دردشة على خليج طنجة مع بنعمور حول الاقتصاد والسياسة الحديث مع عبد العالي بنعمور، الذي يشغل حاليا رئاسة مجلس المنافسة، هو حديث مع مناضل سبر أغوار السياسة والنضال وعالم الاقتصاد. لكن كان اللقاء مع الصحافة الذي أعقب جلسة الافتتاح للمناظرة الدولية الثالثة للمنافسة المنعقدة بطنجة خلال الفترة من 14 دجنبر إلى 17 من ذات الشهر فرصة لمعرفة كثير من المواقف الغير المهادنة من رجل ظل خلال الثلاث السنوات الأخيرة يطالب بوضع سكة المغرب الاقتصادي على الواجهة الصحيحة من خلال إخراج منطق المنافسة من مجال مهادنة اللوبيات والاحتكارات والتركزات إلى منطق التقنين والمراقبة والمحاسبة. في لقاء بنعمور مع جمهرة من الصحافيين تحدث بنعمور، الذي ترأس جمعية بدائل لسنوات، وكان مناضلا وممثلا برلمانيا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية زمن المعارضة، تحدث رئيس مجلس المنافسة عن السياسة و الاقتصاد وصندوق المقاصة. كما تحدث عن الربيع العربي وحركة 20 فبراير، تحدث عن عبد الإله بنكيران والتيار المحافظ في المغرب، في هذا المقال نتوقف عند بعض هواجس الرجل. والهدف أولا الوقوف عند ما يخالج رجل ينتظر من المجلس الذي يترأسه أن يشكل إحدى المؤسسات الدستورية المعول عليها لدمقرطة عالم الاقتصاد الوطني، وثاني الأهداف هو الوقوف على بعض تحديات وهواجس مغرب الغد من رجل ظلت صراحته غير مرحب بها من قبل العديدين. جدلية السياسة ومقاربة الإصلاح انتقل بنعمور من فاس إلى الدارالبيضاء سنة 1967، وهناك بدأ شغبه السياسي. لكن عن سياسة اليوم يقول بنعمور: الانتظارات الكبرى والجوهرية لازالت تنتظر المغرب، لقد تمت عدد من الإصلاحات خلال العقد الخير لكنها إصلاحات سطحية لم تنفذ إلى عمق المشكل. بالنسبة لبنعمور ما ينقص المغرب هو أن يؤمن السياسي، والحزب السياسي، والحكومة السياسية، بأن أي إصلاح لا بد له من ثمن سياسي عليه أن يكون مستعدا لأدائه. دون ذلك لا يمكن أن نتقدم على درب الانتقال الديمقراطي. كثير من الإصلاحات تضيع في منتصف الطريق، والسبب وفق بنعمور، هو أن الحكومات المتعاقبة على المغرب لا تمتلك الشجاعة السياسية ويتملكها الخوف الدائم لقول الحقيقة، وتغيب لديها الجرأة السياسية الكافية على تحمل تبعات الإصلاح وبالتالي أداء ثمن الإصلاح. لهذا المطلوب بداية هو الاستغناء عن العمل وفق المبدأ الدارج الذي يعتمده السياسي المغربي في تدبيره للشأن العام ومفاده " كم من أمور قضيناها بتركها". هذا المبدأ الذي ظل تدبير السياسات العمومية تشتغل في كنفه منذ الاستقلال. هل يمكن لما أفسده العطار أن يصلحه الزمن؟ يقول بنعمور إن إصلاح الوضع في مغرب اليوم صعب لكنه غير مستحيل. فالاقتصاد الوطني يعيش أزمة العجز وثقل المديونية وعدم عدالة النظام الضريبي ، كما أن هناك أوضاع اجتماعية غير ميسرة، وهناك جراك اجتماعي ونشاط حركة 20 فبراير، كل هذه الخريطة المقلقة تتطلب تضافر جهود كل الفاعلين المؤسساتيين والمجتمع المدني والمواطن لصياغة خريطة الطريق للإنقاذ: حكومة قوية تمتلك الشجاعة لقول الحقيقة ومستعدة لتحمل ثمن الإصلاح ومجتمع مواكب ومؤسسات دستورية منخرطة لإنجاز ورش الإصلاح المتعدد الجوانب. امتلاك إستراتيجية موحدة والبداية بذكاء والتواصل مع الشعب وتحديد أولويات التدخل مفاتيح أساسية حسب بنعمور لمباشرة الإصلاح. هل سيحل رئيس الحكومة المعين حديثا، وفق دستور 2011 الذي منح لمؤسسة رئيس الحكومة صلاحيات واسعة، مشكل الزعامة في المغرب؟ زعامة الجهاز التنفيذي طبعا. بالنسبة لبنعمور المستقبل كفيل بالإجابة. المهم بالنسبة لرئيس جمعية بدائل سابقا، أن أولويات الإصلاح تتمثل في محاربة الرشوة والفساد، وتكريس منظومة الحكامة الجيدة في المرفق العمومي أولا، ثم إصلاح الإطار الماكرو اقتصادي للبلاد الذي انتهكته التدخلات " الغير المحسوبة لحكومة عباس الفاسي"، وكذلك إصلاح صندوق المقاصة. عن عبد الإله بنكيران، قال بنعمور، لقد اشتغلنا جميعا في المجلس الأعلى للتعليم، واختلفنا في عدد من المواضيع، منها إشكالية اللغة. واعتبر بنعمور أنه كان المنادين الأولين في جمعية بدائل إلى تحقيق إفراز اديولوجي تتشكل خلاله ثلاثة أقطاب أساسية تتناوب على تدبير الشأن العام: القطب التقدمي اليساري، القطب المحافظ، القطب الليبرالي. ونبه بنعمور على أن حزب العدالة والتنمية قدم برنامجا انتخابيا طموحا، كما كان من المنادين بتفعيل الدور التقريري لمجلس المنافسة، كما أن مطالبه الداعمة للحد من كل مظاهر الفساد قوت من شوكته، مضيفا أن من الواجب على بنكيران وفريقه أن يمتلك مفاتيح الاستفادة من مجريات ورياح السياسة في مغرب اليوم لتحقيق مطالب الإصلاح. عالم الاقتصاد واستحكام لوبيات الخفاء الاقتصاد الوطني ليس بخير، هذه هي خلاصة بنعمور لمقاربته للوضع الذي سيتسلم فيه بنكيران دفة تدبير الشأن العام من سلفه عباس الفاسي: الإنفاق العمومي غير متحكم فيه، نظام الدعم غير عادل، عجز الميزانية من الناتج الداخلي الخام يصل 7.5 بالمائة، نسبة تغطية الصادرات بالواردات غير مطمئن، عجز في ميزان الأداءات... هنا يجب أن تتجسد فعليا شجاعة الحكومة المقبلة لمباشرة ما أفسده الدهر والسياسات العرجاء السابقة. بالنسبة لصندوق المقاصة قال بنعمور: حرام أن يتم تخصيص 45 مليار درهم لدعم بعض المواد الأساسية والتي يستفيد منه الغني والمؤسسات الإنتاجية أساسا والضعيف بحكم ضعف استهلاكه لا يستفيد من تدخلات الصندوق إلا بنسب لا تسمن ولا تغني من جوع. وذهب بنعمور إلى أن الصندوق كن سيعرف تخولان في طريقة اشتغاله سنة 2006 وتم تأجيل ذلك لدواعي الخوف من ردود الفعل إلى سنة 2010 لكن لحدود اللحظة لم يحصل أي إصلاح. وكشف بنعمور على أن حكومة عباس الفاسي طلبت قبل أشهر من مجلس المنافسة النظر في 15 مادة من القانون المنظم لصندوق المقاصة، لكن الربيع العربي لم يترك " أية فسحة من الجرأة السياسية أمام حكومة الفاسي لمباشرة الإصلاح ويتم الحديث عن إصلاح مؤجل إلى سنة 2014" وأبرز بنعمور على أن مجلس المنافسة بصدد استكمال دراسة على سيناريوهات إصلاح الصندوق سيتم تسليمها في النصف الأول من سنة 2012 للحكومة المقبلة. واستحضر بنعمور عدد من التجارب العالمية خاصة في أمريكا اللاتينية حيث أموال الدعم العمومي تتجه مباشرة إلى جيوب المستضعفين والطبقات المهمشة والمجالات الفقيرة من المجتمع من خلال تبني إستراتيجية الدعم بالمدخول وليس عبرمقاربة دعم السعر. فيما يتعلق بمجلس المنافسة، قال بنعمور بأن مشروع معدل للقانون المؤسس للمجلس بين أيدي الأمانة العامة للحكومة، متمنيا من الحكومة المقبلة تسريع وثيرة معالجة القانون ليخرج إلى حيز الوجود في الدورة الولى من سنة 2012، واعتبر أن المطلب الأساسي في هذا الصدد يتمثل في إحداث تحول في المسار في اتجاه يتصالح فيه مجلس المنافسة مع المعايير المعمول بها عالميا، حيث مجلس المنافسة يصبح مؤسسة دستورية تتمتع بالاستقلالية، سلطة ذات الاختصاص العام، لها حق التقرير، تتمتع بسلطة الإحالة الذاتية، لها سلطة التحري والمرافعة. واعتبر بنعمور على أن دستور فاتح يوليوز 2011 قد منح دورين أساسيين لمجلس المنافسة. أما أولهما فيتمثل في الحد من الممارسات المنافية للمنافسة الشريفة. والدور الثاني يتلخص في مواجهة التصرفات التجارية غير المشروعة. منبها إلى أنه لكي لا يتحول مجلس المنافسة إلى ما يشبه محكمة فإن على القانون المرتقب أن ينص على أن اختصاص مجلس المنافسة تقتصر على التصرفات التي تمس في الصميم بالسوق، على أن يبعث المجلس التصرفات الصغيرة التي تقدم إليه إلى القضاء المختص. وفي انتظار وضع سكة مجلس المنافسة على سكة ماهو معمولبه في التجارب العالمية الرائدة، شدد بنعمور على أن عدد من اللوبيات التي تلعب في الخفاء، تتحكم في الاقتصاد الوطني، معتبرا أن الضحية الأولى لتغييب المنافسة الشريفة في السوق هو المستهلك والمقاولة والمستثمرين. مشددا على أن اقتصاد الريع يمكن أن يخنق الاقتصاد الوطني. مطالبا من جهة ثانية الحكومة مواجهة الريع الآتي من تدبير بعض السياسات العمومية( الصفقات العمومية، رخص النقل، مقالع الرمال، الصيد البحري، الأراضي الفلاحية). السؤال المطروح في نهاية اللقاء الصحفي في خليج طنجة مع بنعمور: من يخيفه الإصلاح في مغرب اليوم؟ ربما الجواب على السؤال الصعب والشائك والمتشعب قد يوضح بعض معالم وتضاريس صراع الغد في مغرب لا يزال يتلمس سبل الإنعتاق من مركب التخلف. [email protected]