ما إنْ تظهرُ بوادر حِراك مجتمعي في المغرب حتّى تُسارع الدّولة إلى توْجيهِ اتهامات مباشرة لجماعة العدل والإحسان، أحد أكبر التنظيمات الإسلامية في المملكة، باحتمالِ لعبها دورا قياديا في الاحتجاجات، وهو ما جعلَ علاقة الدولة بالجماعة يَشوبها تشنّج وصراع، بدا اليوم واضحاً مع توْقيفِ ثلاثة أساتذة للطّب ينتمون إلى الجماعة بسبب علاقتهم بإضرابات كليات الطب والصّيدلة. الصرّاع القديم الجديد بين الدّولة وأعضاء جماعة العدل والإحسان لم يعد خفياً، ودائماً ما كانت العلاقة بينهما متوترة ومتشنّجة، وصلت إلى حدّ اتهام كلّ طرفٍ بلعب أدوار "خفيّة"؛ فالسلطات المغربية تتهم الجماعة الإسلامية المعارضة بلعب دور في الاحتجاجات، وبأنها تصبّ الزيت على النّار وتؤجّج الوضع، فيما تعتبر جماعة عبد السلام ياسين أن هناك توجهات رسمية استئصالية ضدها. وظهر هذا الصراع جلّيا بعدما اتهمت الحكومة المغربية الجماعة المعارضة ب"الوقوف وراء احتجاجات طلبة الطّب"، وقالت في اجتماع لها: "هناك جهات أخرى، وبالضبط جماعة العدل والإحسان، استغلت الوضعية لتحريض الطلبة من أجل تحقيق أهداف لا تخدم مصالحهم". وتُتابع السلطات المغربية تحركات أعضاء الجماعة بقلق شديد، خاصة بعد الدور الذي لعبوه في تأطير عدد من الحركات الاجتماعية؛ مثل حراك الريف واحتجاجات "الربيع العربي" التي مثلتها آنذاك حركة 20 فبراير، ما جعل الجماعة الإسلامية الأكثر جماهيرية في المغرب تعيش على وقع صراع دائم مع السلطة. تضييق ممنهج ويعتبرُ حسن بناجح، القيادي في جماعة العدل والإحسان، أن "ما تتعرّضُ له الجماعة من أشكال متعدّدة من التضييق أصبح حالة عامة ولم يعد مقتصراً عليها"، مضيفاً: "المقاربة الأمنية أصبحت هي الأسلوب البارز في تعامل السلطات مع المعارضين والصّحافيين وأصحاب الرّأي". ويشير القيادي الإسلامي في تصريح لهسبريس إلى أن "السلطة في المغرب أصبحت في مواجهة مفتوحة مع الشعب، وليْسَ فقطْ مع العدل والإحسان"، منطلقاً من "الأشكال الأخيرة للتضييق على الجماعة، خصوصاً معَ استمرار مسلسل تشْميع البيوت التي وصل عددها 14 بيتاً مشمعاً خارج القانون وخارج المعايير الحقوقية، ما يمثل خرقاً لكل المواثيق المتعلقة بحق الملكية وحرمة المسكن"، على حد قوله. ويبرز بناجح أنّ "هذه القرارات كلها سلطوية تحكمية بعيدة عن القضاء المخول له النظر في هذه الأمور؛ يضاف إليها ما يتعرض له ثلاثة أساتذة للطب ينتمون إلى الجماعة، لا لشيء إلا لانتمائهم ونشاطهم النقابي المعروف"، وفق تعبيره. ويرفضُ المتحدّث "هذا المسلسل من التضييق"، موردا: "هذا لن يثنينا عن الدفاع عن المظلومين"، داعياً السلطات إلى "الكف عن تعليق الفشل الرّسمي على شماعة العدل والإحسان، والعمل على معالجة الأسباب التي تؤدي إلى هذه الاحتجاجات، وذلك بمعالجة مسبباتها". تشنّج دائم من جانبٍ آخر، يقول كريم عايش، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، إنّ "علاقة الدولة بجماعة العدل والإحسان تتسّمُ بنوع من التّشنج والصراع، وإن كان توجه الجماعة في باطنه ينبذ العنف وثقافة الكراهية ويتجنب الاحتكاك بالدولة والدخول في مواجهتها المباشرة، إلا أنها مازالت تصر على تبني مقاربة أحادية للشأن الديني وفق فكر ورؤية شيخها عبد السلام ياسين". وما يأخذ على الجماعة، حسب عايش، "عدم تكيفها مع المعطى السياسي ورفضها للتدجين والمواءمة الفكرية مع متطلبات الممارسة السياسية، وقبولها بمقتضيات القانون في ما يخص التجمعات والأنشطة الدينية والتظاهرات التعبدية، كالاعتكاف الرمضاني". مواجهة مفتوحة ويرى الباحث ذاته أن "الأمر يزداد حدة في الجامعات بسبب المواجهات التي تعرفها الساحة الجامعية بين الفصيل الطلابي للعدل والإحسان والطلبة الاشتراكيين تارة والقاعديين تارة أخرى؛ والتي تتسم بحدة شديدة وتكاثر الضحايا". لكن ما يُحسب على الجماعة، وفقاً لتصريحات عايش، "انخراطها في بعض المظاهرات والحركات الاحتجاجية، كالمظاهرة المضادة لمدوّنة الأسرة وانطلاق حركة 20 فبراير، والتي أراد منظموها أن تشبه تظاهرات الربيع العربي قبل أن تنسحب الجماعة وتعود إلى الوراء".