دعت دراسة أممية حديثة إلى ضرورة وضع المغرب لأنظمة يقظة ناجعة على المستويات المناخية والاقتصادية والمجتمعية، لمواجهة الرهانات التي تطرحها التغيرات المناخية، خصوصاً نقص الموارد المائية وتأثيره على إنتاجية المحاصيل الزراعية في المستقبل. وجاء في الدراسة، الصادرة عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة، أن تحليل أوجه الهشاشة المناخية في المغرب يكشف أن البلاد تواجه رهانات عدة على مستوى الأمن الغذائي والمائي والصحي، والرهان الاقتصادي للمجالات الهشة من الجبال والواحات والمناطق الجافة، إضافة إلى رهان التنمية الاقتصادية ومحاربة الهشاشة بالوسطين القروي وشبه الحضري. وتشير الدراسة إلى أن طبيعة مناخ المغرب المتميز بالجفاف والتقلبات المناخية وندرة المياه هو معطى هيكلي وليس عرضي، إذ توجد البلاد بين حزامين مناخين، تحت تأثير جزر الآسور في الغرب والمنخفض الصحراوي في الجنوب الشرقي، وهو ما يؤدي إلى تقلبات مكانية وزمانية للمناخ. وتكشف الدراسة أيضاً أن التساقطات المطرية تتراوح بين 2000 مليمتر في السنة على المرتفعات الشمالية للبلاد إلى أقل من 25 مليمتر في السنة في المناطق الصحراوية الجنوبية. وقد كان لتعاقب حقبات جفاف موسمية تأثير سلبي على الموارد المائية والإنتاج الفلاحي والغطاء النباتي. معطيات الدراسة تؤكد أن الموارد المائية بالمغرب تتميز بشحها وبعدم انتظامها حسب السنة في مجمل التراب الوطني. كما تعرف هذه الموارد تناقصاً متزايداً بفعل طبيعة المناخ وتوالي سنوات الجفاف والنمو السكاني ومتطلبات التنمية، وتزايد الطلب على الماء نتيجة توسيع مساحات الري. ودرس معدو الدراسة منطقتين فلاحتين بالمغرب، وهما المنطقة البعلية مرموش بالخميسات والمنطقة المروية الزمامرة نواجي الجديدة، وخلصوا إلى توقع سيناريوهات بارتفاع معدلات درجة الحرارة وتسجيل تقلص في التساقطات المطرية. وتقول الدراسة: "نظراً لكون القطاع الفلاحي أكثر القطاعات تأثراً بهذه التغيرات المناخية، فإن الانعكاسات المتعلقة بارتفاع درجة الحرارة وتقلص الأمطار ستنتج انخفاضاً ملحوظاً للإنتاج الفلاحي وتدهور حالة التربية، إضافة إلى ارتفاع حاجيات المزروعات المروية للماء بنسبة تتراوح ما بين 7 و12 في المائة، وتغير في دورات نمو الزراعات البعلية". ودقت الدراسة ناقوس الخطر بخصوص الموارد المائية المتجددة، إذ قدرتها حالياً بحوالي 1000 متر مكعب لكل فرد في السنة، مقابل 1150 مترا مكعبا سنة 1990 و2560 مترا مكعبا سنة 1960؛ وتشير التقديرات إلى أنها ستنخفض إلى 750 مترا مكعبا لكل فرد سنوياً في أفق سنة 2025، وهو ما سيجعل المغرب ضمن البلدان التي ستعاني من نقص حاد في الموارد المائية. ويرى معدو الدراسة أن تثمين كل متر مكعب مخصص للقطاع الفلاحي يبقى الخيار الأمثل من ديمومة الإنتاج الفلاحي واستقراره وتأمينه من تقلبات المناخ، على اعتبار أن ما يقارب نصف الأراضي الصالحة للزراعة تتواجد في المناطق التي لا تتجاوز التساقطات المطرية بها 400 ملم في السنة. وتوصي الأممالمتحدة المغرب، من خلال هذه الدراسة، باعتماد إستراتيجيات تنموية لقطاع الري وتشجيع مكثف للتقنيات الزراعية المحافظة على الموارد المائية، وأهمها الزراعة الحافظة، وهي عبارة عن نظام زراعي ينهض بالمحافظة على غطاء تربة دائم، والحد الأدنى من حرث التربة، وتنويع أنواع النباتات. ولمواجهة ارتفاع حدة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وتقلص فترات المطر، يتعين على المغرب، حسب الدراسة، استعمال أصناف جديدة من الزراعة ذات مواسم نمو أقصر، في المناطق البعلية، للتأقلم مع توقعات المناخ، إضافة إلى الأصناف المقاومة للجفاف، والاستعمال المعقلن للأراضي الفلاحية طبقاً لمؤهلاتها وتعديل تواريخ البذار بأخذ الفترات الرطبة بعين الاعتبار. كما دعت الدراسة إلى تعميم استعمال النمذجة الرياضية في دراسة تأثير التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعية في مختلف المناطق البعلية، خصوصاً منها المزروعة بالحبوب والقطاني. أما بالنسبة للمناطق المروية، يتوجب توحيد الجهود المبذولة في مجال اقتصاد مياه الري وتنمية الموارد المائية والمحافظة على اقتصاد الموارد الطبيعية. يشار إلى أن المغرب يتوفر على مساحة صالحة للزراعة تقدر ب8.8 ملايين هكتار، أي ما يمثل 12 في المائة من المساحة الإجمالية، ويقع ثلثا هذه الأراضي في المناطق البعلية الملائمة من حيث الإنتاج، معتمدة على التساقطات المطرية، أما الثلث الباقي فيشكل البعلي غير الملائم، ويتواجد في المناطق الجافة وشبه الجافة وبالجبال. وتمثل الحبوب 52 في المائة من المساحة المزروعة بالمغرب، أكثر من نصفها من القمح، متبوعة بأشجار الفاكهة بنسبة 15 في المائة، من ضمنها الزيتون، تليها الزراعات العلفية ب5 في المائة ثم القطاني بنسبة 4 في المائة.