على مر التاريخ، لعبت المؤسسة الملكية أدواراً تحكيمية حاسمة في كثير من القضايا التي قسمت المجتمع المغربي بين مؤيد ومعارض، حيث حرص الملك محمد السادس، منذ توليه العرش، على ممارسة دور الحكم وضبط التوازن بعيداً عن مظاهر الصراع السياسوي أو الانتخابوي، وهو الدور الذي كرسه دستور 2011 في الفصل ال 42 حين نص على أن رئيس الدولة هو الحكم الأسمى بين مؤسساتها. في هذه السلسلة الرمضانية، تستحضر جريدة هسبريس الإلكترونية أبرز المحطات التي تدخل فيها الملك محمد السادس لإنهاء الأزمات والخلافات في البلاد، أو تغيير قوانين مجحفة عمرت لعقود من الزمان دون أن تتجرأ الحكومات على الاقتراب منها أو النبش فيها. المرأة السلالية مسيرة طويلة من النضال والاحتجاج خاضتها النساء السلاليات في المغرب لعقود من الزمن من أجل الاستفادة من حقهن في أراضي الجموع، في حال تقسيمها، أو من حقهن في مبلغ تفويتها، في حال فُوِّتت للدولة، لكن أعراف المجتمع "الأبيسي" المتوارثة أباً عن جد كانت تقف دائماً في وجه المرأة السلالية. الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية ملف حارق، من بين ملفات أخرى، كان للملك محمد السادس دور كبير في إيصاله إلى بر الأمان رغم تعقد الموضوع، الذي يعود إلى مرحلة الاستعمار الفرنسي. ومنذ سنة 1919، تاريخ الظهير الشريف المنظم للجماعات السلالية، والمرأة السلالية تعاني من أعراف وعادات بائدة تحرمها من نصيبها في الإرث بذريعة الخوف من زواجها برجل من خارج القبيلة، فتعود الأراضي إلى أشخاص غرباء. وخاضت النساء السلاليات في المغرب حراكا سلميا انطلق من القرى والمداشير نحو العاصمة الرباط، للمطالبة بإقرار المناصفة في عائدات الأراضي السلالية والانتفاع بها، قبل أن يضع الملك محمد السادس خارطة طريق لوضع حد لهذا الحيف. وفي 2014، تم تنظيم حوار وطني حول أراضي الجماعات السلالية تحت رعاية الملك محمد السادس، حيث تم تشخيص وضعية الأراضي وتقديم عدة توصيات، من بينها إصلاح الإطار القانوني المنظم للجماعات السلالية وتدبير أملاكها. كما شكلت الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع "السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية"، المنعقدة بالصخيرات سنة 2015، مدخلا أساسيا لإصلاح قوانين الجموع، توج بإعداد مشاريع نصوص ترمي إلى إصلاح القانون المنظم للأراضي الجماعية، وخاصة الظهير الشريف المؤرخ في 27 أبريل 1919. وحرص الملك محمد السادس، من خلال تعليماته إلى السلطات الوصية على أراضي الجموع، على الانتصار لمغرب العهد الجديد، الذي يسير في القطع مع القوانين الرجعية، خصوصا في مسألة المساواة بين الرجل والمرأة. وفي سنة 2019، توجت التعليمات الملكية بالمصادقة على ثلاثة مشاريع قوانين تاريخية تهم الأراضي السلالية بالمغرب؛ يتعلق الأول بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، والثاني يخص التحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية، فيما يتمحور مشروع القانون الأخير حول تتميم وتغيير الظهير الشريف المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري. وكرست القوانين، في سابقة هي الأولى من نوعها، المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات فيما يتعلق بأملاك الأراضي الجماعية. كما نص القانون على حق الانتفاع إناثا وذكورا بملك الجماعة في أي عملية بيع أو تفويت أو كراء، وبالتالي باتت حقوق النساء لا تختلف عن الرجل في أي شيء، ناهيك عن كون النص منح النساء الحق في الولوج إلى النيابة، وفي أن يكنّ نائبات عن قبائلهن وتدبير شأنها. الحركة الحقوقية المغربية اعتبرت الخطوة "منعطفا تاريخيا في مجال تكريس المساواة والمواطنة الكاملة للنساء السلاليات"، ودعت إلى "التسريع بإخراج هذا القانون والمراسيم التطبيقية المرافقة له إلى حيز التنفيذ، وتوفير كل الشروط الضرورية لتفعيله". واعتبر هذا المشروع "الثائر" غير مسبوق في تاريخ المملكة لأنه أنهى مشاكل ساكنة تقدر بحوالي 10 ملايين نسمة، موزعة على 4560 جماعة سلالية يمثلها 7812 نائبا ونائبة، وفقا للمعطيات الصادرة عن وزارة الداخلية. وتصنف الأراضي الجماعية إلى ثلاثة أنواع أساسية هي: الأراضي المخصصة للرعي وتمثل 85 في المائة من مجموع الأراضي الجماعية وتغطي حوالي 12.7 مليون هكتار، والأراضي المخصصة للفلاحة وتمتد على مساحة تقدر بحوالي 2 مليون هكتار، أي ما يناهز 13 في المائة من الأراضي الجماعية، منها 1.7 مليون هكتار خارج دوائر الري و300 ألف هكتار داخل هذه الدوائر، زيادة على حوالي 60 ألفا من الأراضي الغابوية. والنوع الثالث هو الأراضي الواقعة بالمجالات الحضرية وضواحيها وبالمراكز القروية وتقدر مساحتها بحوالي 300 ألف هكتار، أي ما يمثل 2 في المائة من مجموع الأراضي الجماعية. التوجه الملكي في هذا المسار وضع الأراضي السلالية في صلب مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد؛ إذ أقر القانون إمكانية تفويت الأراضي الجماعية للفاعلين الاقتصاديين الخواص إلى جانب الفاعلين العموميين لإنجاز مشاريع الاستثمار، "الشيء الذي سيمكن من إدماج الرصيد العقاري الجماعي في قاطرة التنمية المغربية"، وفق توجهات القانون رقم 17-62.