تعرف الجماعة الترابية سوق السبت أولاد النمة نقصا مهولا في الحدائق والمنتزهات وملاعب القرب والمسابح، حيث يتوجه الشباب غالبا إلى بعض الشوارع الواسعة لإجراء مقابلات رياضية، أو إلى قنوات الري للسباحة. كما يكتفى العديد من السكان بالتجوال بين أزقة وشوارع المدينة لمدة ساعات قصد تزجية الوقت، خاصة في شهر رمضان. عدد من الرجال الذين لا يرتادون المقاهي والعشرات من الأطفال والنساء الذين يفضلون الابتعاد عن روتين بيوتهم، إما بسبب ضيقها أو من أجل الاستراحة من تعب الصوم، أصبحوا يترددون يوميا على "جوطية للباعة الجائلين" نبتت بقلب حديقة عمومية كانت إلى حدود بداية شهر رمضان المتنفس الأهم للساكنة. تقول فاطمة، القاطنة بحي الهدى: "ليس لنا مكان آخر نلجأ إليه رفقة أولادنا غير هذا المكان الذي ألفنا ارتياده يوميا سواء لاقتناء حاجياتنا المنزلية أو البحث عن ملابس بأثمنة مناسبة لأطفالنا، استعدادا لعيد الفطر، أو من أجل الترويح عن النفس". وتضيف المتحدثة: "بسوق السبت صراحة ما كاين فين تمشي؛ فالحديقة الأخرى أضحت مرتعا للصوص والمتحرشين، ويصعب الجلوس فيها بسبب غياب الإنارة والأمن". وتقول بديعة، بائعة ملابس بذات الحديقة، إن "هذا الفضاء العمومي، الذي تحول مع بداية رمضان إلى مكان تجاري وترفيهي، يستقطب أزيد من 150 بائعا جائال من مختلف الأصناف، وهو ملتقى الأطفال الراغبين في الاستفادة من بعض الألعاب الترفيهية على الرغم من قلتها". وبخصوص هذا المعطى، اطلعت هسبريس على جانب من هذه الحديقة، يحاذي المركز الاجتماعي متعدد التخصصات، ولاحظت تجمّع العشرات من الأطفال الصغار حول سيارات كهربائية مخصصة للناشئة دون سن السابعة أو الثامنة، والتي تتطلب الاستفادة من خدماتها خمسة دراهم لكل عشر دقائق تقريبا. كما رصدت الجريدة وقوف العشرات من النساء رفقة أبنائهن الراغبين في التزحلق على حائط بلاستيكي، غير هذا لا توجد أمكنة للاستراحة، فحتى الكراسي يتمّ استغلالها من طرف الباعة الجائلين لعرض سلعهم ومنتجاتهم. وليس وحدهم الأطفال والنساء من يعانون من هذا الوضع، يقول سعيد، وهو واحد من الفراشة: "فنحن أيضا لم تكتمل فرحتنا؛ فبعدما توقفنا أزيد من أربعة شهور عن العمل نتيجة حملات السلطات المحلية، فرحنا بقرار هذه الأخيرة، التي سمحت لنا بممارسة أنشطتنا خلال هذا الشهر، لكننا تفاجأنا بضعف الإنارة بهذا الفضاء العمومي، الأمر الذي يزيد من معاناتنا، ويُكبد الكثير منّا خسائر مهمة، بسبب كثرة النشالين واللصوص الذين لا يتوانون في سرقة السلع المفروشة". وأوضح المتحدث أن "غياب متنزهات أخرى بالمدينة لم يكن في صالح الفراشة؛ فمعظم الذين يُودعون بيوتهم بعد صلاة التراويح يتوجهون إلى هذه الحديقة، مع العلم أن الكثيرين منهم لا يلجون المكان بغرض اقتناء حاجياتهم، وإنما لأنهم لا يجدون بديلا آخر، وهذا -يبرز المتحدث- إكراه آخر يتسبب في كثرة الازدحام ويخلق فوضى ويثير غضب الأسر المجاورة للحديقة". ويتساءل يوسف، ناشط جمعوي بالمدينة، عن مآل هذا الوضع، واصفا إياه بالشاذ، بالنظر - يقول أولا- إلى كون هذه الشريحة العريضة من المجتمع المحلي باتت في أمس الحاجة إلى بديل حقيقي لضمان قوت يومها، وثانيا، لأنه من حق ساكنة الجوار أن تنعم بالطمأنينة وراحة البال عوض هذا الزخم من الهرج الذي لا يتسبب فيه الفراشة وحدهم، إنما الزوار أيضا واللصوص الذين غالبا ما يفبركون صراعات وهمية لإثارة انتباه البائعين والظفر بسرقة منتجاتهم وسلعهم. مروان صمودي، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسوق السبت، قال إن "مشكل الفراشة والمنتزهات والمرافق الرياضية أصبح مطروحا بحدّة بالنظر إلى استحواذ لوبيات العقار على كل المساحات الممكن استغلالها للغرض ذاته، وبسبب ارتفاع عدد السكان، خاصة الناشئة التي تعاني من غياب أمكنة للترفيه واللعب". وانتقد الفاعل الحقوقي، في تصريح لهسبريس، بشدة سياسة المجالس المتعاقبة على تدبير الشأن العام، قائلا إنها تفتقر إلى رؤية إستراتيجية لإحداث هذه المنتزهات أمام غلبة منطق الجشع، ومتسائلا عما يمنع المجلس الجماعي الحالي من استغلال الوعاء العقاري للسوق الأسبوعي في مشاريع من هذا النوع عوض التفكير في قتل المدينة بجدران الإسمنت المربحة. ومن جانبه، اكتفى نور الدين الخياري، نائب رئيس لجنة المرافق العمومية والخدمات بالمجلس الجماعي لسوق السبت، في تصريح لهسبريس، بالقول بأن هناك "خصاصا ملحوظا على مستوى البنية التحتية الخاصّة بالمرافق الرياضية والترفيهية"، مؤكدا أن تطلعات المجلس الجماعي تصطدم غالبا بإشكالية الوعاء العقاري، ومنتهيا بالقول بأن موضوع ملاعب القرب والمنتزهات لا يشكل قلقا للساكنة فحسب، إنما للمجلس ككل بجميع أطيافه.