حظيت الأجهزة الاستخباراتية المغربية بتنويه العديد من الدول الأمريكية والأوروبية والأفريقية وكذا الآسيوية على مساهمتها الناجعة في ملاحقة العديد من الخلايا الإرهابية في مختلف أنحاء العالم. كما سبق لنظام الملك الراحل الحسن الثاني أن نجح في القضاء على معارضيه السياسيين، خاصة الراديكاليين منهم، من خلال ما كانت توفره له هذه الأجهزة الاستخباراتية من معلومات استباقية كانت تمكنه من شل تحركاتهم وإفشال مخططاتهم الانقلابية أو التمردية أو الكفاحية. ونظرا لما للمعلومة من أهمية في تدبير الشأن السياسي، فإن الملك الراحل الحسن الثاني عمل على خلق شبكة من القنوات الاستعلاماتية لجمع المعلومات، وتوزيع ذلك على عدة أجهزة أمنية وترابية وعسكرية لا تخضع بالضرورة للمديرية العامة للأمن الوطني. وبهذا الصدد، أصبح نظام الحكم بالمغرب يتوفر على شبكة استعلاماتية واستخباراتية تتكون من 15 جهازا استخباراتيا، بالإضافة إلى ملحقاتها وتفرعاتها ومكاتب التنسيق بينها. ولعل هذا ما يجعل من الضروري ملامسة بعض الجوانب التنظيمية المتعلقة بهذه الشبكة الاستخباراتية التي تشكل رافدا من الروافد الأساسية للنظام السياسي بالمغرب وأحد مؤسساته الحساسة في ضبط مكونات المجال السياسي المغربي. الشبكة الاستخباراتية المدنية إن هذه الشبكة التابعة لوزارة الداخلية تتوفر على خمسة أجهزة مخابرات؛ أولاها مديرية الشؤون العامة، وهي بمثابة البنية التحتية لكل أجهزة المخابرات المغربية، مهمتها جمع وتصفية وتصفيف المعلومات البسيطة والخام حول المواطنين، القادمة من سلسلة الوالي والباشا والقائد والشيوخ والمقدمين. ويتوفر هذا الجهاز على تغطية كاملة لكل التراب الوطني، له مكاتبه لدى جميع المصالح الخارجية لوزارة الداخلية، أي في كل عمالة أو باشوية أو قيادة تجد مكتب الشؤون العامة. كما تتوفر وزارة الداخلية على جهاز الاستعلامات العامة المكلف بجمع المعلومات السياسية في المجال الحضري وتغطية كافة المظاهرات وجميع النشاطات الحزبية والجمعوية، ويتوفر على قسم مهم مكلف بالتنسيق مع مجموعة من الناشطين الذين يتواجدون في مركز مارشي النوار للأمن بالرباط لإحراج الأعداء في المجال الحقوقي. وأصبحنا نلاحظ في الشارع العام ظهور فرقة جديدة تابعة لهذا الجهاز تتكلف بتصوير المتظاهرين. وهناك مديرية الشؤون الملكية، وهي مكلفة بتوريد الموارد البشرية المكلفة بحماية الملك والأسرة الحاكمة في جميع القصور والإقامات الملكية. كما تهتم بمراقبة تحركات الحراس وحمايتهم من أجهزة التجسس الأجنبية. أيضا، هناك المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وهي جهاز مكلف بمكافحة التجسس داخل المملكة ومراقبة جميع الأعمال والنشاطات التي يمكنها أن تمس بسلامة الدولة السياسية والأمنية والاقتصادية أو العلمية. ويتكون هذا الجهاز من مكتب للمدير العام ومصالح مركزية، بالإضافة إلى مصالح جهوية. كما تتوفر الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني على جهاز مهم ملحق بالمصالح المركزية يسمى مديرية شرطة الاتصالات والموجات، وهو مركز للتنصت على المكالمات ومراقبة الإنترنت والموجات الرادارية والرنينية، يتوفر على قاموس من الكلمات بأغلب اللغات المتداولة في المغرب، وكل مكالمة تتضمن كلمة مشبوهة مثل جيش، سلاح، ملك... يتم تسجيلها تلقائيا لتتم إعادة تحليلها. هذا في ما يتعلق بالأجهزة التابعة لوزارة الداخلية، التي مازالت، بصفة عامة، تسيطر على الوضع ومتغلغلة داخل النسيج الاجتماعي والسياسي المغربي. الشبكة الاستخباراتية العسكرية تعمل هذه الشبكة إلى جانب أو مع أو تحت إمرة المديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد)، ويتكلف هذا الجهاز بالتجسس حيثما كانت مصالح المغرب، وبالتنسيق مع أجهزة الاستخبارات الخارجية في القضايا المشتركة، ويتوفر على مصالح خارجية، خصوصا مصلحة الملحقين الدائمين بالبعثات الدبلوماسية، التابعة لمصلحة المدير العام. كما تتوفر الشبكة على ثلاثة أجهزة مخابرات تابعة للإدارة المركزية، الأول مصلحة التنفيذ، وهو جهاز مهمته محددة في العمل في الميدان والتدخل السريع عبر فرق كوموندو من أجل الحفاظ على مصالح الوطن العليا، وهو جهاز يعمل بحرفية عالية. الجهاز الثاني هو مديرية مكافحة التجسس، وهو الخلية النائمة داخل الجيش المغربي التي تعمل بشكل سري للغاية وتنسق مع مديرية مراقبة التراب في نفس الموضوع. كما تتبع للإدارة المركزية للادجيد مديرية الاتصالات، وهو جهاز مكلف بتنسيق الاتصال وحماية الوسائط الاتصالية بين كافة مصالحه. بالإضافة إلى ذلك، يتوفر المغرب على جهاز استخباراتي تابع للدرك الملكي يعمل على جمع المعلومات داخل جسم الدرك وفي الأماكن التي لا تتوفر فيها الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني على مراكز دائمة. ويتوفر هذا الجهاز في الرباط على عدة أقسام، منها قسم حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني. وللإشارة، فهذا القسم لا يؤسس جمعيات ولا ينسق معها، بل يجمع المعلومات عنها من بعيد. كما يتوفر المغرب أيضا على جهاز آخر مرتبط بالجيش يتمثل في المكتب الثاني المكلف بالاستخبار في المراكز الحدودية، والتنسيق مع مديرية مراقبة التراب الوطني ولادجيد في نفس الموضوع، والمكتب الخامس المكلف بجمع المعلومات حول الجنود والثكنات وكل مكونات الجسم العسكري. وهناك جهاز مخضرم تابع نظريا لوزارة الداخلية تحت إمرة القوات المساعدة لكن يسيطر عليه الجيش، له مهام ثلاثية الأبعاد داخل المدن والقرى والمراكز الحدودية. بالإضافة إلى جهازين آخرين مرتبطين بالجيش؛ الأول يتعلق بأمن المنطقة العسكرية الجنوبية، والثاني يتعلق بأمن المنطقة العسكرية الشمالية. وتعكس الخطاطة التالية هذه الهرمية الاستعلاماتية والاستخباراتية التي يتربع على رأسها الملك: من هنا يظهر أن نظام الحكم بالمغرب قد حاول جهد الإمكان أن يهيكل الجهاز الأمني بالبلاد بشكل يجعله يتحكم في كل دواليبه ومصالحه ومديرياته، وبالتالي التحكم في مختلف مكونات الحقل السياسي المغربي؛ فالتوفر على المعلومات ومركزتها يسهل على السلطة الاطلاع على تطورات هذا الحقل ولجم كل تداعياته السياسية من خلال تربعه على هرمية أمنية متشابكة وممتدة تشكل فيها المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للوثائق والمستندات مكونات محورية وأساسية.