لكي نقتربَ من "بيت قصيد" أو معنى هذا العنوان، نبدأ من معاشنا وواقعنا وحاضرنا، أي ما يتوافق مع روح الذّكر الحكيم "إنّي معكما أسمع وأرى"، حيث شهدنا عقِب "انفجار" ربيع الثورات أو الربيع الديمقراطي حِرص الأصوليين الذين نقول عنهم "معتدلين" أو "وسطيين" يعبّئون ويشحنون الشباب الذي كان ينتظر شيئا ما من تضحية البوعزيزي، ليقدّمونهم في جبهات خاسرة هنا وهناك.. لقد تلقّفهم الأصوليون المتشدّدون أو لنقل الإرهابيون، فارتاحت منهم ومن أحلامهم الحكومات الملتحية، ونفّذوا بهم مخطّطات قذرة أو لنكن علميين فنقول: أقذر وأقبح من خصمهم، نقول ذلك لأنه لو كانت "داعش" وأخواتها ستصل لكان "السلطان الغشوم" أحسن وربما أرحم. ولقد وصلوا إلى السلطة فعلا بعد انتخابات و"شعبية" بنوها لعقود بالصّدقة والإحسان، فخذّروا الشعوب وأوهموها أنها "صابرة" ثم عاشت في الظلام.. والأقبح في كل القصة هو أنه لو لم يغيّب الشيخ عقل مريديه لما تمّ التسفير إلى بؤر التّوتّر، ولو كان الشباب يريد الحياة فعلا لاستعمل عقله لثانية واحدة كي يفهم معنى التطبيل وقرع طبول الحرب من أجل فلسطين وبورما وقبلهم البوسنة... وطبيعي أن ينتحر الشباب في هذه الجبهات ما دام لم يجد عملا وعائلة.. طبيعي أن يُسفَّر ويرسل مباشرة إلى غيب الحوريات.. ولطالما غيّبوا عقولنا بتمديد الغيْب الذي نؤمن به أصلا ولم نراه ! نقطة حرِجة صدّقوني.. لقد آمنا بالغيب أبا عن جد، وفينا قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: "بل إخواني من يؤمنون بي ولم يروني"؛ لكن للأسف لقد سفّرتنا الصحابة والوضّاعون و"الفاتحون" والمشايخ.. إلى عالم التّيه والخيال حتى لا أقول أكثر.. ولقد حقَّ علينا أن نعود إلى المَعين الصّافي، أو نتقدّم برؤيتنا للتراث فنحقّقه ثم نحرّر عقولنا واختياراتنا ومعها الدين الحقّ من صوْل الظلام والسياسة. أتذكّر يوم سألت رفقة صديق لي شيخا أزهريا كنا وإياه نحظّر الدكتوراه في بلاد "الكفار" قائلين: لما "هؤلاء يُحسنون الإدارة ويعطون الحقوق" كما أوردها في خطبة الجمعة؛ واسترسلنا: كيف يعطيهم الله كل هذا ونحن نتفرّج؟ فكان أن قال لنا: "هم يجازيهم الله في الدنيا كي لا يستحقوا شيئا في الآخرة". حينها، تجسّد لديّ قول الشاعر أحمد مطر عن الوالي: "رآنا أمّة وسطا فما أبقى لنا دنيا ولا دينا".. ولقد سفّرت، فعلا، حكومة مبارك شيخنا ممنوحاً إلى بلاد "الكفار" كي يعود أو يعْلَق بها؛ وبدوره يُسفّر الناس إلى كوكب الأزهر بنظريات تغييب العقل. وبات حقيقا علينا أن نبسّط مقولة: "أخرجوا السياسة من حقل الدين"، خصوصا أنها ترسّخت في الأذهان كما عمِل عليها الإسلام السياسي لمدة قرون؛ أن "الدين شريعة وحياة"، لكي نقول بوضوح لا توسّعوا مجال الغيْب، فمن حقّنا أن نسمع ونرى كما من حقّنا أن نحْيَى الشريعة في الحياة "إذا ما استطعنا إليها سبيلا"، أليس "مَن ظَلم سنعذِّبُه ثمّ يُردّ إلى ربّه فيعذّبه عذابا نُكُرا !".