عقدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مؤتمرها الوطني الثاني عشر على وقع استمرار مضايقات السلطات، إذ لم تحصل على الحقّ في تنظيم مؤتمرها إلا قبل يومين من موعده، الذي كان محدّدا يوم 26 أبريل الماضي، قبل أن تعلن عن "نجاحه الباهر" الذي انتهى بانتخاب مكتب مركزي يترأّسه الحقوقي عزيز غالي. ورغم أن اسم عزيز غالي غير مألوف في الإعلام المغربي، فإن هذا الدكتور في الصيدلة كان حاضرا في إحدى المحطّات الثلاث الأهم بالمنطقة العربية: حرب 2003 عندما كان يشتغل بمستشفى "اليرموك"، ولم يغادر العاصمة العراقية بغداد إلا بعد سقوطها، كما عمل عام 2006 بمستشفى "بنت جبيل" على الحدود الفلسطينية اللبنانية، ثم اشتغل عامَي 2008 و2009 بمستشفى "العودة" داخل غزة، فضلا عن كونه عضو المجلس الدولي للمنتدى الاجتماعي العالمي، ومنسّقا للمنتدى الاجتماعي العالَمي للصحة والحماية الاجتماعية، وعضو سكرتارية حركة "صحّة الشعوب"، التي كان منسّقا لها بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط.. جريدة هسبريس الإلكترونية التقت الرئيس الجديد للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي يرجع تاريخ عضويّته فيها إلى عام 1989، وسألته في الجزء الأوّل من هذا الحوار عن سبب المضايقات التي تلحق بالجمعية، والتأييد الاستئْنافي للأحكام الابتدائية في حقّ مُعتقَلي حَراك الرّيف، وملفّ عبد العالي حامي الدين، الذي أحدث تصدّعا في المكتب السابق للجمعية، وهيمنة حزب النهج الديمقراطي على الجمعية. كيف ترى عقد المؤتمر ال12 للجمعية المغربية لحقوق الإنسان في ظل استمرار التضييق عليها؟ ما يمكن أن نسجّله هو أن الجمعية انتزعت حقها في تنظيم مؤتمرِها الثاني عشر، وهذه ليست المرة الأولى، فحتى المؤتمر الحادي عشر عُقد في الظروف نفسها؛ وهذا تطور خطير في التضييق على عمل الجمعيات، إذ إنّنا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لم نتوصّل بترخيص عقد مؤتمرنا إلا 48 ساعة قبل عقده، ولكم أن تتصوّروا كيف لجمعية أن تنظّم مؤتمرَها، الذي كان من المفروض أن يضمَّ 700 مؤتمِر، وتوفِّر كل شيء في ظرف 48 ساعة. وهذا يبيّن مدى قوة الجمعية، وقدرتها التنظيمية على تنظيم مؤتمرها، وحرصها على الديمقراطية. فلو حدث الأمر ذاته لجمعيات أخرى لتذرّعت بالتضييق وأجّلت مؤتمرَها، ولكنّنا حريصون على أن نعقد مؤتمراتنا حتى في اليوم نفسه، فدائما في نهاية شهر أبريل يُعقَد مؤتمر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كل ثلاث سنوات. ما سبب استمرار مثل هذه الممارسات، التي تؤخِّر الوصل والترخيص وتضيِّق على نشطاء حقوقيين؟ في مرحلة معيّنة قبل عام 2014 كنا نرى أن وضعية حقوق الإنسان في المغرب هشّة، والآن نقول إن هناك رِدَّة حقوقية بكل المقاييس. وبصريح العبارة نحن في مرحلة الخطر؛ فهناك التضييق على الجمعية، وعدم توصُّلِها بالوصول، والتضييق على مجموعة من الإطارات والنشطاء الحقوقيين.. أظنّ أننا نعيش فعلا ردّة حقوقية بشكل كبير جدا في المغرب. كيف تلقت الجمعية منع مسرحية في الشارع تعارض الإعدام، نظمتها منظمة العفو الدولية أمام البرلمان؟ في السنة الأخيرة منع أيضا مخيَّم ل"أمنيستي". لقد صار كل ما يزعج الدولة يُمنَع، ويمكن أن نقول إن صدر الدولة لم يضِق، بل انغلَق أمام الفكر الحقوقي والثقافة الحقوقية بشكل عام. هل هذه "الردة الحقوقية" تشمل أيضا التأييد الاستئنافي للأحكام الابتدائية في حق معتقلي الريف؟ عندما نتحدّث عن الرّدة الحقوقية، فهذا يعني أن ليس هناك استثناء. لما كنا في مرحلة الهشاشة كانت هناك انتقائية، أما الآن فيوجد تضييق بشكل عام، وبخصوص الأحكام على المعتقلين السياسيين بالريف.. نتحدّث الآن في السنتَين الأخيرتين عن أكثر من 1100 معتقل سياسي، وهناك عودة لظاهرة اللجوء السياسي، إذ أصبح لدينا لاجئون سياسيون مغاربة بالخارج، وهناك تضييق على الصحافة وعلى النشطاء بشكل عام جدا. ما تعرّض له المعطي منجب، مؤخّرا، من تضييق، وما تعرّض له علي أنوزلا من تضييق، وما تتعرّض له كل الأصوات، هناك من يعتبرها أصواتا نشازا. كيف تلقت الجمعية تصريحات المندوب الوزاري لحقوق الإنسان التي أثارت جدلا حقوقيا؟ المندوب الوزاري لحقوق الإنسان يمارس المهمّة التي وُضِعت له، وأظنّ أن المهمة، التي تعطى للمسؤولين الحقوقيين داخل جهاز السلطة في زمن الردّة، يكون هامشها ضيّقا. لذلك يحاوِلُ المندوب الوزاري لحقوق الإنسان ما أمكن أن يبرّر. لقد تابعتُ تصريحات المندوب، وسنردّ عليها بعد اجتماع المكتب المركزي يوم 11 ماي، لأنّه تحدّث عن الجمعية، وسنردّ على كل نقطة نقطة، مع بعض الملاحظات التي سبق أن تحدّثتُ عنها حول حديثِه عن "الملفّات الحارقة"، لأنه في منظوري الشخصي ليس هناك في حقوق الإنسان شيء اسمه ملفّات حارقة وملفّات غير حارقة، فأي خرق لحقوق الإنسان يعتبر ملفّا حارقا بالنسبة إلى الشّخص الذي وقع له.. فالمريض الذي لا يجد مكانا من أجل تصفية دمه ملفه أكثر حرقة من كثير من الملفات، والزوجان اللذان رزقا بمولود خَديج توَفّي في أكبر مستشفى بالمغرب الذي هو "السويسي"، ملفهما أيضا حارق. ليس هناك ملفات أكثر حرقة من هذه، وعلى الناشط الحقوقي أن يكون مصابا بعمى الألوان، إذ ليس هناك إلا أبيض وأسود، لأنه في مجال حقوق الإنسان ليس هناك تمييز بين الكثير من الألوان. كيف سيتناوَل المكتب الحالي ملف حامي الدين، بعد الجدل الذي أثاره داخل المكتب السابق؟ هذا يفنّد ما يقال بأن هناك في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجهة نظر واحدة، وهذا يبيّن أن الجمعية حيوية، بما أن في المكتب المركزي خلاف، ويدلّ على أن الجمعية ليس فيها لون واحد، رغم الحديث عن وجود سيطرة.. بل بالعكس نحن نتناقش، ونحاول دائما أن نجد الحل الوسط، دون أن نتنازل عن المبدأ العام للجمعية، وهو حقوق الإنسان في شموليّتها وكونيّتها، وفق المعايير الدولية، وليس وفق بعض الخصوصيات. وفيما يتعلّق بملف حامي الدين، تعد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان منذ 1992 و1993 وصولا إلى الآن، طرفا مدنيا، ومطلبنا في الملف هو الحقيقة. وأُعطي مثالا قويا لا ينتبه إليه الناس، فعندما أدين عمر محب ابتدائيا بسنتين لم تستأنف الجمعية، لأننا لسنا مع تشديد العقوبة، ولكننا لاحظنا كذلك أن الحقيقة مغيَّبة، وبقينا دائما نطالب بها، وحتى الآن نطالب بالحقيقة؛ لأننا نعلم أن السلطات هي التي تمتلك الكثير من المعطيات حول الملف، لأنه أثناء اغتيال الشهيد بنعيسى آيت الجيد كانت جامعة فاس وضواحي المدينة كلُّها معسكرة، فلا يمكن أن يكون الأمر كذلك ولا تعلَم السلطات كيف تمّت العملية، ومن اغتال آيت الجيد. لقد طالبنا داخل الجمعية بالحقيقة، وسنستمرّ في المطالبة بها في جميع الملفّات. يرى البعض أن انتخابك رئيسا للجمعية يعني استمرار هيمنة حزب النهج الديمقراطي عليها. ما ردك؟ أولا، ليس هناك أي تيار سياسي له الهيمنة داخل الجمعية بحكم تركيبتها الحالية الآن. ولكنَّ هناك استمرارا (بعد ترؤس قيادات منتسبة إلى النهج للجمعيةَ) مثل أحمد الهايج، خديجة الرياضي وعبد الحميد أمين.. طبعا، نتحدّث عن الديمقراطية، فلماذا نُفَصِّلُ ديمقراطية خاصة بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان؟ النهج الديمقراطي موجود داخل الجمعية، وليس فقط في المكتب المركزي، بل السؤال، الذي يمكن أن تسألونا يتعلق بحجم النهج الديمقراطي داخل الفروع، التي يوجد فيها بشكل قوي. إذن وجود الحزب في المكتب المركزي أو وجود فرد ينتمي إليه على رأس الجمعية هو تعبير ديمقراطي عن وجود الحزب في مجموعة من الفروع، وأن مناضليه يعطون وضعا اعتباريا للعمل داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. رغم ذلك، يمكنني القول بأنه ليس هناك تيار مهيمن بشكل كبير، لأنه إذا أخذنا فقط اللجنة الإدارية هناك على الأقل نسبة تتراوح بين 45 بالمائة و50 بالمائة لا تنتمي إلى النهج الديمقراطي، وهذا لا يعكس بشكل عام وجود الحزب في خريطة الوطن. في السنة الفارطة عدّد وزير الداخلية مجموعة من المكونات الجمعوية، من بينها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، واتهمها بأنها لم تقل يوما أي شيء إيجابي عن المغرب. ما ردّك على هذا؟ حينما يكون هناك انفراج، وتكون هناك أشياء إيجابية نقولها. الاختلاف الموجود هو كيف نزن الإيجابي والسلبي، فلما نتحدّث عن حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها دوليا، يختلّ الميزان هنا بالنسبة إلى الكثير من الأطر الأخرى. من الممكن أن تتحدّث الدولة عن إنجاز، لكننا لمّا نقيسه بالآليات الأممية نجد أنه لا يمكن اعتباره إنجازا. الميزان الذي نقيس به كل الأمور مرتبط بالآليات الأممية والاتفاقيات والمعاهدات التي صادق المغرب على الكثير منها، فهذا هو الميزان الذي نقيس به كل ما تقوم به الدولة المغربية. فيما يتعلّق بقضية العاملات الموسميات بإسبانيا، ألا ترى أن المغرب يصدر بناتِهِ ليتم الاعتداء عليهن واستغلالهن؟ هناك تواطؤ كبير للدولة، لأنه لا يجب أن نرى فقط أنهن يتعرّضن لتعسّف داخل الحقول الإسبانية، فهناك أيضا تعسّف داخل المغرب، ويجب أن نعود إلى الشروط المفروضة على النساء اللائي يتمّ انتقاؤهنّ، وهي شروط مذلّة، وهذه هي المرحلة الأولى. أما المرحلة الثانية فهي ردود فعل الدولة حيال ما يقع لهؤلاء النسوة، ليس فقط بإسبانيا، بل أكثر من ذلك ما يقع للمغربيات بباب سبتة، وكذا باب مليلية، وما يقع بدول الخليج، والآن مع تطوّر وسائل التواصل الاجتماعي تصل إلينا فيديوهات حول نساء يتعرّضن للتعذيب اليومي بدول الخليج، ولكننا لا نرى ردود فعل قوية من قبل الدولة المغربية، ويمكن أن نسوق هنا مثال رئيس الفلبين، الذي طالب بترحيل العاملات الفلبينيات من مجموعة من دول الخليج لأنهنّ يتعرّضن للتعذيب والإذلال. هذه هي المواقف التي نريد. ما تعليقك على عودة تشميع بيوت مجموعة من المنتمين إلى جماعة العدل والإحسان؟ هذه طبعا تجليات للرّدة الحقوقية الموجودة. نحن نريد فقط تطبيق القانون، لأن هناك قانونا يجب تطبيقه دون التعامل بانتقائية. لما تحدَّثْتُ في البداية عن ردّة حقوقية، فهذه كلها تجليات لها.