بعد الربيع الديمقراطي الذي هزت رياحه جل البلدان المغاربية وما تمخض عنها من تغييرات لا بأس بها، البعض منها أدى اقتلاع أنظمة البؤس والسيادة المطلقة والبعض الآخر أحدث بقوة الضغط وشروط تلك المرحلة تغييرا على مستوى الدساتير، نجد في المخاض نفسه بروز قوى سياسية واجتماعية، منها من استغلت الفرصة لتطوير آليتها التنظيمية وخطابها ومرجعيتها، وهناك من بقيت عالقة في مكانها ولم تستطع أن تخطو خطوة نوعية إلى الأمام. لا ننكر أن كل بلاد تخضع لشروطها وخصوصياتها التي تؤثر فيها وترسم معالم أفقها، لكن الاستسلام للشروط والخنوع لها يعتبر انهزاما ما دامت الشروط يمكن أن تصنع بالممارسة الفعلية واستحضار موازين القوى. في المغرب نستحضر حركة عشرين فبراير التي جمعت جميع الأطياف السياسية والاجتماعية التي تميزت بنوعين، النوع الأول غير المنظم الذي ناضل باستماتة وقدم شهداء ومعتقلين، والنوع الثاني كان منظما فقط ينتظر الركوب على الموجة ووصل إلى قيادة الحكومة وأوصل البلاد إلى الأزمة التي نعيشها. كما قلنا سلفا، إن الربيع الديمقراطي اختلف أثره ووقعه من بلد إلى آخر، لكن ما يلاحظ أن الخطاب الأمازيغي لقي قبولا كبيرا من لدن جميع الشرائح المغاربية وأصبح يهدد مصالح كل من يوهم نفسه وغيره بالعروبة والدولة العربية والوطن العربي، والأكثر حكمة فيه أنه خطاب لم يقع في فخ القومية ليصبح في المستقبل ثغرة يتسلل منها الحاقدون، بل تحرر من هذا القيد وأخذ يبحث عن الإنسان والقيم الديمقراطية التي يجب أن تكون، معبرا عن إرادته القوية في بناء الدولة المدنية. واليوم وصلنا في المغرب إلى احتقان اجتماعي انفجر وسينفجر في المستقبل مضاعفا، واستمرار آلية الاعتقال السياسي التي تستهدف كل الذوات الحرة كما استهدفت الحراك الاجتماعي الذي يعتبر حراكا أمازيغيا محضا باستناده إلى أسس الخطاب الأمازيغي، المتمثلة في الانطلاق من الذات والاستناد إلى تاريخها غير المرغوب به من طرف الجهات الرسمية. والجزائر نهضت بدون سابق إنذار رافضة للعهدة الخامسة، وعبرت عن حس احتجاجي مسؤول وواع نظرا للذوات الأمازيغية والمناطق الأمازيغية التي قادت هذا العرس التحرري نظرا لتاريخها الدموي والاستبدادي مع النظام الجزائري. وفي ليبيا أيضا حملت المناطق الأمازيغية السلاح في وجه القذافي، واليوم يعاد السيناريو مع القوات الإرهابية بقيادة حفتر الإرهابي الذي يعرقل بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي أخذ مشعلها كل أمازيغ ليبيا بالالتفاف تحت حزب ليبيا الأمة/ليبو. وفي الأخير، نجد في تونس الدرس الأمازيغي المنتظر، الدرس التنظيمي الذي يفتقده كل أمازيغ شمال إفريقيا، نجدها اليوم تلتحق بالموكب، معبرة ومستعدة لخوض المعركة، معركة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة. حزب أكال الذي يعد أول حزب سياسي أمازيغي في تونس تحت قيادة أمينه العام فادي المنصري، الذي نتمنى له التوفيق والنصر، يشكل قفزة نوعية للبحث حول آليات تنظيمية تجعل الشعب التونسي الأمازيغي يدافع عن حقوقه المدنية والديمقراطية، بالإضافة إلى أنها ستعطي درسا لأمازيغيي شمال إفريقيا في أهمية التنظيم الذي بدونه يصبح الشعب الأمازيغي مجرد دمية لتصفية الحسابات والمزايدات السياسية. ولهذا فهنيئا للشعب التونسي الأمازيغي. *أستاذ اللغة الأمازيغية