ غير أن هاته الحجية ليست دائمة بل يجوز للمحكمة أن تتراجع عن قراراتها نتيجة تغير الظروف الواقعية والقانونية استجابة للتغييرات التي تطرأ على المجتمع لأجل التجاوب مع احتياجاته". ومن جهته، حذر محمد أشركي، الرئيس السابق للمجلس الدستوري، من "مغبة تضخم القضايا المعروضة على المحكمة الدستورية في احتفاظها بآلية للتصفية"، منتقدا الطريقة الميكانيكية التي تعاملت متعها الحكومة بخصوص ترتيب الآثار القانونية لقرار المحكمة الدستورية دون اجتهاد في إبداع في اقتراح حلول بدلية". أما أمينة ماء العينين، عضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، فقالت "ستكون أمامنا فرصة جديدة للتفاعل مع النص الجديد بعد إحالته، في نقاش تأسيسي مهم أتمنى أن يستعد له البرلمانيون في تفاعل مع أصحاب الاختصاص لأهمية النقاش والحوار والانفتاح على مختلف وجهات النظر". يُشار إلى أن اليوم الدراسي عرف مشاركة خبراء من المغرب وإسبانيا وألمانيا وفرنسا استعرضوا تجاربهم في مجال الدفع بعدم الدستورية، كما عالجوا إشكالات منها تحديد المقصود بالأطراف المعنية بإثارة الدفع بعدم الدستورية وتحديد المقصود بالقانون محل الدفع بعدم الدستورية، ومتى يعتبر مساسا بالحقوق والحريات الأساسية التي يضمنها الدستور والإشكاليات المرتبطة بمسطرة البت في جدية الدفع من قبل المحكمة. وعمل المشاركون في النشاط على تحديد المقصود بالمحاكم وكيفية الإحالة على المحكمة الدستورية ومسطرة البت من قبل هذه المحكمة والآثار المترتبة على قرار المحكمة الصادر بعدم الدستورية بين اعتبار أحكامها كاشفة لعدم الدستورية أو منشئة لها، أي بين الأثر الرجعي والفوري لأحكام المحكمة الدستورية وبين إمكانية إرجاء آثار الحكم بعدم الدستورية لتاريخ لاحق حماية للأمن والنظام العام وتفادي الفراغ التشريعي. وتم التأكيد خلال المداخلات على أن العمل بآلية الدفع بعدم الدستورية سيعزز مكانة المحكمة الدستورية داخل المؤسسات الدستورية وسينقلها من مؤسسة ذات ارتباط بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، إلى مؤسسة لها ارتباط أيضا بالسلطة القضائية؛ وهو ما يشكل لبنة أساسية في إرساء قواعد المحاكمة العادلة وضبط العمل التشريعي وإقرار التوازن بين المؤسسات والسلط، وبين مبادئ الشرعية الدستورية واعتبارات الأمن القانوني والحفاظ على الحقوق والحريات ومتطلبات النظام العام.