-3- قال عبد العزيز الوديي، القيادي الطلابي نائب رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، إن "المؤتمر الخامس عشر لنقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، اتجه نحو عودة الصحراء إلى "الوطن الأم"، المغرب. وذاك كان هو المعنى الذي كان يعطى عندئذ لمبدأ "حق تقرير المصير"، لا أقل ولا أكثر، مشددا على أن فكرة الانفصال لم تكن تدور بخلد أولئك المناضلين الصحراويين، والأكيد هو أنهم لم يكونوا يعبرون عنها جهاراً، كما أن الأطروحة الانفصالية لم تكن متداولة". وأضاف الوديي، في الجزء الثالث من حواره، أن الحركة الماركسية- اللينينية المغربية "الحملم" تعتبر أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المغرب، وذلك على غرار باقي الأحزاب الوطنية المغربية. بل كانت تتصور إمكانية تحويل الصحراء إلى قاعدة ثورية لانطلاق تحرير كل أرجاء المغرب، وبالتالي جعلها "فلسطين جديدة على أرض الصحراء" من أجل دحر الإمبريالية وعملائها بالمنطقة". إليكم نص الحوار: ما الذي كان يُميّز الطلبة "المنونيين" عن بقية الطلبة الاتحاديين؟ حسب ما كان رائجاً في الساحة الطلابية آنذاك، كان الطلبة المنونيون يعتبرون أنفسهم بمثابة ماركسيي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكانت مواقفهم أكثر ديمقراطية وأقل عداء "للجبهة" من بقية الطلبة الاتحاديين الذين يناصبونها العداء. هذا فضلا عن أنهم كانوا يَدْعُون إلى اعتماد مبدأ النسبية في انتخاب كل أجهزة "أوطم"، حفاظا على وحدة الحركة الطلابية وعدم إقصاء التيارات غير الاتحادية منها. إضافة إلى بعض الأخبار، أو الإشاعات، الرائجة حول الصراعات من أجل زعامة الطلبة الاتحاديين، والتي كانت تدور رحاها بين التيارات المتساكنة والمتصارعة في إطار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك. رغم ذلك، كنتم ترغبون في انضمام الطلبة الاتحاديين إلى تشكيلة اللجنة التنفيذية لأوطم؟ كنا مستعدين، كما قلت، لمنحهم ثلاثة مقاعد من أصل السبعة المكوّنة للجنة التنفيذية. وكنا نُقدِّر أن ذلك في مصلحة الحركة الطلابية ووحدة "أوطم"، وبالتالي فإشراك الاتحاديين في قيادة المنظمة كان، في آخر المطاف، في صالح "الجبهة" و"الحملم". ولم نكن نفكر إطلاقاً في تغطية سياسية، للقيادة الجديدة ل "أوطم"، من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية! في الواقع، ورغم كل الخلافات -الحقيقية منها والوهمية- كان الطلبة الاتحاديون هم أقرب الفصائل المناضلة إلى "الجبهة" في القطاع الطلابي. ولم يكن الطرفان يترددان في خوض معارك مشتركة، نقابية وسياسية ضد النظام، - مثلا التضامن المطلق واللامشروط مع معتقلي محاكمة مراكش الكبرى التي جرت أطوارها سنة 1971 (سعيد بونعيلات، محمد الحبيب الفرقاني، محمد اليازغي، أحمد بنجلون...). إلا أننا كنا نعاملهم، معاملة خصوم سياسيين، بل وحتى أعداء، في الكثير من الأحايين. لكننا لم نكن نبادر، أبدا، إلى استعمال العنف ضدهم، إلا دفاعا عن الذات، كلما أقدموا على الاعتداء على رفاقنا في "الجبهة". هل كان الطلبة الاتحاديون يعاملونكم بالمثل؟ كان الكثير من الطلبة الاتحاديين يناصبوننا العداء، ولا يترددون في استعمال العنف اللفظي والمادي ضد مناضلي "الجبهة". هكذا، من بين أمثلة أخرى عديدة، تعرّض الرفيق عبد الواحد بلكبير، عشية انعقاد المؤتمر الخامس عشر، لاعتداء داخل مقر "أوطم" بشارع لافوازيي بحضور ومشاركة بعض الأعضاء من اللجنة التنفيذية. وقد ذهبت إذاعة "التيار البصري" - وهي "صوت التحرير" التي كانت تَبُثُّ من ليبيا-إلى حد اتهام بعض مناضلي "الحملم" -مع ذكر أسمائهم- بالعمالة للجنرال السفاك أوفقير! اعتبر البعض أن البيان الصادر عن المؤتمر الخامس عشر كان بمثابة بيان سياسي صادر عن "حزب ثوري"، ولا علاقة له ببيان صادر عن نقابة طلابية؟ لا بد من التوضيح أن كل البيانات السياسية الصادرة عن مؤتمرات "أوطم" - خاصة منذ إعفاء الحكومة الوطنية لمولاي عبد الله إبراهيم، التي كانت أوطم تساند فيها "السياسة الرشيدة للحكومة"- كانت على الدوام شديدة اللهجة، لاذعة في نقدها للنظام القائم. إنّها كانت في الواقع تتبنى دائما أطروحات التيار الراديكالي في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومواقفه. وبالتالي، فإن البيان السياسي للمؤتمر الخامس عشر لم يَحِد عن القاعدة العامة للبيانات السابقة، وإنما استنسخ مواقف التيار السائد آنذاك داخل الحركة الطلابية المغربية، ألا وهي "الجبهة"، أي "الحملم". ما يمكننا أن نُعيبه، اليوم، على ذاك البيان هو الإفراط في انتقاد أحزاب ما اصطلح على تسميته بالأحزاب الوطنية (والمعني بها في البيان هما طبعا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية باعتبار أن حزب الاستقلال كان يُصنّف في خانة الرجعية ليس إلا). وإثر إعادة قراءة البيان، بعد مرور عقود عن صدوره، فإنني لا أتنصل من مسؤولية رئاستي للجنة البيان السياسي التي طالت مناقشاتها قرابة يومين كاملين، وطبعها جدلٌ حاد أحيانا. في مثل تلك الظرفية، انحاز الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في سنة 1972 خلال مؤتمره الخامس عشر، إلى جانب "الجبهة" أي "الحملم". كما سبق له، منذ مطلع الاستقلال، أن ناصر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الحديث العهد بالانشقاق عن حزب الاستقلال، وخاصة منه جناحه الراديكالي! نتيجة لكل هذا، فإن البيان السياسي كان وليد الظروف السياسية والإيديولوجية لصياغته، إنه كان "ابن بيئته"، كما يُقال. وينبغي ألا ننسى أن أحد بيانات "أوطم" قد ذهب إلى حد انتقاد القوات المسلحة الملكية، مطالبا ب "تطهير الجيش والأمن من الخونة"، في مؤتمره الثالث المنعقد بمدينة تطوان سنة 1958، وهو المؤتمر الذي انتخب إدريس السغروشني رئيسا للمنظمة الطلابية. أعتقد اليوم أن البيان السياسي كان مُسْرِفاً في نقده للأحزاب الوطنية؛ غير أن ذلك لا يُبرر إطلاقا التحامل على البيان، ومن ثم على "الجبهة" و"الحملم"، ونعته بنعوت أقل ما يمكن أن يُقال عنها إنها لا أخلاقية، بل وحتى سافلة. وبإيجاز، جاء البيان في سياق تاريخي معيّن من تاريخ بلادنا عامة، ومن تاريخ الحركة الطلابية المتميّز آنذاك بنهوض نضالي عارم خاصة. يُقال إن البيان الصادر عن لجنة حركات التحرير في المؤتمر الخامس عشر ساند الأطروحة الانفصالية ومبدأ تقرير المصير. ما رأيك في هذا التقييم؟ كنت أنتظر منكم طرح هذا السؤال المهم. ولا بد لي من الإدلاء بعدة توضيحات من أجل وضع موقف المؤتمر الخامس عشر من قضية الصحراء في سياقه التاريخي الحقيقي آنذاك. الجميع يعلم أن "الحملم" عموما، وتنظيم "ب" خصوصا، كانت متشبعة بالفكر الوحدوي القومي العربي، ومتأثرة بمقولات حركة المقاومة الفلسطينية، خاصة يسارها الذي خرج، تاريخيا، من صلب "حركة القوميين العرب". على مستوى المغرب، تميّزت المرحلة ببداية تحركات المواطنين المنحدرين من الصحراء وجلهم من الطلبة، وكان الكثيرون منهم يتابعون دراستهم معنا في الجامعة، ومن بينهم الوالي مصطفى السيد الذي كان يدرس بكلية الحقوق. وكانت تلك النضالات تطالب بجلاء الاستعمار الإسباني وبتحرير الصحراء. وحسب ما أتذكره، لم تكن فكرة الانفصال تدور بخلد أولئك المناضلين، والأكيد هو أنهم لم يكونوا يعبرون عنها جهاراً، كما أن الأطروحة الانفصالية لم تكن متداولة آنذاك في صفوف مناضلي "الحملم". كانت "الحملم" تعتبر أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المغرب، وذلك على غرار باقي الأحزاب الوطنية المغربية. بل كانت تتصور إمكانية تحويل الصحراء إلى قاعدة ثورية لانطلاق تحرير كل أرجاء المغرب، وبالتالي جعلها "فلسطين جديدة على أرض الصحراء" من أجل دحر الإمبريالية وعملائها بالمنطقة - كما جاء في المقال الذي نشرته مجلة "أنفاس" في عددها المزدوج 7-8 دجنبر 71، يناير 72- والذي هو حصيلة لنقاش مُطوّل دار بين محمد الحبيب طالب ومحمد البردوزي والوالي مصطفى السيد. لكن ماذا حدث خلال أشغال المؤتمر الخامس عشر لأوطم؟ في الواقع، لم يطرح المؤتمر قضية الصحراء للمناقشة على الإطلاق، ولم تُشكل الصحراء موضوع مداولات من لدن المؤتمرين. اكتفينا عندئذ، في إطار إحدى لجن المؤتمر، "لجنة حركات التحرر"، بتبني المؤتمر لصيغة البيان الذي قدمه لنا الوالي مصطفى السيد وكان مكتوبا بخط يده من دون أن يحمل أي توقيع. وقد اعتمد المؤتمر ذلك البيان دون أي تغيير في صيغته الأولى. كان الموقف واضحاً ولم نكلف أنفسنا، ونحن في غمرة أشغال المؤتمر، عناء التدقيق في قراءة مضمونه، وتمت تلاوة البيان، مع البيانات الأخرى الصادرة عن لجنة حركات التحرر، ثم المصادقة عليه من طرف المؤتمرين. والسر في عدم إيلاء اهتمام خاص بأمر ذلك البيان، يكمن في أن موقف الجميع من تحرير الصحراء، كان لا يعني صراحة إلاّ شيئا واحدا، وهو عودة الصحراء إلى "الوطن الأم"، المغرب. وذاك كان هو المعنى الذي كنا نعطيه عندئذ لمبدأ "حق تقرير المصير"، لا أقل ولا أكثر. أشير هنا إلى أن إدوار موحى، مؤسس حركة الرجال الزرق (MOREHOB)، اتصل ببعض الرفاق، وقدّم لهم بيانا يَدْعَم حركته لكي يعتمده المؤتمر ضمن مقرراته؛ لكننا رفضنا ذلك، لكوننا اعتبرنا آنذاك أن تلك المنظمة هي مجرد صنيعة للمخابرات الإسبانية وأنّ تأسيسها كان يستهدف أساساً مواجهة كفاح المناضلين الوطنيين الصحراويين. لهذا، فإن الادعاء أن المؤتمر الخامس عشر ل"أوطم" قد ساند انفصال الصحراء عن المغرب مُجانب للصواب. ودون الخوض في تفاصيل الجدل والاختلافات التي عاشتها حركتنا بشأن هذه القضية لاحقاً، لا بد لي أن أعترف بأننا لم نكن على اطلاع واسع بخبايا وخلفيات وأبعاد قضية الصحراء. كل ما كان يعرفه الكثير منا هو ما جاء في المقال الذي نشرته مجلة "أنفاس". وبالكاد، كان البعض منا على علم بعملية "إيكوفيون" (Ecouvillon)، التي استهدفت القضاء على جيش التحرير بالجنوب المغربي. وبحكم قناعاتنا القومية/الوحدوية آنذاك، فإنني أتذكرُ أن موضوع انفصال الصحراء عن المغرب لم يكن واردا في وعينا وفي لا وعينا خلال انعقاد أشغال المؤتمر الخامس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب. لقراءة الأجزاء السابقة: الوديي: العزلة عن الشعب أفشلت الماركسيين .. والشباب عُمق الحركة الوديي يستحضر زمن الماركسيين المغاربة .. "الثورة على الأبواب" (1) الوديي: الماركسية اكتسحت طلاب الستينيات .. والشباب ضحى للثورة (2)