إعادة انتخاب الميلودي موخاريق أمينا عاما للاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    إسبانيا.. تفكيك شبكة متخصصة في الاتجار بالبشر استغلت أزيد من ألف امرأة    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    حادثة سير مروعة في نفق بني مكادة بطنجة تسفر عن مصرع فتاتين وإصابة شخصين بجروح خطيرة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    خامنئي: المقاومة تستمر ضد إسرائيل    انطلاق انتخابات تشريعية في ألمانيا تحت ضغط اليمين المتطرف وترامب    الكلاسيكو المغربي: الرجاء والجيش في مواجهة نارية بالقنيطرة    نهضة بركان يجني ثمار 10 سنوات من الكفاح و العمل الجاد …    الملك محمد السادس يهنئ إمبراطور اليابان بمناسبة عيد ميلاده    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    هل الحداثة ملك لأحد؟    بعد منعهم من حضور مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل.. نقابيون يعلنون تضامنهم مع عبد الحميد أمين ورفاقه    رونالدو: تشرفت بلقاء محمد بن سلمان    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    أبرزها مواجهة "الكلاسيكو" بين الرجاء والجيش الملكي.. الجولة 22 من البطولة تختتم مساء اليوم بإجراء ثلاث مباريات    توقيف ثلاثة أشخاص بشبهة نشر محتويات عنيفة    أنشيلوتي: "مواجهة أتلتيكو في دوري الأبطال ستكون صعبة"    مؤتمر دولي مغربي لنموذج محاكاة الأمم المتحدة    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    إسرائيل تهاجم موقعًا عسكريًا بلبنان    الميلودي موخاريق يقود الاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    خبراء وباحثون يؤكدون على أهمية قانون المالية لسنة 2025 في النهوض بالاستثمارات العمومية وتمويل المشاريع المهيكلة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    أخنوش يدشن الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوديي: الماركسيون آمنوا بقيام الثورة .. والطموح "ديكتاتورية العمال"
نشر في هسبريس يوم 25 - 05 - 2019


-4-
قال عبد العزيز الوديي، القيادي الطلابي نائب رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، إن الطلاب اعتقدوا أن الثورة على الأبواب وكانت لديهم قناعة بأن الظروف الموضوعية ناضجة، وأن النظام الملكي يعيش أزمة خانقة وعزلة متفاقمة، خاصة إثر رفض "الكتلة الوطنية" لمقترحات القصر، وفشل كل محاولاته الرامية إلى تطبيع الحياة السياسية وفقا لمعاييره واختياراته اللاشعبية من جهة، وانطلاقا من المحاولتين الانقلابيتين اللتين تعرض لهما النظام من جهة أخرى".
وأضاف الوديي، في الجزء الرابع من حواره، أن "الطلبة لم يكونوا مسلحين كفاية من أجل تحقيق هدفهم الأسمى المتمثل في الإطاحة بالنظام الملكي، وِفقا لما كانوا يريدونه بل ويحلمون به. وقرروا العزم على خوض غمارِ حرب ضروس ضد ذاك العدو الشرس، الذي لم يكونوا يعرفون عنه سوى سياساته اللاشعبية في خطوطها العريضة دون تفاصيلها، وممارساته القمعية، وبطشه بكل معارضة".
هل كنتم مقتنعين بأن الثورة على الأبواب، وأن الجبهويين سيشكلون طليعتها؟
لا بد من توضيح بعض الأمور قبل الإجابة عن سؤالكم المهم هذا. كنا نعيش، باعتبارنا طلبة شباباً، في قوقعة، أو بالأحرى في عزلة شبه تامة عن المجتمع المغربي الحقيقي. كنا نعتقد أن القطاع الطلابي، الذي نقضي فيه جلّ أوقاتنا بما فيها فترات العطل الجامعية، هو "صورة طبق الأصل" لمجتمعنا؛ سيّما مع وجود المد النضالي النقابي/السياسي، الذي كان سائدا في ذاك القطاع في نهاية ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي، إضافة إلى بعض النضالات العمالية - قطاع الفوسفاط- وحتى الفلاحية كذلك - فلاحو أولاد خليفة- مثلا...
اعتباراً لهذه الأجواء العامة ولحالة التمرد والحماس والثورة التي تميّز شرائح واسعة من الطلبة - خاصة منهم أولئك المنحدرين من الطبقات الشعبية، الذين استفادوا من فتح أبواب المدارس في وجههم غداة الإعلان عن الاستقلال السياسي للمغرب...- كنا فعلا نعتقد اعتقادا راسخا أن الثورة الشعبية على الأبواب. وكان لدينا اقتناع بأن الظروف الموضوعية ناضجة، وأن النظام الملكي يعيش أزمة خانقة وعزلة متفاقمة، خاصة إثر رفض "الكتلة الوطنية" لمقترحات القصر، وفشل كل محاولاته الرامية إلى تطبيع الحياة السياسية وفقا لمعاييره واختياراته اللاشعبية من جهة، وانطلاقا من المحاولتين الانقلابيتين اللتين تعرض لهما النظام من جهة أخرى. كنا نَعْتبرُ أنه يكفي إنضاج الشروط الذاتية، أي بناء الأداة الثورية - الحزب البروليتاري- من أجل التعجيل بإنجاز المهام الثورية المنوطة بالمناضلين الثوريين، أي نحن مناضلي "الحملم".
في اعتقادي، ذلكم كان، على العموم، تصوّر السواد الأعظم منا للثورة الشعبية حينئذ. فضلا عن كل هذا، لا ينبغي تجاهل دور تأثيرات بعض الحركات الثورية الخارجية أو التقليل منها، وكذلك تأثير الأحداث التي كان عالمنا يعيشها في تلك المرحلة.
هل يمكنكم الحديث عن تلك التأثيرات الخارجية؟
كانت تخترق القطاع الطلابي، آنذاك، عدة تأثيرات خارجية متفاوتة من حيث أهميتها وانعكاساتها على فكر وممارسة الطلبة المغاربة في الداخل والخارج عموما، وبالتالي على "الجبهويين" منهم خصوصا. أذكُر منها في المقام الأول، نهوض حركة التحرر الوطني الفلسطينية إثر هزيمة الجيوش العربية سنة 1967 وخوض الثوار الفلسطينيين معركة "الكرامة" في مارس 1968، ثم أيلول الأسود بالأردن والعمليات الفدائية الكبرى ذات الصدى العالمي، ومنها اختطاف عدة طائرات واحتجاز رهائن إسرائيلية خلال الألعاب الأولمبية بمدينة ميونيخ سنة 1972، وكذلك اغتيال مسؤولين إسرائيليين... وكانت أغلبية الجبهويين تميل إلى مُناصرة اليسار الفلسطيني (الجبهتين الديمقراطية والشعبية) اعتبارا لتقاسم القناعات الإيديولوجية نفسها، وبحكم تأثير بعض المنشورات والمجلات من قبيل "الهدف" و"الحرية"... إلخ. وكان لصورة الفدائي الفلسطيني تأثير بالغ على الكثير من مناضلي "الحملم"؛ إذ كان الفدائي نموذجا يُحتذى به كما كان الشأن بالنسبة للمناضل الثوري إرنستو تشي غيفارا...
يأتي بعد ذلك تأثير الثورة الكوبية ورمزها الأبدي إرنستو تشي غيفارا، والثورة الصينية، وخاصة الثورة الثقافية التي كنا نحاول محاكاتها (الجرائد الحائطية - دازيباو). وطبعا، كان ثمة تأثير مهم لانتصارات المقاومة الفيتنامية ضد الغزو اليانكي، وكذلك مقاومة كامبوديا واللاووس لنفس الغزو. هذا بالإضافة إلى هبوب رياح ثورات الشباب في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، والتي وصلتنا نفحاتها عن طريق فرنسا (سارتر واليسار البروليتاري...) ومارست تأثيراً على بعض القطاعات من الحركة الطلابية المغربية، وعلى "الحملم" طبعا.
لا بد من الإشارة أيضا إلى بروز حركات ثورية جديدة في وسط وجنوب القارة الأمريكية، خاصة إثر اغتيال غيفارا في بوليفيا، والإعلان "غير الرسمي" عن تقادم وتجاوز نظريته حول البؤرة الثورية (foco) - التي انتهجها الثوار الكوبيون استراتيجية لتحقيق انتصار ثورتهم سنة 1959- واستبدالها بنظرية حرب العصابات في المدن (guerilla urbana)، التي نظَّر لها الشيوعي البرازيلي كارلوس ماريغويلا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي. وهي النظرية التي انتشرت أولا في أمريكا اللاتينية، وخاصة في الأوروغواي مع حركة التوباماروس (Tupamaros) وفي بقية شبه القارة من خلال تبنيها من لدن عدة حركات أبرزهاالحزب الشيوعي البرازيلي الثوري، وحركة اليسار الثوري وغيرها... وقد اجتاحت نظرية ماريغويلا هذه العديد من الأقطار الأوروبية (إسبانيا، إيطاليا، فرنسا وألمانيا، أساسا)، فضلا عن وصولها إلى آسيا (اليابان وجيشها الأحمر)، كما تسرب تأثيرها إلينا، إلى حد أن بعض رفاقنا لم يكونوا يترددون، من حيث الملبس (البذلة العسكرية) والمظهر (اللحية الكثيفة) في تقمص شخصية التشي أو ماريغويلا...!
لكن حركتنا لم تسلك عمليا، أبداً، طريق حرب العصابات في المدن والقيام بعمليات ذات صدى؛ باستثناء ما أقدم عليه أنيس بلافريج، الذي كان له تنظيمه الخاص المكوّن من خلية من التلاميذ (محمود البوعبيدي، ممدوح بوعبيد، بلعيد التوفيقي، ومصطفى الخلعي)، والذي قام بمعية رفاقه بإحراق قوس النصر ب "سوق الشطيبة" بالدار البيضاء. ولم يكن لأنيس، حسب علمي، أي ارتباط تنظيمي مع أي فصيل من فصائل "الحملم" آنذاك، خارج السجن أو داخله على حد سواء. على الرغم من صداقته المتينة مع بعض مناضلي "لنخدم الشعب"، وفي مقدمتهم المناضلان عبد اللطيف الدرقاوي وسيون أسيدون. وبالمناسبة، لا بد من التذكير بأن أنيس، المتأثر بحركة المقاومة الفلسطينية (حركة فتح على وجه الخصوص) واليسار البروليتاري (gauche prolétarienne)، كان يُصدر نشرة "الوكالة الشعبية للأخبار" (API)، بمعية بعض الرفاق من تنظيم "أ" - جمال بلخضر، محمد الخطبي والراحل عبد الجليل الدرج من مجموعة تولوز، وكانوا متأثرين ب "الإنسانية الحمراء" (Humanité Rouge)- وقد انسحبوا من حزب التحرر والاشتراكية سنة 1969 حيث كانوا في الخلية نفسها مع الطيب الشكيلي- وانضم إليهم بالمغرب الراحل حسين الإدريسي وعبد الله الحريف، وأسهم بعض مناضلي "الحملم" في إمداد نشرة "API" بالمعطيات و/أو في توزيعها (*). وكانت تلك النشرة تُعمِّم الشعارات التي تُرفع في المظاهرات، ومنها الشعار العنصري الشهير "[...]وُلْد الكَحْلَة فُكْنَا مِنْ هَادْ الوَحْلَة".
وستكون لتلك العلاقات بين أنيس ومجموعة تولوز انعكاسات - لا مجال لذكرها هنا- عند الشروع في تحديد المسؤوليات في حملة الاعتقالات. كما أُذَكِّر هنا ب "الفْرْدي المْصَدِّي" (المسدس الصدئ)، الذي أرعب بوليس الحسن الثاني وشكل أحد أسباب انطلاق أول موجة من الاعتقالات التي استهدفت "الحملم" في نهاية سنة 1971. إن حركتنا اختارت، بشكل لا مراء فيه وبوضوح، طريق "حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد"، خلافا لمن كنا نُسميهم، خطأ وبطلانا، ب "البلانكيين" (المعروفين فيما بعد بحركة "3 مارس" 1973)، والذين كانوا يزاوجون بين نظرية "الفوكو" في البوادي، وحرب العصابات في المدن، وشرعوا في تطبيقهما فعلا. وكان ثمة أيضا تأثير لبعض الكتب والأفلام التي عَرفت بحركات حرب العصابات في المدن.
كيف كنتم تتخيلون هذه الثورة؟
لم يَكُن الأمر يتعلق بتخيُّل أو خيال، بل كانت لدينا قناعات راسخة ومطلقة لا يتسرب إليها الشك. كنا نعتبر أنفسنا - أعْني أغلب مناضلي "الحملم" -، بكيفية واعية أو لا واعية، بمثابة أولئك "المثقفين الثوريين"، بل "المثقفين العضويين" للطبقة العاملة، الذين تُحدِّثنا عنهم المصنفات الماركسية وخاصة منها كتابات لينين وماو، ومقتطفات من مؤلفات غرامشي، التي شكلت زادنا النظري الأساسي في البدايات الأولى من مسيرتنا النضالية. وقد كان البعض منا يحفظ مؤلفات ماو عن ظهر قلب، إلى جانب حفظه القرآن!
كنا نؤمن بأن المهمة التاريخية المنوطة بنا، في مجتمعنا، الذي يرزح تحت نير الاستبداد، تتمثل في تحقيق الثورة عن طريق بناء الحزب الثوري، يليه عقد التحالف الإستراتيجي مع الفلاحين الفقراء. ثم إطلاق شرارة "حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد" بعد ذلك من أجل دك أركان النظام، وصولا إلى إقامة "ديكتاتورية البروليتاريا". كانت طموحاتنا، بل أحلامنا، هائلة، وكان طريق الثورة مُعَبَّدا في اعتقادنا... كما كان تحقيق الثورة، يبدو لنا، سهل المنال، بفضل إرادتنا وعزيمتنا وتفانينا في النضال، خدمةً لقضية الشعب الكبرى: الثورة.
كانت طريق الثورة ومسالكها والمنعرجات المؤدية لانتصارها لا محالة، معروفة وواضحة في اعتقاد بعض مناضلي "الحملم". إنها طريق معبَّدة ومُشَوَّرة على غرار الطرق السيارة أو تكاد! وعلى هذا النحو تم اقتراح "أطروحة" "القواعد المتحركة"... و"القواعد الثابتة" وصولا إلى دك أركان النظام وانتصار الثورة الشعبية. إذن، فطريق حرب التحرير الشعبية "الطويلة المدى" واضحة جلية، جلاء الشمس في عز النهار!
لكننا لم نكن نعرف الكثير عن تلك البروليتاريا المغربية، التي نٌقدّسُها ونُرتّل اسمها ترتيلاً. نسمع عن نضالها، نوزع من حين إلى آخر بعض المناشير التحريضية في بعض المناسبات داخل بعض المعامل (فيلروك Filroc بالرباط مثلا)، نشاهد العمال خلال التظاهرات والاحتفالات بعيدهم الأممي في فاتح ماي من كل سنة... وكنا، على الخصوص، نقرأ عن البروليتاريا الكثير مما كتبه لينين وماو. كانت معرفتنا بالبروليتاريا محض تجريدية، مستمدة أساسا من الكتب وليس من واقعنا. وخير دليل على ذلك، أن عدد المعتقلين "العمال"، ضمن مئات مناضلي "الحملم"، الذين كانوا يقبعون في سجون النظام لم يكن يتجاوز أصابع اليد الواحدة! أما عن عدم أو درجة معرفتنا بالفلاحين الفقراء، وتجذرنا في صفوفهم، فحدث ولا حرج...
اعتباراً للقاعدة الاجتماعية الأساسية ل "الحملم" المكونة من جماهير الطلبة والتلاميذ واعتبارا لتأثير تلك القاعدة على الحركة ذهب أحد فصائل الحركة، إلى تحويلها (الشبيبة المدرسية والطلابية) إلى "طليعة تكتيكية" للثورة وهو ما كان يعني؛ في ظل عزلة "الحملم" عن العمال (البروليتاريا) طليعة الثورة وحلفائهم الطبيعيين الفلاحين الفقراء؛ تحميل الشبيبة المُتعلِمة مهمة القيام بنشر الوعي الطبقي البروليتاري في صفوف البروليتاريا وحلفائها وإسناد مهمة المثقفين الثوريين لأولئك الشباب! وقد أفضى هذا الاختيار التكتيكي، بداية، إلى تحويل تلك "الطليعة التكتيكية" إلى "طليعة استراتيجية" في نهاية المطاف. مع كل النتائج السياسية التي يعرفها الجميع، والتي لا مجال للخوض فيها في هذا المقام.
وأشير هنا إلى وجود بعض الاختلاف بين مناضلي "أ" ومناضلي "ب"، إذ كانت لأعضاء هذا الفصيل الأخير معرفة أفضل، على العموم، من معرفتنا، في تنظيم "أ"، بما كنا نسميه "الشعب" - وهو مفهوم هُلامي، غامض. ويعود ذلك في اعتقادي إلى تَمَرُّسهمعلى النضال في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي كانت له امتدادات وسط كافة فئات الجماهير الشعبية، من عمال وحرفيين وفلاحين، فضلا عن الأطر والمثقفين والشبيبة المدرسية والطلابية الخ... في حين كان الحزب الشيوعي المغربي (التحرر ثم التقدم لاحقا) يعيش في عزلة شبه تامة عن الجماهير الشعبية، عدا توفره على بعض المناضلين العمال ومجموعة قليلة من الفلاحين المتناثرين في أرجاء الوطن.
وبإيجاز شديد، يُمكن أن أضيف إلى ذلك الاختلاف في القاعدة الاجتماعية-الطبقية الأساسية للفصيلين، حيث كان جُل مناضلي "ب" ينحدرون من الفئات "الشعبية" ومن الفئات الدنيا للبرجوازية الصغرى في المدن والبوادي، بينما كان السواد الأعظم من مناضلي "أ" ينتمي إلى الفئات المتوسطة والعليا من البرجوازية الصغرى بل وحتى المتوسطة بالمدن أساساً، مع وجود بعض الاستثناءات بداهة.
كانت حركتنا الفتية مكوّنة، في غالبيتها العظمى، من الشباب، وبحكم لاوعينا الجمعي، العربي-الإسلامي، المترسِّخ في أعماق أعماقنا أولا، وبفعل تأثيرات المصفوفة الفكرية السلفية للحركة الوطنية المغربية فينا، كان تعامل السواد الأعظم منا مع النصوص الماركسية، الكلاسيكية منها والحديثة، تعاملا قُدسيا وحرْفيا شبيه، إلى حد ما، بتعامل آبائنا مع القرآن والحديث. ولا مندوحة من التأكيد والإقرار بأن "الحملم" كانت حركة شبابية، حركة تلاميذية وطلابية منذ نشأتها، وهي لم تُبارح أبدا تلك الأوساط الشبيبية، المتعلمة والمدينية بالأساس.
يتبيّن الآن، أيضا، أننا لم نكُن مسلحين كفاية من أجل تحقيق هدفنا الأسمى المتمثل في الإطاحة بالنظام الملكي، وِفقا لما كنا نريده بل ونحلُم به. وقررنا العزم على خوض غمارِ حرب ضروس ضد ذاك العدو الشرس، الذي لم نكن نعرف عنه سوى سياساته اللاشعبية في خطوطها العريضة دون تفاصيلها، وممارساته القمعية، وبطشه بكل معارضة. كما كنا نفتقر إلى تحليل طبقي علمي دقيق لمجتمعنا وإلى معرفة عميقة بواقع مختلف الطبقات الاجتماعية ببلادنا. وكان ذلك أساساً قبل مرحلة حملات القمع الكبرى التي أتت على قيادات حركتنا وعلى قواعدها. وإذا عُدنا إلى الوراء، يتضح أن كل ما كنا نتوفر عليه في هذا المجال، لم يَكُن سوى خطاطات مفرطة في التعميم، وشعارات، بالإضافة إلى استنساخ يكاد يكون حرفيا لما كتبه ماو حول الطبقات في بلاد الصين.
لقراءة الأجزاء السابقة:
الوديي: العزلة عن الشعب أفشلت الماركسيين .. والشباب عُمق الحركة
الوديي يستحضر زمن الماركسيين المغاربة .. "الثورة على الأبواب" (1)
الوديي: الماركسية اكتسحت طلاب الستينيات .. والشباب ضحى للثورة (2)
الوديي: الصحراء عند "الحملم" جزء من المغرب .. والوالي كان وحدويا (3)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.