ظاهرة رمضانية مخيفة مع بداية كل يوم رمضان، تطالعنا وجوه بسحنات مكفهرة ونظرات عدوانية لا تلوي على شيء، وإذا انتصف النهار أضحت شوارعنا حلبة للمشادات والاصطدامات والملاسنات المقذعة... والتي تفضي توا إلى أقسام المستعجلات أو مخافر الشرطة. السياقة تقودها مزاجية مفرطة في السادية والغطرسة؛ لا تعير لقانون السير إلا انتباها قسريا عابرا مع عبور نقط المراقبة، إذ ذاك يتحلل السائق من قانون السير العام ويتحلى بقانونه الخاص.. إذا حل وقت العصر فعليك بالتعاقد مع سيدنا أيوب ليمنحك صبره لتستعين به على شق طريقك وسط غابة بشرية؛ فاقت في وحشيتها الحيوانات الضارية، وكلما حاولت تحاشي النظر إلى سطيحات وجوهها أمكن لك النجاة بجلدك. إذا غشيت سوقا للتبضع فلا تلومن إلا نفسك ولا تلومن أحدا، واعلم حينها أنك داخل مستعمرة اقتصادية حرة، لا يد فيها لا للعثماني ولا لحكومته ولا للسلطات المحلية، بل عليك القبول ب"الواجد" والذي تترجمه هذه المعادلة التسوقية: الرداءة = الغلاء الفاحش؛ الجودة = "تحسينا بلا ماء". أما إن تجرأت ودخلت مطبخا منزليا قبل أذان المغرب ببضع دقائق، فاكتم أنفاسك حتى ولو شاهدت حرائق أو تناهت إلى مسامعك صراخات ولعنات من العيار الثقيل. لكن محاولة استقضائك لغرض إداري ما؛ وأنت تلج إلى مؤسسة أو مرفق عمومي؛ فعلاوة على حملك لبطاقة أيوب في الصبر عليك أن تحوقل وتتلو على مسامع الموظفين والمستخدمين جهارا اللازمة "الله يكونْ فعونْكم"، إذا رغبت فعلا في حصولك على "وثيقة ما"، وإلا منحوك بدلها موعدا بسنة ضوئية ! صور بشعة للترمضينة في أعقاب الفراغ من صلاة التراويح، يعود إلى الشارع هيجانه؛ لكن هذه المرة عبر أبواق السيارات "وطحن" قانون السير، واحتلال الفضاءات العمومية، والترجل وسط قارعة الطرق ولامبالاة بمروق السيارات والعربات والدراجات.. تحتك أنظارنا ومسامعنا كل حين بأخبار دموية في المحطة الفلانية أو بحي كذا منها على سبيل المثال: أب من جماعة ريصانة بالعرائش يذبح ابنته في غياب زوجته ويدفنها بحفرة داخل المنزل ! بمنطقة الاخصاص تم العثور على جثة تلميذ معلقة بشجرة؛ طعنة تعجل بوفاة عشريني بسوق السبت أولاد النمة؛ قتيلان ومصابون في حادثي مرور نواحي اشتوكة؛ حبل حول العنق ينهي حياة مطلقة نواحي سطات؛ "وحش بشري" يهتك عرض طفل بمنطقة آيت أورير؛ مهرب يصيب جمركيا بسكين ببني أنصار؛ ثلاثة قتلى وإصابات خطيرة في حادثة سير بطنجة؛ لص هاجم مستوصف وسلب هاتفي طبيبة وممرضة؛ بائع متجول يغرس سكينا في عنق عون سلطة . الترمضينة تدخل قسم المستعجلات ومخافر الشرطة يشهد هذا المرفق الصحي، يوميا وخلال أيام رمضان، حركة دؤوبة ومحمومة لنقل الجرحى والمعطوبين، وحالات تواجد أصحابها بين الموت والحياة، جراء "داء الترمضينة" والذي لا يتجاوز أحيانا كلمات نابية؛ يتفوه بها شخص تجاه آخر حتى ينفجر هذا الأخير في وجهه بضربة سكين أو كل ما لامسته يده ليرسله إما إلى المستعجلات أو المقبرة. أما مخافر الشرطة، فهي الأخرى تتحول في رمضان إلى خلية نحل من فرط الحوادث التي تتدخل في نزاعاتها حتى لا تتطور إلى اقتتال... وهل هذا هو قدرنا مع هذا الشهر الفضيل الذي يصوم فيه المسلم بكل جوارحه، أم أن للترمضينة جذورا متصلة بغياب التربية وهيمنة السلوك النرجسي الهمجي؟!