"زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1500م من السبت إلى الإثنين المقبلين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    حكام سوريا يقاتلون "ميليشيات الأسد"    الحكم موقوف التنفيذ لمناهضين ضد التطبيع    "البام" يشيد بمقترحات مدونة الأسرة    "منتدى الزهراء" يطالب باعتماد منهجية تشاركية في إعداد مشروع تعديل مدونة الأسرة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتقاد المعارضين لبيان القرآن ورد الخطابي
نشر في هسبريس يوم 13 - 05 - 2019


من خلال كتاب " ثلاث رسائل في إعجاز القرآن"
أستغل هذه الفرصة لأبارك لقراء هسبريس شهر الصيام وبحكم خصوصيته الروحية والدينية أحببت أن أقدم هذه الورقة تحت عنوان : " انتقاد المعارضين لبيان القرآن ورد الخطابي" من خلال " بيان إعجاز القرآن". وكما هو واضح من العنوان، فالعرض يتضمن محورين أساسين:
انتقاد المُعارضين لبيان إعجاز القرآن.
رد الخطابي على هؤلاء المعارضين.
ولكن قبل أن أتطرق لهذين المحورين، لابد من تقديم مجموعة من الملاحظات.
إن الكلام عن إعجاز القرآن جاء في سياق الدفاع عن القرآن ضد المعارضين والمُلحدين، هذا الإعجاز له وجوه عديدة منها:
- التأثير البالغ الذي أحدثه في قلوب أتباعه وأعدائه "، حتى لقد بلغ من شدة التأثير، أن المشركين أنفسهم كانوا يخرجون في جنح الليل يستمعون إلى تلاوة القرآن من المسلمين، وحتى تواصوا فيما بينهم ألا يستمعوا إلى القرآن، وأن يرفعوا أصواتهم بالضجيج حينما يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم لئلا يؤمن به الناس. (( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون)) سورة فصلت، الآية 25.
- لقد بلغ من تأثير القرآن في القلوب، أن يفيء إلى ظلاله أشد الناس عداوة له، وأعظمهم عنادا، فيُسْلِم كثير من الزعماء على رأسهم عمر بن الخطاب (ض) في قصته المشهورة، والذي بلغ من شدة عدائه أن يتقلد سيفه بالظهيرة، ثم يخرج ليُفتش عن محمد صلى الله عليه وسلم، ليقتله، ثم لا يأتي المساء إلا وقد رجع معتنقا للإسلام، بسبب آيات سمعها في بيت أخته من سعيد بن زيد.
- وذهب قوم إلى أن العلة في إعجازه الصرفة، وقد دفع الخطابي شبهة القول بالصّرفة ومعناها " أن الله عز وجل صرف العرب عن معارضته، ولولا أن الله صرف همَّهم عن معارضته لاستطاعوا أن يأتوا بمثله.
- وزعمت طائفة أن إعجازه إنما هو فيما يتضمنه من الإخبار عن الكوائن في مستقبل الزمان (( ألم. غلبت الروم في أدنى الارض)) ونحوها من الأخبار التي صدقت أقوالها مواقع أكوانها.
- وزعم آخرون أن إعجازه من جهة البلاغة، وهم الأكثرون من علماء أهل النظر.
أولا- انتقاد المعارضين لبيان القرآن:
بعضُ هؤلاء المنتقدين والمعارضين لبيان القرآن يرون بعدم التسليم بأن العبارات الواقعة في القرآن، إنما وقعت في أفصح وجوه البيان وأحسنها، ويرون وجود أشياء منها بخلاف ذلك الوصف عند أصحاب اللغة وأهل المعرفة.
مثلا: قوله عز وجل: (( فأكله الذئب)) " إنما يستعمل مثل هذا في فعل السباع، خصوصا الافتراس، يقال افترسه السبع، هذا هو المختار الفصيح في معناها،وأما الأكل فهو عام، لا يختص به نوع من الحيوان دون نوع.
وقوله عز وجل: (( ذلك كيل يسير))، قالوا: وما اليسير والعسير من الكيل والاكتيال، وما وجه اختصاصه بهذه، وأنت لا تسمع فصيحا يقول: كِلْتُ ليزيدٍ كيلاً يسيراً، إلا أن يعني به أنه يسيرُ العدد والكمية.
قوله عز وجل: (( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم))، يقولون: " المشي في هذا ليس بأبلغ الكلام، ولو قيل بدل أن امضوا وانطلقوا لكان أحسن.
وقوله تعالى ((هلك عني سلطانية))، يقولون: " إنما يُسْتعمل لفظ الهلاك في الأعيان والأشخاص كقوله: هَلَكَ زيد، هَلَكَ مَالُ عَمْرو... وأما الأمور التي هي معان وليست بأعيان ولا أشخاص فلا يكادون يستعملونه فيها، ولو قال قائل: هَلَكَ عن فُلان عِلْمه، أو هَلَكَ جاهه على معنى ذهب علمه وجاهه لكان مُستقبحا غير مستحسن.
وقوله أيضا (( وإنه لحب الخير لشديد))، يقولون: " وأنت لا تسمع فصيحا يقول: أنا لحب زيد لشديد، وإنما وجه الكلام وصحته، أن يقال: أنا شديد الحب لزيد والمال ونحوه.
وقوله تعالى (( الذين هم للزكاة فاعلون))، يقولون: " ولا يقول أحد من الناس، فعل زيد الزكاة، إنما يقال، زكى الرجل ماله، وأدى زكاة ماله أو نحو ذلك من الكلام.
وقوله عز وجل (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، سيجعل لهم الرحمن وُدا))، يقولون: " ومن الذي يقول: جعلت لفلان ودا وحبا، بمعنى أحببته؟ وإنما يقول وددته وأحببته، أو بذلت له ودي، أو نحو ذلك من القول.
وقوله أيضا (( أولم يروا أن الله خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى)) سورة الأحقاف، الآية 32، يقولون: " أدخل الباء في قوله بقادر وهي لا موضع لها ها هنا، ولو قيل: ومن يرد فيه إلحادا بظلم، وقيل: قادر على أن يحيي الموتى، كان كلاما صحيحا. لا يشكُل معناه ولا يشتبه. إذن من خلال الأمثلة السابقة، هؤلاء المعاندون والمنتقدون لبيان إعجاز القرآن يرون أن العبارات الواقعة في القرآن لم تكن في أفصح وجوه البيان وأحسنها. ودللوا بالأمثلة السابقة. ولم يكتفوا بذلك، بل قالوا أيضا بسوء التأليف وسوء نسق كلامه،
وقالوا أيضا بوجود الحذف الكثير والاختصار الذي يشكُل معه وجه الكلام في القرآن الكريم..
(( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى)) ، يقولون: " لم يذكر جوابه، وفي ذلك تبتير الكلام وإبطال فائدته".
(( حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها)) ...يرون أيضا أنه " قد يوجد فيه على العكس منه التكرار المضاعف (( فبأي آلاء ربكما تكذبان)) في سورة الرحمن، (( ويل يومئذ للمكذبين)) في سورة المرسلات. يقولون ( وليس واحد من المذهبين بالمحمود عند أهل اللسان، ولا بالمعدود في النوع الأفضل من طبقات البيان.
يرون أيضا " ما يدخل بين الكلامين ما ليس من جنسها ولا قبيلهما (( لا تحرك به لسانك لتعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه)) عقيب قوله (( بل الانسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره)) ... وليس ذلك بالمستحسن، ولا بالمختار عند أهل البلاغة، وأرباب البيان، والأحسن أن يكون الكلام مفصلا على أبوابه، وأن يكون لكل نوع منه حيز وقبيل لا يدخل في قبيل غيره.
قالوا أيضا:باقتراح ترتيب آخر للقرآن، فتكون أخبار الأمم وأقاصيصهم في سورة، والمواعظ والأمثال في سورة، والأحكام في أخرى، لكان ذلك أحسن في الترتيب، وأعون على الحفظ، وأدل على المواد...هذه بعض أقوالهم، وقبل أن أنتقل إلى الرد على هؤلاء ( رد الخطابي عليهم)، فقط أذكر بأن هذه شبهات حول إعجاز القرآن وكلها مفندة، فهي لا تستند على أي شيء. منها ما فنده القرآن الكريم نفسه ورد على هؤلاء .
ثانيا – رد الخطابي على هؤلاء المنتقدين لبيان القرآن:
أولا: القول في وجود ألفاظ القرآن وبلاغتها في أفصح وجوه البيان وأحسنها، أمر صحيح لا ينكره إلا جاهل أو معاند ويرد الخطابي . وليس الأمر على ما تأولوه، ولا المراد في أكثرها ما ظنوه وتوهموه.
* فقوله تعالى (( فأكله الذئب))، وقولهم بالافتراس معناه في فعل السبع القتل فحسب، وأصل الفرس دق العنق، والقوم ( إخوة يوسف) إنما ادعوا على الذئب أنه أكله أكلا وأتى على جميع أجزائه وأعضائه، فلم يترك مفصلا ولا عظما، وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم إياهم بأثر باق منه يشهد بصحة ما ذكروه. فادعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة، والفرس لا يعطي تمام هذا المعنى، فلم يصلح على هذا أن يعبر عنه إلا بالأكل، على أن لفظ الأكل شائع الاستعمال في الذئب وغيره من السباع. واستشهد الخطابي بورود لفظ " أكل" في أشعار العرب وأقوالهم.
" أكل الذئب الشاة، فما ترك منها تامورا"
فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى **** بصاحبه يوما دما فهو آكله ( الشاهد: آكله).
أبا خراشة أما أنت ذا نفر **** فإن قومي لم تأكلهم الضبع ( ولم يقل تفترسهم).
وفي حديث عتبة بن أبي لهب أنه لما دعا عليه صلى الله عليه وسلم: فقال: " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك، فخرج في تجارة إلى الشام، فنزل في بعض المنازل، فجاء الأسد وأطاف بهم، فجعل عتبة يقول: أكلني السبع...
وبعض العرب تقول" أكلوني البراغيث، فجعل قرص البرغوث أكلا...
* وقوله عز وجل (( ونزداد كيل بعير، ذلك كيل يسير))، فإن معنى الكيل المقرون بذكر البعير المكيل، والمصادر توضع موضع الأسماء، كقولهم: هذا درهم ضرب الأمير، وهذا ثوب نسج اليمن، أي مضروب الأمير، ونسيج اليمن. (( ذلك كيل يسير))، أي متيسر لنا إذا تسببنا إلى ذلك باستصحاب أخينا، واليسير شائع الاستعمال، فيما يسهل من الأمور، كالعسير فيما يتعذر منها. ولذلك قيل يسر الرجل إذا نتجت مواشيه وكثر أولادها.
قال الشاعر: يعد الفتى من نفسه كل ليلة **** أصاب غناها من صديق ميسر
وقال آخر: هما سيدانا يزعمان وإنما **** يسوداننا أن يسرت غنماهما.
ويزيد الخطابي " وقد قيل في ذلك: كيل يسير أي سريع لا حبس فيه، وذلك أن القوم كانوا يحبسون على الباب، وكان يوسف يقدمهم على غيرهم، وقد قيل إن معنى الكيل هنا السعر يقال( كيف الكيل عندكم؟ أي كيف السعر؟) وقد أنشد ابن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قوله : فإن تك في كيل اليمامة عسرة **** فما كيل ميا فارقين بأعسار.
* وقوله عز وجل (( أن امشوا واصبروا على آلهتكم))، يرد الخطابي " وقول من زعم أنه لو قيل بدله: امضوا وانطلقوا كان أبلغ على الأمر على ما زعمه، بل المشي في هذا المحل أولى وأشبه بالمعنى، وذلك لأنه إنما قصد به الاستمرار على العادة الجارية ولزوم السجية المعهودة في غير انزعاج منهم ولا انتقال عن أمر الأول وذلك أشبه بالثبات والصبر المأمور به في قوله تعالى (( اصبروا على آلهتكم))، والمعنى كأنهم قالوا: امشوا على هينتكم وإلى مهوى أموركم...
وفي أغلب التفاسير ( امشوا: اثبتوا على عبادتها).
وقيل بل المشي ها هنا: معناه التوفر في العدد والاجتماع للنصرة [ مجلس اجتماعهم عند أبي طالب وسماعهم من النبي صلى الله عليه وسلم قوله لا إله إلا الله]، دون المشي الذي هو نقل الأقدام، من قول العرب مشى الرجل إذا كثر ولده وأنشدوا : والشاة لا تمشي على الهملع ( أي لا يكثُر نتاجها بوجود الذئب).
* وقوله عز وجل (( هلك عني سلطانية))، يرد الخطابي على زعمهم أن الهلاك لا يستعمل إلى في تلف الأعيان فإنهم ما زادوا على أن عابوا أفصح الكلام وأبلغه، وقد تكون الاستعارة في بعض المواضع أبلغ من الحقيقة كقوله عز وجل (( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار))، والسلخ هنا مستعار، وهو أبلغ منه لو قال نخرج منه النهار وإن كان هو الحقيقة، وكذلك قوله سبحانه (( فاصدع بما تومر))، هو أبلغ من قوله، فاعمل بما تومر وإن كان هو الحقيقة، والصدع مستعار، وإنما يكون في الزجاج ونحوه من فلز الأرض، ومعناه المبالغة فيما أمر به حتى يؤثر في النفوس تأثير الصدع على الزجاج.
* وقوله عز وجل (( وإنه لحب الخير لشديد))، والشديد معناه ها هنا البخيل، ويقال: رجل شديد ومتشدد أي بخيل، قال طرفة:
" أرى الموت يعتام النفوس *** عقيلة مال الفاحش المتشدد". واللام في قوله (( لحب الخير))، بمعنى لأجل حب الخير، وهو المال للبخيل.
* وقوله (( والذين هم للزكاة فاعلون))، رد الخطابي على الذين قالوا " إن المستعمل في الزكاة المعروف لها من الألفاظ كالأداء والإيتاء والإعطاء، والجواب عند الخطابي " أن هذه العبارات لا تستوي في مراد هذه الآية، وإنما تفيد حصول الاسم فقط، ولا تزيد على أكثر من الإخبار عن أدائها فحسب، ومعنى الكلام ومراده المبالغة في أدائها، والمواظبة عليه، حتى يكون ذلك صفة لازمة لهم، فيصير أداء الزكاة فعلا لهم مضافا إليهم، يعرفون به، فهم له فاعلون.
* وقوله أيضا (( سيجعل لهم الرحمن ودا))، يرد الخطابي: " إنكارهم قول من يقول، جعلت لفلان ودا، بمعنى وددته، فإنهم قد غلطوا في تأويل هذا الكلام، وإنما المعنى، أن الله سيجعل لهم في قلوب المومنين، أي يخلق لهم في صدورهم مودة، ويغرس لهم فيها محبة.
* (( ردف لهم))، يقول الخطابي: " فإنهما لغتان فصيحتان، ردفته وردفت له كما تقول: نصحته ونصحت له.
* وقوله تعالى (( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم))، رد الخطابي " دخول الباء هذا الحرف كثيرا ما يوجد في كلام العرب الأول الذي نزل القرآن به، وإن كان يعز و جوده في كلام المتأخرين. وإن كانت الباء زائدة، والمعنى: ومن يرد فيه إلحادا بظلم، والباء قد تزاد في مواضع من الكلام ولا يتغير به المعنى. كقولك أخذت الشيء وأخذت به.
وقول الشاعر: هن الحرائر لا ربات أحمرة **** سود المحاجر لا يقرأن بالسور
يقال: قرأت البقرة، وقرأت بالبقرة.
وقوله عز وجل (( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر))، المعنى، قادر على أن يحيي الموتى، قالوا وإنما تدخل الباء في هذا المعنى مع حرف الجحد كقوله ((أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى)) .
ما لا يتم الكلام إلا به من صفة وصلة فهو كنفس الكلام ورد على قولهم " ما يدخل بين الكلامين ما ليس من جنسهما..."، (( لا تحرك به لسانك لتعجل به))، قبله (( بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)) وبعده (( كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة))، المعارضون يقولون لا مناسبة بين الكلامين ورد الخطابي " هذا عارض من حال دعت الحاجة إلي ذكره ولم يجز تركه ولا تأخيره عن وقته، كقولك للرجل، وأنت تحدثه بحديث، فيشتغل عنك ويقبل على شيء آخر – أقبل على واسمع ما أقول – ثم تصل حديثك. وما عابوه من الحذف والاختصار (( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال...))، يرد الخطابي بقوله : إن الإيجاز في موضعه، وحذف ما يستغنى عنه من الكلام نوع من أنواع البلاغة، وإنما جاز حذف الجواب في ذلك وحسُن لأن المذكور منه يدل على المحذوف، لأن المعقول من الخطاب عند أهل الفهم كالمنطوق به. والمعنى ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكان هذا القرآن)، وقد قيل إن الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر، لأن النفس تذهب في الحذف كل مذهب، ولو ذكر الجواب لكان مقصورا على الوجه الذي تناوله الذكر.
التكرار: تكرار الكلام على ضربين: مذموم وهو ما كان عنه غير مستفاد به زيادة معنى، لأنه حينئذ يكون فضلا من القول ولغوا، وليس في القرآن شيء من هذا النوع. والضرب الثاني بخلاف الأول، تقتضيه الحاجة، ويحسن استعماله في الأمور المهمة التي قد تعظم العناية بها، وبخصوص التكرار في سورة الرحمن، فإن سبحانه وتعالى خاطب بها الثقلين من الإنس والجن وعدد عليهم أنواع نعمه التي خلقها لهم، فكلما ذكر فصلا من فصول النعم جدد إقرارهم به واقتضاءهم الشكر عليه.
ثالثا - أهم الخلاصات:
الخطابي من خلال رده على هؤلاء المعارضين لبيان إعجاز القرآن، فهو يسلك منهجا لغويا أسلوبيا ( أصالة هذا المنهج في تراثنا)، ويطبقه في مجال الدرس البلاغي والدراسات القرآنية، ومن خلال متابعتنا لرده، نكتشف ملامح أسلوبية واضحة.( أسس المنهج الأسلوبي).
البدائل الأسلوبية: " فالمحلل الأسلوبي ينطلق من أن وراء كل استعمال لغوي عملية اختيار ( غربلة) مثلا: (( ان امشوا واصبروا))، لو قيل بدله امضوا وانطلقوا... وكيف يعلل هذا الاختيار " الشيء" الذي يدل على الاستمرار. أما أسلوب الحذف الذي قال عنه عبد القاهر في دلائل الإعجاز " باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، سبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق..."، وقد مثل الخطابي لأسلوب الحذف يقوله عز وجل (( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى)) لكان هذا القرآن...
هناك شبهات كثيرة قالها معارضو إعجاز القرآن، ورد عليها علماؤنا، منهم من طعن في القرآن ككل وقال أنه تلقاه من بحيرا الراهب ( عقلا ومنطقا لا يمكن)، وهناك من قال أن القرآن من تعليم (حبر الرومي)، وقد رد القرآن على هذا، وهناك من قال بأن القرآن من صنع عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم...
أختم بالقول أن نظم القرآن وطريقة تأليفه وجه كبير من وجوه إعجاز القرآن البياني الذي كان أحد الأسس الكبرى في تحدي العرب، بل والإنس والجن قاطبة، رغم تميز العرب بصناعة الكلام.
*باحث في الدراسات العربية والفكرية والإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.