رصد الاستاذ انور المرتجي في كتابه "المثقفون والانتفاضات العربية.. وجهات نظر مغربية" العديد من مصادر الخلل في النظام العربي والتي أدت الى انتفاضات وثورات وربيع عربي زلزل العديد من الاقطار العربية واطاح بانظمة كانت تعتبر عتيدة وقوية، كما يتطرق الكتاب الى وجهة نظر مثقفين وأدباء كبار ,حول ماعرفه المغرب من حراك مع رصد اسبابه والاجوبة الدستورية والقانونية التي جنبت المغرب مآسي شعوب عربية في الجوار المغاربي وفي المشرق العربي، الكتاب الذي سبق ونشر ضمن سلسلة حوارات اجراها الاستاذ المرتجي بجريدة الاتحاد الاشتراكي قبل ان يتوج ككتاب يقدم طبقا من التحليلات العميقة لأسماء مغربية واكبت الحراك بالنقد والتحليل. الكاتب والروائي محمد برادة كان اول من افتتح الكتاب, حيث وردا على سؤال مركزي حول توصيف هذا الحراك الجماهيري، هل يتعلق الأمر بحركة إصلاحية أم بثورة شعبية, أم أنها مجرد ثورة عابرة؟ يقول برادة" أميل إلى اعتبار ما تعيشه الأقطار العربية، منذ دجنبر 2010، انتفاضات ثورية, لأنها تترجم غضبا ورفضا عميقين تراكمت أسبابهما على امتداد عقود، وهما مرتبطان بالحكم المطلق والأنظمة الاستبدادية التي تسعى إلى تجميد الأوضاع، وممارسة النهب والفساد والاتكاء على ايديولوجية تمويهية، تلفيقية، تعاند رغبة الجماهير في الديمقراطية، وتؤول إلى أنظمة تابعة، فاقدة للقرار والقدرة على التقدم,وعلى رغم الدور الأساس الذي يلعبه الشباب في هذه الحركة التغييرية، فإن التحدي لا يشكل ثورة ترتكز على تصورات بديل متكاملةهي حالة انتفاضة تتطلع إلى أفق ثوري، يتطلب مساهمة القوى الحية بكل فئاتهالبلورة المبادئ والمؤسسات الضرورية لضمان حرية المواطن وحقوقه، ولاستثمار قوى الشعب وثرواته في تشييد مجتمع المساواة والعدالة. وفي معرض رده عن سؤال الخصوصية والاستثناء المغربي يعتبر برادةأنه، على رغم تشابه البلدان العربية في ابتلائها بالاستبداد والحكم الفردي فإن هناك شروطا تمايز بينها وتعود إلى التاريخ الخاص، والتركيبات المجتمعية ودرجة الوعي، والموقع الجيو سياسي وأيضا المسار الذي عرفته حركة الشباب المغربي يعكس ملامح من هذا الاستثناء المتمثل في استعداد النظام للحوار، وفي كون مسألة الإصلاح طرحت من قبل من لدن بعض القوى السياسية، فضلا عن أن المغرب توفر منذ الاستقلال على أحزاب وهيئات معارضة، لم تستطع "أزمنة الرصاص"أن تلجمها أو تسكت صوتها لكن على رغم هذا الاستثناء، فإنه لا شيء معطى أو مضمون التحقق، و ثم ضرورة اليقظة والاستمرار في المطالبة بالإصلاح والمؤسسات الديمقراطيةوأظن أن حركة الشباب عندنا قد حررت الأحزاب من خوفها وترددها، هو أيضا ملمح من هذا الاستثناء ويؤكد الروائي المغربي على ان اصلاح الدستور أو تغييره هو وسيلة مسعفة على تنظيم الصراع الديمقراطي الذي هو بطبيعته، مفتوح لا يعرف نهاية يستقر عندهاذلك أن الممارسة تولد الاختلاف، ومن ثم وجب أن يراقب الفكر السياسي والدستور، الممارسات والأفعال حتى لا يكون هناك انحراف يمس جوهر الاختيار الديمقراطي اما الاستاد محمد سبيلا الباحث في الفلسفة المعاصرة, فيرى ان الحديث عن استثناء مغربي فهو استثناء تجربة، لا استثناء مبدأ أو استثناء في القاعدة? فالمد الديمقراطي العربي، هو مد عدوائي كاسح، ومن الصدف التاريخية أن المغرب اضطر الى المصالحة التاريخية مع المعارضة واستدماجها في السلطة عبر تجربة التناوب وإقامة تجربة الحوار والمصالحة، عبر هيئة الإنصاف والمصالحة وتبني ثقافة حقوق الانسان والموافقة على تنظيم جزء من الحركة الاسلامية ضمن حزب سياسي مشروع وغيرها من الإجراءات التي أدت باكرا الى تنفيس الكثير من مظاهر الاحتقان السياسي، اضافة الى أن العهد الجديد وجد نفسه سياسيا وجيليا خارج الصراعات الطاحنة التي عصفت بالسياسة المغربية بين ستينات وتسعينات القرن الماضي، وكما قال الاستاذ محمد العمري ، ان الاحقاد الشخصية التي كانت توجه الى رأس الدولة ولم تعد تجد موضوعا تتعلق به فالكل مجمع على أن الملك الجديد غير معني بسنوات الرصاص، لانه لم يكن طرفا في هذه الصراعات السياسية الطاحنة التي شهدها المغرب وأضيف الى ذلك، الاستجابة المسبقة للمطالب الديمقراطية وكذا تواتر هذه المطالب عبر تجربة الاحزاب الوطنية الكبرى.المهم أن هناك رهانا تاريخيا على استباق المطالب الشعبية وعلى الرغبة في الخروج من عنق الزجاجة التاريخيواعتبر سبيلا في نفس الحوار ان الايجابي في حركية الاصلاح الدستوري هو الروح والإرادة السياسية التي حفزته، لكن اختزاله في مجرد إصلاح النصوص هو من جهة ضبط وترسيم للإصلاح، لكنه من جهة أخرى، اختزال له في مجرد إصلاح نصوص، ويبدو أن هناك مناطق عتمة لا يشملها الإصلاح، فلابد من التاطير الاخلاقي للممارسة السياسية تأطيرا قانونيا للحد من كل التجاوزات التي اصبحت بمثابة قاعدة عمل وكذا الجرأة على تبني الثقافة السياسة لارساء الاصلاحات على قاعدة ملائمة. اما الباحث في السيميائيات سعيد بنكراد فهو يعلنها صراحة بأنه لا يؤمن بحكاية الاستثناء هاته، فهي الخرافة التي رددناها لسنوات طويلة كما يقول في ما يتعلق بالمد الاصولي فقد داهمتنا آلياته في الشارع والإعلام وفي الانفراجات ونحن نتغنى بالخصوصية والاستثناء والتميز.اإن الاستثناء اما ان يكون شاملا واما لا يكون والحال أننا لم نكن استثناء في الاستبداد و الحكم المطلق والقهر بكل أشكاله لنا خصوصيتنا الثقافية، هذا أمر مؤكد، كما لكل شعوب المعمور خصوصيتهاوقد تكون السلطة في بلادنا، استنادا الى حسابات المصالح.لا الى امكانية تبني نموذج جديد في ادارة الشأن السياسي، اذكى من مثيلاتها في العالم العربي، فبادرت الى نزع الفتيل قبل اشتعال النار في كل الهشيم ومع ذلك لم ننجز شيئا ذا قيمة كبيرةيجب ألا نبرر عجزنا عن المضي بالحراك الى أقصى نقطة ممكنة فيه بالاستثناء الذي لا استثناء فيه والغريب ان القوى اليسارية، او من تقول عن نفسها كذلك، هي التي روجت لحكاية الاستثناء هاته، لقد كانت تتعجل الاستفتاء كمن يريد أن يتخلص من تبعات وضع لا يستطيع التحكم فيه. وبخصوص الاصلاحات يرى بنكراد ان الأهم من الإصلاحات الدستورية هو استراتيجية تتحكم في هذه الإصلاحات وتوجهها.فمنذ انطلاقة ما سمي بالتوافق السياسي كانت هناك الكثير من الاصوات التي تقول إن هذا التوافق لا يمكن ان يكون له معنىالا اذا كان سيؤدي الى توزيع يد للسلطة ويعيد الى الشعب سلطته في المراقبةضمن ملكية برلمانية تحظى بكل الاحترام وتكون رمزا محايدا. ورأى الاستاذ محمد المصباحي, الباحث في الفلسفة والرشديات أن مسلسل الإصلاحات الدستورية انطلق في عملية للإنصات إلى كل من هب ودب، ليقول رأيه في مدى رشد الشعب المغرب لتحمل مسؤوليات التفكير والتدبير والحكامة على كل المستويات.بعض التنظيمات أبانت عن جبنها وخشيتها من الإعلان عن رشد الشعب المغربي، اعتقادا منها أنه مازال قاصرا ويحتاج إلى وصاية دائمة. ولكنها لا تعلم أن الأوصياء قد يسقطون ضحية وصايتهم وهذا ما حصل في تونس ومصر وسوريا وليبياوبعض التتنظيمات الأخرى تؤمن برشد الشعب إلى درجة أنها لا تتردد في ترويج شعارات شعبوية ليست في مصلحة تقدم البلاد واستقرارهاالحكمة تقتضي، من جهة، الكف عن دفع الشعب عن طريق مؤسساته الأحزاب، البرلمان إلى العطالة التامة، لأن البلاد لم تعد قابلة لأن تسير برجل واحدة,كما أن الحكمة تقتضي من جهة ثانية الكف عن الكلام باسم الشعب والزج به في حركية لا أفق لها. الديمقراطية تتحسن عبر اجب والقانون. من جهته اعتبر الروائي مبارك ربيع ان الحراك " فرصتنا الملائمة والموعد الذي ليس من حقنا أن نخلفه، وذلك باعتبار الارهاصات ,بل الخطوات الجريئة التي جاء العهد الملكي الجديد، معبرا عنها مند بدايتها، وكذا الانجازا التي حققها على هذا الطريق مهما تكن غير كافية، أو لم تؤت كامل ثمارها إلى اليوم لسبب أو آخر، لذلك فالإصلاحات الدستورية المرتقبة يجب أن تؤهل البلاد لعصر آخر، مخالف ومختلف وهو ما أوضح معالمه الكبرى الخطاب الملكي ليوم 9 مارس الأخير، وحدد مختلف جوانبه وأبعاده، بحيث يبدو متجاوزا في دلالاته وامتداداته، لسقف كل ما كان يرفع من شعارات قبل وبعد وأثناء حراك 20 فبراير. وبطبيعة الحال، يبقى المأخذ والعبء على لجنة مراجعة الدستور، لتكون في مستوى الموعد، ثم يقع العبء والمسؤولية على مختلف مكونات المشهد السياسي والمدني المغربي، أثناء وبعد ذلك، لترجمة بنود الدستور إلى حياة يومية عبر المؤسسات والآليات، ولا ننسى هنا أن الدستور الحالي نفسه، يشتمل على بنود ومؤسسات لم تفعل أو لم تترجم إلى صيغ عملية على أرض الواقع. اما الكاتب جليل طليمات, فهو يفضل كثيرا عدم استعمال وصف "استثناء" عندما يتعلق الأمر بالحديث عن المغرب، لانه يضمر، خطابا فرحا بذاته، وتنتج عنه أخرى لا تختلف كثيرا عن خطابات "العام زين" هناك "مشترك عربي" متمثل في معضلات الفقر والبطالة والاقصاء الاجتماعي واللاعدالة الاجتماعية الخ، وهي العوامل الحقيقية التي تكمن وراء كل هذا الحراك النوعي?? وللمغرب نفس المعضلات، التي تقف وراء كل الحركات الاحتجاجية، التي لم تتوقف طيلة سنوات وازدادت تصاعدا، لتتوج بميلاد حركة 20 فبراير في هذه اللحظة العربية التاريخية والانعطافية? كل ذلك جرى ويجري ضمن مسار مغربي له سماته الخاصة، المستمدة من الثوابت المؤسسة للدولة المغربية، والمحافظة لها على استمرارية مؤسساتها، من جهة، ومنذ دخول البلاد منذ منتصف التسعينات في مسلسل إصلاحي وتصالحي، أطر المشهد السياسي الوطني, ورغم بطئه وتردداته وتراجعاته أحيانا، فقد راكم هذا المسلسل الاصلاحي التوافقي مكتسبات نوعية كالمصالحة مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان? ومع المرأة من خلال إقرار مدونة جديدة ونوعية للاسرة، ومع الامازيغية، كمكون من مكونات الهوية الوطنية? الخ ويمكن القول، اليوم، إن الاصلاح الدستوري، الذي ظل مطلب القوى السياسية الديمقراطية، المناضلة لسنوات من أجل الاستجابة له، يشكل تتويجا لهذا المسار الاصلاحي، وتفاعلا ايجابيا مع الحراك السياسي والاجتماعي العربي، ومع حركة 20 فبراير التي وضعت مطلب دستور جديد، في صدارة مطالب تظاهراتها المنتظمة. وبإقرار هذا الدستور الجديد، يكون المغرب وسط فوران الثورات العربية ودمائها، قد قدم نموذجا للحل الديمقراطي الممكن، والمتجاوب مع التطلعات الشعبية الى إرساء أسس الدولة الوطنية الديمقراطية. أما الباحث في الفلسفة المعاصرة،عبد العزيز البومسهولي فيرى انه لا يمكن ان نستثني المغرب من الحراك الاجتماعي أو مما يمكننا تسميته بالعدوى الديمقراطية التي تجتاح العالم العربي، لكن الاستثناء فيما يتعلق بحالة المغرب يقترن بتجربته الإصلاحية التي انطلقت منذ ما قبل رحيل الحسن الثاني، وامتدت طوال فترة حكم محمد السادس. لقد عاش المغرب ولايزال مخاضاً عسيراً من أجل إحداث تحول ديمقراطي حقيقي، بخلاف تونس ومصر وليبيا وسوريا والسعودية وغيرها من البلدان التي عرفت حكماً استبدادياً مطلقاً، وهذه الدول لم تنخرط في تجربة ديمقراطية انتقالية، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، ومن ثمة، فلم يكن من مخرج لهذه الشعوب سوى الإطاحة بالنظام. وهو ما حدث في تونس ومصر. أما بالنسبة للمغرب، فقد كان انطلاق الحراك الاجتماعي الذي اقترن بحركة 20 فبراير فرصة لتحريك مسلسل الانتقال الديمقراطي.ويتمثل هذا الاستثناء أو بالأحرى هذه الخصوصية في خاصيتين: 1 الخاصية الأولى: هو أن حركة 20 فبراير ليست لها مطالب جذرية كالإطاحة بالنظام، وإنما إسقاط الفساد، والمطالبة بملكية برلمانية حرة .اللهم إلا من طرف بعض المتسللين الأصوليين الذين يحاولون سرقة هذا المشروع، لكن أغلب محاولاتهم فاشلة لعدم وجوب تجاوب جماهيري. الخاصية الثانية: تتمثل في استجابة الملك محمد السادس لمطالب الإصلاح الدستورية والاجتماعية، وهو ما شكل صورة واضحة عن التجاوب الفعال ما بين المطالب الجماهيرية وإرادة الملك في ترسيخ ملكية ديمقراطية دستورية وربما برلمانية. من الطبيعي أن تستمر الحركة في النزول إلي الشارع لتأكيد مطالبها، لكن ليس من الطبيعي استغلال الاتجاهات الاسلاموية بمختلف أنواعها, السلفية الوهابية، السلفية الجهادية، والسلفية الياسينية، وكذا الاتجاهات اليسراوية المتطرفة لهذه الحركة من أجل أهداف إيديولوجية ارتدادية، كما أنه ليس من الطبيعي التعامل بعنف مع احتجاج سلمي، ما لم تكن هناك انزلاقات خطيرة.