-2- قال عبد العزيز الوديي، القيادي الطلابي نائب رئيس المؤتمر الخامس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، إن الحركة الماركسية اللينينية اكتسحت الطلاب والتلاميذ في ظروف الستينيات، خاصة ابتداء من سنة 1968 إلى غاية سنة 1973. وهو تاريخ منع "أوطم" (24 يناير) الذي تزامن مع بداية مسلسل تقهقر الحركة وجزرها في ظل الحملات المتتالية للقمع الذي استهدفها بداية من أواخر سنة 1971، مشيرا إلى أن تاريخ نقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب طبعته صراعات سياسية عديدة. وأضاف الوديي، في الجزء الثاني من حواره، أن المؤتمر الخامس عشر شهد شدا وجذبا انتهى بانسحاب الطلبة الاتحاديين وطلبة التقدم والاشتراكية، بعد اكتساح طلبة الجبهة للانتخابات، خصوصا بعد الشعار التاريخي الذي رفعه المؤتمر "لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة. إليكم نص الحوار: كيف كانت موازين القوى السياسية داخل النقابة الطلابية قبل انعقاد المؤتمر الخامس عشر؟ بعد مرحلة الجزر التي تلت القمع الذي سلطه النظام على الحركة الطلابية -1965-1967- وانتعاش النضال الطلابي بعد ذلك من جهة، ونتيجة تأثير عدة عوامل داخلية، أساساً، وخارجية أيضاً، وكلها معروفة ولا داعي لسردها هنا، استطاعت "الحملم" اكتساح الساحة الطلابية والتلاميذية في ظرف وجيز. خاصة ابتداء من سنة 1968 إلى غاية سنة 1973. وهو تاريخ منع "أوطم" (24 يناير) الذي تزامن مع بداية مسلسل تقهقر الحركة وجزرها في ظل الحملات المتتالية للقمع الذي استهدفها بداية من أواخر سنة 1971. كان الوضع داخل القطاع الطلابي، (حيث مجموع عدد الطلبة المغاربة في الداخل والخارج لم يكن يتجاوز، عندئذ، عشرين ألف طالب)، يتميّز بوجود عدة فئات مختلفة من الطلبة ذوي أصول اجتماعية متباينة، والوافدين من كافة أنحاء المغرب إلى الرباط وفاس، المدينتين الجامعيتين الوحيدتين آنذاك. كان البعض منهم ينتمي إلى مختلف الأحزاب المغربية، وخاصة منها: الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لاحقا) وحزب التحرر والاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقا وحزب التقدم والاشتراكية لاحقا) وحزب الاستقلال و"الجبهة"، ابتداء من مطلع السبعينيات. وفي اعتقادي، لم يكن السواد الأعظم من الطلبة مُتحزِبا، إلا أن الطلبة المتحزِبين كانوا يشكلون أقلية فاعِلَة، دائبة النشاط. وقد كان جزءٌ كبير من الطلبة يميل إلى إثبات ذاته والتحرر من سلطة آبائه وأوليائه، وفك الارتباط مع روح المحافظة والتشبث بالتقاليد، في حين كان بعض مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية، يطمحون إلى الانعتاق من هيمنة قياداتهم الحزبية، التي كانت تٌنعت آنذاك بالانتهازية والانتظارية ومهادنة النظام، بل وحتى بخيانة قضية الجماهير الشعبية. اختار هؤلاء الشباب التخلي عن تحقيق طموحاتهم الفردية والأنانية، وساروا في درب شائك محفوف بالمخاطر من أجل التغيير الجذري لواقع مجتمعهم المتردي، سعياً منهم إلى تحقيق ثورة شعبية. لم يكن القطاع الطلابي متجانساً، حيث كانت تتجاذبه عدة تيارات فكرية وسياسية؛ منها: الماركسية بكل تلاوينها - اللينينية والستالينية والتروتسكية والماوية والغيفارية -، والفوضوية والفوضوية النقابية، والشَعبوية (التي كان لها تأثير لا يُستهان به على فكر وممارسات بعض مناضلي الحركة، قواعدَ وقيادات على حد سواء)، والوجودية والليبرالية، وبعض البوادر الأولى للفكر الإسلاموي الحزبي، بل وحتى فئة محدودة، كانت تُناصر النظام الملكي (الشبيبة الملكية التي أسسها محمد زيان في مطلع سبعينيات القرن الماضي). هذا بالإضافة إلى فئات كانت تُحاكي سلوك وممارسات، بل وحتى لباس، الهيبيHippie . وهي حركة ثقافة- مضادة ظهرت في الولاياتالمتحدةالأمريكية في ستينيات القرن الماضي وكانت تدعو إلى"الحب والسلم" وتناهض حرب الولاياتالمتحدة ضد الشعب الفيتنامي، قبل أن تنتشر في باقي أرجاء العالم الغربي وتصل إلى بلدنا، عبر فرنسا، في مطلع سبعينيات القرن الماضي. كانت موازين القوى آنذاك تفرض على الطلبة الرجعيين، في تقديرنا - بمن فيهم أولئك المنتمين ل "الاتحاد العام لطلبة المغرب"- الإحجام عن التعبير عن آرائهم في التجمعات العامة، حيث كنا نُصادر حقهم في التعبير عن آرائهم. في ذلك الوقت، كانت "الجبهة" تُسيطر، تقريبا، على مكاتب الأغلبية الساحقة من التعاضديات، سواء في الكليات أم في المدارس العليا. وجاء ذلك بُعَيْد مرحلة الجزر والجمود التي مرّت بها الحركة الطلابية، إثر حملة القمع الذي تعرضت له غداة انتفاضة 23 مارس 1965 المجيدة. وكانت القوى السياسية المتصارعة داخل القطاع الطلابي هي: الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية والحركة الماركسية- اللينينية المغربية. أما القوى الأكثر تأثيرا في تلك المرحلة فهي الاتحاد والحلملم، في حين كان إشعاع التحرر جد محدود، لا سيما بعد تأسيس "الجبهة". في ظل هذا الوضع، استطاعت "الجبهة" أن تفوز بالأغلبية المطلقة من عدد المؤتمرين المنتخبين للمؤتمر الخامس عشر "لأوطم"، وذلك على الرغم من الجهود الجبّارة التي بذلها الاتحاد والتحرر لكي لا يتحقق لها ذلك الفوز، مستعينين في ذلك بالتحالفات التي عقداها مع كل الجهات المناوئة للجبهة - بما فيها الأطراف الرجعية كما حدث ذلك بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط. بعد الانتصار الساحق، الذي حققته "الجبهة" في الانتخابات، خرجت إلى العلنية مجموعة من مناضليها الذين كانوا يعيشون في السرية - لكونهم متابعين على خلفية قضية "أنيس بلفريج ومن معه"- وبدأ الإعداد المادي للمؤتمر. هكذا، اجتمعت لجنة مكونة من عبد الصمد بلكبير وعبد الواحد بلكبير والحبابي عبد الحفيظ - ممثلين للفصيل "ب"- وعبد العزيز المنبهي ومحمد العيادي (الذي كنا نجتمع بمنزله بالقرب من دار البريهي قبل أن ننتقل إلى منزل المناضلة الفقيدة سعيدة المنبهي) وعبد العزيز الوديي- ممثلين للفصيل "أ". وشرعنا إثر ذلك، في مفاوضات مع الطلبة الاتحاديين، بطلب منهم، وكان يمثلهم آنذاك كل من الطيب بناني والحبيب المالكي ومالك الجداوي. ماذا كان موضوع مفاوضاتكم مع الطلبة الاتحاديين؟ كنا نتفاوض، عبد الواحد بلكبير وأنا شخصيا، مع ممثلي الطلبة الاتحاديين بشأن موضوع قيادة المنظمة الطلابية. وكان هدفنا، في "الجبهة"، هو الحفاظ على وحدة "أوطم". لهذا الغرض، اقترحنا اعتماد مبدأ النسبية حتى يتسنى تمثيل الاتحاديين في قيادة النقابة. كنا آنذاك مستعدين لمنحهم ثلاثة مقاعد من أصل سبعة في اللجنة التنفيذية، غير أنهم رفضوا اقتراحنا وطالبوا، في الأخير، بتولي عضو من حزب الاتحاد رئاسة المنظمة، وهو الأمر الذي رفضناه رفضا باتا. على مستوى لجنة "الجبهة" المسؤولة عن تحضير المؤتمر، بدأنا في إعداد مشاريع مختلف الأرضيات المتعلقة بكافة مقررات المؤتمر من جهة، وفي وضع المقترحات الأولية الخاصة بأعضاء اللجنتين التنفيذية والإدارية من جهة أخرى. واقترحنا على الرفيق عبد الصمد بلكبير، وهو أكثرنا تجربة، تحمل مسؤولية رئاسة المنظمة، إلاّ أنه عبر عن رفضه القاطع لسببين اثنين هما: أنه متابع وليس من المعقول أن تكون أغلبية أعضاء اللجنة التنفيذية (أربعة من أصل سبعة أعضاء) موضع متابعة أولا، ولكونه مُلتزِم بمهام تنظيمية في إطار منظمة "ب" ثانيا. عندئذ وقع الاختيار على الرفيق عبد العزيز المنبهي لتولي مسؤولية رئاسة أوطم. ما الذي حصل بعد ذلك؟ انعقد المؤتمر الخامس عشر "لأوطم" بكلية العلوم التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط من 11 إلى 18 غشت 1972، تحت شعار: "لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة". وبعد تقديم التقريرين الأدبي والمالي، من طرف اللجنة التنفيذية المستقيلة، وانتخاب رئاسة المؤتمر (لا أتذكر من ترأس أشغال المؤتمر) والمقرر العام في شخص الشاعر محمد بنيس، أعلن الطيب بناني انسحاب الطلبة الاتحاديين، من دون تقديم أية مبررات. لكن سبب انسحابهم كان معروفا وواضحاً بالنسبة إلينا، ذلك إنهم كانوا على يقين من أن سيطرة "الجبهة" على قيادة "أوطم" كانت ستُؤدي لا محالة إلى تحويله إلى آلة جهنمية لمحاربة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وقد تبعهم في الانسحاب طلبة التحرر والاشتراكية، فيما فضل الطلبة الذين كان يطلق عليهم اسم "المنونيين" - نسبة إلى عبد اللطيف المنوني وهو رئيس سابق "لأوطم"- ومن بينهم عبد الكبير البزاوي ومحمد الموساوي وآخرين... الاستمرار في متابعة أشغال المؤتمر.