قدم عائض القرني، أبرز شيوخ السعودية ومنظّري "الصحوة الإسلامية" اعتذاره للشعب السعودي عن فتاوى التكفير والتشدد التي ظل يفتي بها على مدار 30 سنة ومن خلال ما يزيد عن 450 محاضرة فضلا عن منشوراته ومشاركاته الإعلامية. 30 سنة والقرني ينفث سموم التكفير والتحريض على ترويع الآمنين وقتل المواطنين العزّل باسم "الجهاد"، ثم يأتي الآن معتذرا ليس عن الجرائم التي تسببت فيها فتاواه، بل يعتذر" باسم الصحوة، للمجتمع السعودي عن الأخطاء أو التشديد التي خالفت الكتاب والسنة وسماحة الإسلام وضيقت على الناس". فما الفائدة من الاعتذار؟ وماذا يفيد الشعوب التي دمرتها تلك الفتاوى؟ هل يدرك القرني ومعه شيوخ تلك "الصحوة" أن فتاواهم دمرت أوطانا وحولت عمرانها خرابا وشردت شعوبا وأزهقت أرواح مئات الآلاف؟ ماذا عسى القرني أن يقول للنساء الإيزيديات اللائي اغتصبن وسبين وعُرضن للبيع في أسواق النخاسة بسبب فتاواه وما أنتجته "الصحوة الإسلامية" من تنظيمات موغلة في التطرف والقتل الهمجي؟ وكيف له أن يقنع شعوب ليبيا وسوريا واليمن والصومالونيجيريا ومالي بأن الدمار والقتل والتشريد الذي لحقها كان خطأ في فهم الدين؟ أبعد كل هذه المصائب والكوارث والدمار والخراب وتدمير الأوطان ينفع الاعتذار؟؟ هل سيعيد الأرواح التي أزهقت أو يبني الأوطان التي خربت أو يلم شتات الشعوب التي هُجّرت؟ اليوم يثبت القرني أنه ونظراءه من شيوخ تيار "الصحوة الإسلامية" كانوا ولا يزالون من أشد أنواع الخطر الذي يتهدد الشعوب المسلمة ويدمر مقدراتها ويمزق وحدتها. إنهم غِرْبان الشؤم يقودون الشعوب نحو الخراب. ما دمّرته "الصحوة الإسلامية" لم يدمره الاستعمار. فمن صلبها خرجت كل التنظيمات المتطرفة والجماعات المتشددة بدءا من طالبان في أفغانستان التي لم يسلم من بطشها تمثال بوذا الحجري تطبيقا لفتاوى "الصحوة"، ثم جماعة بوكو حرام التي تتلمذ مؤسسها أبو بكر شيكاو على أيدي شيوخ الصحوة وتشبع بفتاواهم ثم عاد لينشر الدمار ويسفك الدماء في نيجيريا والدول المجاورة ؛ وحركة الشباب التي أذاقت الصوماليين أشد أنواع التعذيب وقتّلت الآلاف منهم ولازالت تقتل وتهجّر، وقبلها تنظيم "اتحاد المحاكم الإسلامية" الإرهابي الذي حوّل الصومال إلى جحيم . إلا أن أخطر التنظيمات التي أفرزتها "الصحوة" اعتبارا للجرائم التي ارتكبتها واتساع مدى جرائمها الإرهابية عبر الدول والقارات هما : تنظيم القاعدة وتنظيم داعش. كل هذه التنظيمات الإرهابية تشكلت في أحضان "الصحوة" وتتغذى على ما أنتجه منظّروها من فتاوى القتل والتكفير والتدمير. كل هذه التنظيمات والعناصر الإرهابية هي نتاج مباشر لهذه "الصحوة الإسلامية" التي رفعت شعار توحيد المسلمين فمزقت أوصال مجتمعاتهم. فماذا بعد الاعتذار؟ لا شك أن كل الدول العربية والإسلامية احتضنت "الصحوة الإسلامية" ومكّنت شيوخها من منابر مساجدها وأرسلت شبابها للتتلمذ على يد شيوخ التطرف والتشبع بفتاواهم التكفيرية، وكان الدافع سياسيا لمواجهة المدّ الشيعي الذي استمد زخمه حينها من الثورة الخمينية. واليوم، وبعد أن تفككت دول وتمزقت أوطان وشُردت شعوب بسبب فتاوى شيوخ الصحوة، وتمدد النفوذ الإيراني إلى العراق وسوريا واليمن، عاد الشيوخ إياهم لارتداء عباءة "الإسلام الوسطي المعتدل" ليثبتوا أنهم على "دين ملوكهم". فليس الإسلام ما يريدون ولكنها السلطة التي تستغل الدين لتكريس الاستبداد. ومادام الاستبداد متحكما في الدين ومستغلا له فإن شيوخ "الصحوة الإسلامية" سيظلون في مأمن من أية متابعة قضائية بسبب الجرائم التي ارتكبها الإرهابيون تطبيقا لفتاوى الشيوخ. وتعدّ قرارات السلطات السعودية بالانقلاب على "الصحوة" واجتثاث جذورها الإيديولوجية والفقهية خطوة مهمة في سبيل محاربة التطرف ومواجهة خطر الإرهاب. وأيا كانت الدوافع السياسية للانقلاب على الصحة، فإن نتائجه ستكون مفيدة في تطويق التنظيمات الإرهابية وتجفيف منابعها الفقهية والفكرية. وسيكون لزاما على الدول العربية والإسلامية أن تحذو حذو السعودية في التعامل الصارم مع "الصحوة" وشيوخها وفتاواهم. ففي إحدى تصريحات بن سلمان الصحفية شدد على محاربة آثار الصحوة وشويخها “نحن فقط نعود لما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب، 70 بالمائة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة سوف ندمرهم اليوم بإذن الله”. ولعل اعتراف السلطات السعودية بكون "الصحوة الإسلامية" شكلت البيئة الفكرية والعقدية للتطرف والإرهاب، يفيد بقية الدول في اتخاذ نفس الإجراءات للحد من آثار "الصحوة" وتكميم أفواه شيوخها. فمحاربة الإرهاب والتطرف تبدأ من تجفيف منابعهما الفكرية. وأولى تلك المنابع هي فتاوى شيوخ التطرف والكراهية.